العراقيون المتهرّبون من الضرائب: "جنّة يا وطنّا"

05 اغسطس 2015
التهرّب الضريبي يكسر الاقتصاد العراقي (فرانس برس)
+ الخط -
أسهم التهرّب الضريبي في العراق في تدني الإيرادات الحكومية، بسبب غياب سلطة القانون من جهة، وعدم وضوح القوانين وازدواجية المعايير في تطبيقها من جهة أخرى، في ظل عجزٍ كبير تشهده الموازنة السنوية لهذا العام وسط ارتفاع الإنفاق العسكري. لا بل يعتبر المتورطون الأراضي العراقية بمثابة جنّة للتهرّب الضريبي.

ربطاً بآخر التقارير السنوية الرسمية، قالت مصادر مطلعة إن عائدات العراق الضريبية لم تتجاوز 3.7 مليارات دولار في عام 2013، بينما أكدت التقديرات أن عائدات العام الماضي لم تختلف عمّا سبقتها كثيراً، في ظل غياب كلي للموازنة السنوية والحسابات الختامية.


ويرى المعاون القانوني في الهيئة العامة للضرائب، أبو محمد الدليمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، "أن التهرّب الضريبي في العراق بلغ ذروته وأصبح يفوق ما هو موجود في أغلب دول العالم، لا بل وصل إلى مستويات لا يمكن لأحد توقعها". ويؤكد أن "أكثر الذين يتهربون من الضرائب هم أصحاب المهن التجارية والصناعية وكذلك الأطباء والصيادلة".

اقرأ أيضا: الفساد في العراق: اسألوا عن ثروات المسؤولين!

ويعزو الدليمي ذلك "لعدم وجود مسوحات ميدانية من قبل فروع الضريبة لأصحاب هذه المهن بغرض تسجيلها في الفرع الضريبي الواقع في الرقعة الجغرافية نفسها. والسبب الآخر والمهم هو أن أصحاب تلك المهن يحصلون على إجازة ممارسة المهنة دون مطالبتهم بجلب براءة ذمة من دائرة الضريبة، لكي يتم إجبارهم على تسجيل مصدر دخلهم في الفرع الضريبي، وأخيراً لعدم وجود رقابة حقيقية على أصحاب تلك المهن، والتأكد من الإجازة الممنوحة لهم وصحتها".

ويلفت الدليمي في حديثه إلى أن "التهرب الضريبي الأكبر هو ما يحصل في المنافذ الحدودية، حيث يتم تزوير الاستمارة الضريبية من قبل وكلاء الإخراج المخولين بتخليص البضائع وإتمام المعاملات".

بدوره، يؤكد حسن شاكر، سائق شاحنة على خط عمّان ـ بغداد، في حديث مع "العربي الجديد"، ما ذكره الدليمي، ويقول: "كثيراً ما شاهدنا عمليات تزوير وتلاعب تحصل بين وكلاء الإخراج وموظفي الجمارك"، مشيراً إلى أن "بعض الموظفين يتعمّد أحياناً تأخير دخول الشاحنات وتتكدس بأرتال طويلة تتجاوز عدة كيلومترات وتتأخر لأيام عدة، وذلك ليتم ابتزاز الوكلاء وسائقي الشاحنات والتجار لدفع الرشاوى".

يضيف شاكر: "في أوقات كثيرة لا تُراعى الضوابط والإجراءات اللازمة لتفتيش البضائع، حيث يتم إدخال الشاحنات بأعداد كبيرة خلال ساعات قليلة، وذلك بعد تعطيلها لعدة أيام خارج بوابة الحدود، وبعد أخذ "المقسوم" (الرشوة)".

اقرأ أيضا: أمراء الحروب يذوّبون الطبقات الاجتماعية في العراق!

ويرى الباحث باسل عباس خضير أن المشكلة هنا تكمن "في موضوع تجارة المواد الغذائية وسلع التسوق للمواطنين، حيث لا تخضع للإجراءات الخاصة بالرقابة، من حيث المطابقة عليها في المنافذ الحدودية". ويؤكد خضير أن "ذلك مستمر ما دامت الرشى تدفع للفاسدين، فهناك العديد من المواد التي لا تخضع لإجراءات السيطرة النوعية، كأن تجدها لا تحمل مواصفات الجودة، أو إنها مقلّدة".


ويرى خضير أن "العلامات والإشارات الموجودة على الأغلفة أو حتى في المستندات الخاصة بالتصدير أو الشحن، بعضها مزيف ويتم التغاضي عنه من باب الفساد الإداري والمالي".

أحد موظفي الإخراج كان يعمل في منفذ حدودي، فضّل عدم الكشف عن هويته، يذكر لـ"العربي الجديد"، أن "هناك جهات تحمي الفاسدين في الدوائر الضريبية والجمركية، وتسمح لهم بممارسة الابتزاز والتلاعب في وضح النهار".

ويضيف: "قبل عامين، حاول صاحب شركة الإخراج التي كنت أعمل فيها رفض أساليب الابتزاز والامتناع عن الدفع، ولكنه فوجئ بأمر توقيف رخصته ومنعه من مزاولة العمل، وبعد وساطات وتدخلات أرشده أحد المتنفذين بأن عليه الذهاب إلى شخص في بغداد ودفع ما يطلبه من مال، في مقابل أن يعيده إلى مزاولة عمله". ويؤكد بقوله: "ذلك ما حصل فعلاً، وعاد من بغداد فوراً لممارسة نشاط شركته كوكيل إخراج".

في حين أن أغرب ما يذكره سائق الشاحنة حسن شاكر لـ"العربي الجديد"، قوله: "بعد ظهور تنظيم الدولة (داعش)، وسيطرته على مناطق تربط العراق بالأردن، كان مسلحو التنظيم يأخذون منّا إتاوات إضافية مقابل وصولات مختومة بختم "الدولة الإسلامية"، لكن الغريب أننا عندما كنّا نقترب من بغداد وتوقفنا السيارات الحكومية فإنها تطالبنا بالوصولات الرسمية، ومن بينها وصل تنظيم الدولة!"، ويختم شاكر حديثه بقوله: "كل من لا يحمل ذلك الوصل يصبح متهماً بأن بضاعته مهربة وداخلة للبلد بطرق غير قانونية، لتبدأ مرحلة جديدة من الابتزاز والمساومة".
المساهمون