في سياق القرارات الجديدة، أصدر رئيس الوزراء حيدر العبادي، في غضون أربع ساعات، قرارات اعتبرت من قبل مراقبين محاولة لامتصاص الغضب المتصاعد وخطوة استباقية لتظاهرة، يحشد لها ذوو ضحايا الكرادة، مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي لحشد أكبر قدر ممكن من الناس عند المنطقة الخضراء. ويخشى العبادي من تطور تلك التظاهرات واستغلالها من قبل كتل سياسية مثل التيار الصدري لتتسلقها وتسقط حكومته. ووفقاً لآخر إحصائيات وزارة الصحة العراقية، فقد ارتفع عدد القتلى إلى 388 قتيلاً وجريحاً، بواقع 216 قتيلاً بعد وفاة عدد من الجرحى بسبب خطورة حالاتهم بالمستشفيات.
في هذا السياق، يقول مصدر طبي رفيع في وزارة الصحة العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "العدد الكلي للقتلى حتى الساعة الثالثة من أمس الاثنين، بلغ 216 قتيلاً، وهو مرشح للزيادة. ولدينا نحو 170 جريحاً، عدد كبير منهم بحالة حرجة". ويوضح المصدر وهو طبيب بمستشفى الكندي ببغداد، أن "الحكومة تحاول التقليل من عدد الضحايا، خوفاً من النقمة الشعبية الحالية".
من جهته، يشير مدير شرطة نجدة الكرادة، العقيد وحيد طالب حسين في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "نحو 50 جثة متفحمة ولا يمكن التعرف عليها، والضحايا هم من السنة والشيعة والمسيحيين ولا يمكن اعتبار التفجير ضد طائفة واحدة ولمن يقول ذلك نرد عليه بأسماء الضحايا".
وكان العبادي قد سارع إلى إصدار قرارات عدة من دون الرجوع إلى مجلس الوزراء، آمراً بسحب أجهزة كشف المتفجرات المحمولة يدوياً (اي دي أي)، وإعادة فتح التحقيق في صفقات الفساد لهذه الأجهزة وملاحقة جميع الجهات التي أسهمت فيها. كما دعا لاستئناف مشروع حزام بغداد الأمني، الذي يتضمّن خندقا وسورا إسمنتيا حول العاصمة، والذي جرى تجميده بأمر من العبادي نفسه، بعد موجة غضب ورفض شعبية وسياسية بسبب المشروع. كما أحال العبادي ضباط الجيش والشرطة في منطقة التفجير إلى التحقيق.
في الإطار نفسه، أعلنت وزارة العدل العراقية في بيان لها، أنها تلقّت أوامر من رئيس الوزراء للبدء بعملية إعدام المعتقلين المتهمين بالإرهاب والذين حكم عليهم بالإعدام. وتأتي الخطوة المفاجئة الأخيرة بعد سنوات طويلة من اعتراض منظمات دولية، منها الأمم المتحدة والعفو الدولية ومطالبات كتل سياسية بإعادة محاكمة المتهمين، كونهم أدينوا بزمن حكم نوري المالكي وتحت التعذيب، فيما يرفض رئيس الجمهورية فؤاد معصوم توقيع الأحكام دون مراجعة.
ولم تشرح وزارة العدل في بيانها كيفية تنفيذ أحكام الإعدام التي يبلغ عددها حتى الآن أكثر من 500 حكم، لمعتقلين بالسجون بينهم عرب، على الرغم من وجود نصّ دستوري بأن على رئيس الجمهورية التوقيع حصراً على تنفيذ الحكم. كما يكشف مصدر حكومي عراقي مطّلع أن العبادي وافق على تشكيل لجان شعبية، لحماية أحياء العاصمة العراقية من التفجيرات. ويشير المصدر إلى أن "وفداً من أهالي الكرادة، التقى العبادي ليل الأحد"، مؤكداً في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أن "الوفد طالب رئيس الوزراء العراقي بالسماح للسكان المحليين بالمساهمة في حماية مناطقهم، وتفتيش السيارات والأشخاص الداخلين إلى مناطقهم". وينوّه إلى "بدء التنسيق مع قيادة عمليات الجيش ببغداد، للسماح لمفارز المدنيين بالانتشار مع نقاط التفتيش، ودوريات القوات العراقية في حي الكرادة والأحياء القريبة منها".
في سياق متصل، استغلت الأحزاب على مختلف مشاربها التفجير الإرهابي لتمرير ما تريد وسط الغضب العارم الذي يجتاح الشارع العراقي. وقد طالبت كتلة "دولة القانون" بزعامة المالكي، بمنع دخول أهل الأنبار إلى بغداد، فيما طالب آخرون بتحويل أموال النازحين لذوي ضحايا التفجيرات، في تصريحات تهدف للتهرّب من المسؤولية إزاء الفشل الحاصل في البلاد.
وقد اعتبر رئيس كتلة "دولة القانون" النيابية علي الأديب، في بيان أن "ما جرى في منطقة الكرادة، ما هو إلّا صورة معبّرة عن خسة وجبن المارقين". ودعا المسؤولين إلى "اتخاذ إجراءات سريعة تمنع دخول أبناء المناطق المحررة من محافظة الأنبار إلى بغداد، ووضعهم في أماكن بعيدة عنها لتجنب تسلّل الدواعش إليها"، مطالباً الحكومة بـ"المباشرة الفورية بمحاسبة العناصر والقيادات الأمنية المسؤولة عن حماية المنطقة، وإنزال العقوبات التي يستحقونها بهم دون مجاملة أو محاباة. كما هاجمت القيادية في الكتلة عالية نصيف، الحكومة، معتبرة أن "هناك مناطق في بغداد لا تدخلها قوات الأمن وصارت مقاطعات خاصة بالأحزاب السياسية".
