العجز المالي يشلّ أذرع السيسي الإعلامية

28 فبراير 2018
(جيانلويجي غويرسيا/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التي سيطرت على معظم المؤسسات الإعلاميّة في مصر، باتت غير قادرة على مواصلة إدارة تلك المؤسسات في الفترة الأخيرة، نتيجة نقصٍ شديد في الموارد الماليّة التي تحتاجها لتسيير العمل بتلك المشروعات، ما يُقابِله ضعفٌ في عائدات الإعلانات. 

وقام المهندس أسامة الشيخ، الذي استقال أخيراً من رئاسة شركة "إعلام المصريين" التابعة للمجموعة التي أسستها المخابرات العامة "إيجل كابيتال"، بتسريح أكثر من 500 من العاملين بالقنوات التابعة للشركة، في ما عُرف في الوسط الإعلامي، بـ"مجزرة أسامة الشيخ".

وكانت المجموعة الاستثمارية "إيجل كابيتال" التابعة للمخابرات، قد استحوذت على حصة رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، في مجموعة "إعلام المصريين" بعد خسائر كبيرة حقّقتها الشركة التي تمتلك عددًا من الجرائد والمواقع الإخباريّة، وهي "اليوم السابع"، "دوت مصر"، "صوت الأمة"، "عين"، "إيجبت توداي"، و"بيزنس توداي"، بالإضافة إلى مجموعة قنوات "أون" الفضائية.

وقال مصدر مقرب من أسامة الشيخ داخل الشركة، لـ"العربي الجديد"، ورفض الكشف عن اسمه، إنّ الشيخ قرّر الاستقالة من منصبه بعد أن أيْقن بأنّه لا يقوم بأيّ دور حقيقي داخل الشركة، وأنّ جميع القرارات المتعلّقة بسير العمل تصدُر من ضباط الاستخبارات المسؤولين عن الشركة، وهو الأمر الذي "لم يكُن الشيخ يتصوّر وصوله إلى ذلك الحدّ". ورغم أنّ الرجل لم يتحدث عن ملابسات استقالته، إلا أنه كتب قبل يومين من تقديمها على صفحته الخاصة على "فيسبوك"، قائلاً "ليس التغيير ترقيعًا للثوب، إنه استبدال للجسد. بشرط أن تتعرف عليه الروح... عن التطوير أتحدث". كما أضاف "خايف أقول اللي في قلبي علشان اللي بحبهم ميزعلوش. أما بعد الاستقالة فكتب الشيخ منشوراً آخر قال فيه "فرحان بنفسي لأني لسه بحترم نفسي". ثم كتب "الاحتواء أول طريق الانحناء والنهاية هي الانبطاح".

واختارت الاستخبارات العامة وشركتها "إيجل كابيتال" التي ترأس مجلس إدارتها الوزيرة السابقة داليا خورشيد، صاحب إحدى شركات الدعاية والإعلان لإدارة "إعلام المصريين"، وهو تامر مرسي، الذي يفتقد لأيّ خبرة في مجال الصحافة والإعلام، ويقتصر مجال عمله على الإنتاج الفني والدعاية والإعلان، ليكون رئيس مجلس إدارة "إعلام المصريين" الجديد.

وقال المصدر إنّ هناك خطةً يتم التحضير لتنفيذها داخل شركة "إعلام المصريين"، سيتمّ من خلالها تقليص عدد إصدارات الشركة، على أن يتم دمجها مع كياناتٍ أخرى. إذ سيتمّ دمج جريدة "صوت الأمة" وموقع "عين"، في جريدة وموقع "اليوم السابع". كما سيتم دمج موقع "دوت مصر" (الذي بدأ بتمويل إماراتي، قبل أن يستحوذ عليه أبو هشيمة ويضمه إلى "إعلام المصريين"). وهي الخطة التي وضعها رئيس تحرير "اليوم السابع" خالد صلاح، وعرضها على داليا خورشيد.