في غضون ذلك، طالب عضو حزب "الدعوة" في محافظة بابل، علي الحلي، بقطع مساعدات النازحين في المعسكرات والخيام وتحويلها إلى ذوي الضحايا. ورأى في تصريحات صحفية أن التفجير آت من الأنبار. فيما توعّدت مليشيات "الحشد الشعبي" بما وصفته ضرب الخلايا النائمة في بغداد، ومطاردتها، في تصريحات تشير إلى غياب الدولة والقانون عن الواجهة في التعامل مع الأحداث. ودعت المليشيات الحكومة إلى "طرد السفير السعودي من العراق".
من جانبه، أكد مقرر لجنة الأمن والدفاع البرلمانية هوشيار عبد الله، أن "على الحكومة إعادة النظر في كيفية إدارة الملف الأمني بالكامل". وبيّن أنه "خلال الفترة المقبلة نحن أمام تهديد إرهابي جدي داخل المدن، يتطلّب من الحكومة تطوير أساليب التصدي للهجمات في حال وقوعها، من خلال استخدام التقنيات الحديثة وتجنّب الأساليب التقليدية التي فشلت فشلاً ذريعاً في الحفاظ على أرواح المواطنين". وتلفّ الانفجار علامات استفهام عديدة حول كيفية دخول الشاحنة المفخخة وتجاوزها لتسعة حواجز تفتيش، تسبق موقع الانفجار، فضلاً عن شدة الانفجار الهائلة، وعدم وجود أي حفرة في الأرض بعد التفجير، على الرغم من إعلان الجيش والشرطة أن المواد المستخدمة في التفجير هي "تي أن تي" و"سي فور". وهو ما يخالف طبيعة آثار هذا النوع من المتفجرات، ما يطرح فرضية استخدام تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) نوعية جديدة من المتفجرات أو أن التفجير لم يحصل بسيارة مفخخة، بل بصهريج بنزين خلّف هذا الدمار الواسع، وفقاً لما أفاد خبراء لـ"العربي الجديد".
وحتى الآن لم تكشف الحكومة عن نتائج التحقيق بالاعتداء الدامي، كما وعدت وزارة الداخلية في بيان لها صدر عقب التفجير بساعات، وقالت إنها ستكشف النتائج سريعاً. وتتجنّب الحكومة العراقية والقيادات الأمنية التحدث عن ملابسات التفجير وكيفية دخول الشاحنة المتفجرة، في الوقت الذي تؤكد فيه مصادر أمنية وجود فساد في حواجز التفتيش الموجودة على مشارف الحي، مكّنت الانتحاري من الدخول بشاحنته إلى المنطقة. ويطالب خبراء أمنيون الحكومة بشرح تفاصيل التفجير وتقديم تعليمات سريعة لقوات الأمن، خشية تكراره في منطقة أخرى، فيما يؤكد آخرون أن الرواية ناقصة وأن هناك وجها ثانيا لحقيقة التفجير.
ويقول العميد الركن المتقاعد محمد الوائلي، إن "التفجير بهذا التدمير الهائل كان يجب أن يخلّف حفرة ولو بقطر 3 أمتار أو أقلّ، لكننا فحصنا المكان ولم نجد أي حفرة تحت ما قيل إنه مكان انفجار السيارة المفخخة. كما أن الحريق أتى على مساحة تُقدّر بأكثر من 800 متر، والمباني في تلك المنطقة أغلبها قديمة، بعضها عمره أكثر من 150 سنة، ولم تهدم أو تسقط أي منها. بالتالي إن هذا كله يجب أن يفسر من الحكومة، فتفجيرات تي أن تي وسي فور، لا يُمكن إلا أن تحدث فتحات وفجوات وحفرا عميقة بالشوارع وانهيارات بالمباني على أقلّ تقدير، لكن ما رأيناه عند وصولنا مكان التفجير غير منطقي، ويؤكد أنها مادة ثانية نشرت الحريق ومنعت حتى من سقط من الركض وطاولته النيران".
ويضيف أن "الترجيحات تشير إلى وجود صهريج لوقود سيارات البنزين مزوّد بقداحة تفجير، لدى الانتحاري، ومعروف أن انفجار الصهريج يؤدي إلى انتشار النار بسرعة تفوق سرعة الصوت في محيط المكان، ولا تسمح لأحد المغادرة أو الفرار". ويستدرك أن "غالبية الضحايا لا يحملون شظايا بل إن الحرق هو ما قتلهم، وهو ما يعزز هذه الفرضية". ويكشف أن "الحكومة ترفض الإفراج عن شريط كاميرات المراقبة ولا نعلم السبب".
فيما ذهب الخبير الأمني العراقي حسين الطائي، إلى حدّ أنه "من المبكر الحديث عن صهريج مفخّخ، فهذا سيدخل الحكومة في أزمة كبيرة، خصوصاً أن الصهاريج ممنوع دخولها إلى الأحياء السكنية منذ يوليو/تموز العام 2006، عندما انفجر صهريج في منطقة الحسينية ببغداد، مخلّفا نحو 500 قتيل وجريح".
ويردف الطائي أنه "من غير المشروط على تفجيرات تي أن تي وسي فور أن تهدم أو تخلف حفرا، لذا يجب عدم التسليم بفرضية الصهريج". كما يلفت إلى أن "الشيء المؤكد هو أن من نفّذ التفجير بات قادراً على تكراره، وهذا ما على الحكومة فهمه وأن تعمل قوات الأمن على وقفه بأي شكل من الأشكال، وإلا فإن أي انفجار مماثل معناه انهيار الحكومة العراقية".