وتشمل الخطة أيضًا إنتاج نشرات الأخبار الخاصة بقناة "أون" من صالة تحرير "اليوم السابع" وذلك لتقليل النفقات. وأوضح المصدر أنّ صلاح قام بتلك المبادرة بعد أن انتشرت شائعات حول الاستغناء عنه (بعد تعيين المهندس أسامة الشيخ) بسبب مخالفات ماليّة وإداريّة ارتكبها صلاح داخل الشركة، ومنها تأسيس شركة علاقات عامة باسم شقيقه جمال صلاح اتخذت اسم "POD"، ثم بيعها بعد ذلك لـ"إعلام المصريين". كما أنّه قام بتوظيف عدد كبير من أقربائه في الشركة.



"إعلام المصريين" ليست المؤسّسة الوحيدة التي تتبع الأجهزة الأمنية في مصر، والتي تعاني من أزمات ماليّة. إذ تعاني مجموعة قنوات "الحياة" من المشكلة نفسها، حيث العمل شبه متوقف منذ فترة طويلة، لا سيّما بعد الإعلان عن بيعها للشركة التابعة للاستخبارات أيضًا "فالكون". وقالت مصادر من داخل القناة إن الصفقة متعثرة، رغم نفي مالكها الأصلي السيد البدوي ذلك. فقد قال المستشار الإعلامي للبدوي إن صفقة الاستحواذ على تلفزيون "الحياة" تسير بمسارها الطبيعي. وأضافت أنه تم الاستغناء عن عدد كبير من العاملين بالقناة، وأن البقية لا تتقاضى أجورها منذ فترة.

ورجّحت المصادر ألا يتم الاستحواذ بشكل كامل على مجموعة قنوات "الحياة" من جانب شركة الاستخبارات، إذ إنها لا تمتلك المال الكافي لتسييرها، والمرجح أن تترك حصةً منها للسيد البدوي، كـ"مكافأة له" عن موافقته على الترشح لرئاسة الجمهورية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وأعلنت، في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، مجموعة "تواصل" التابعة للاستخبارات وشركة "سيجما للإعلام" التابعة للبدوي، توقيع اتفاقية إطاريّة تستحوذ من خلالها الأولى على شبكة قنوات "الحياة" الفضائية. وأكد الطرفان إتمام المفاوضات بينهما، حيث ينص اتفاق البيع على شراء مجموعة "تواصل" لقنوات "الحياة" وأصولها بالكامل. ووقّع عقد الاتفاقية الإطارية السيد البدوي، رئيس مجلس إدارة شركة "سيجما للإعلام"، وشريف خالد رئيس مجلس إدارة شركة "تواصل" التابعة لـ"فالكون". وعلى الرغم من تأكيد الجانبين حرصهما على ضمان حقوق العاملين في تلك القنوات، ومنح الأولوية الكاملة لتسوية مستحقاتهم المالية المتأخرة، إلا أن المشكلة لا زالت قائمة حتى الآن.


أما مجموعة قنوات "DMC" والتي تتبع الجهاز الذي يشرف عليه مدير مكتب السيسي، اللواء عباس كامل، ويديرها المدعو طارق إسماعيل، فتعاني هي الأخرى من أزمات مالية طاحنة، أدت إلى استبعاد عدد كبير من العاملين بتلك القنوات. كما أن الباقين يعانون أيضًا من مشكلة تأخر المرتبات.

وعلم "العربي الجديد" من مصادر من داخل المجموعة، أنّ الأزمة تفاقمت في الفترة الأخيرة، وأنّ تأخر إطلاق القناة الجديدة التي كان قد أُعلن عنها، جاء بسبب نقص الأموال. وأشارت المصادر إلى أن الفريق الذي تعاقدت معه القناة من أجل العمل فيها، والذي كان يعمل في السابق في قناة "سي بي سي إكسترا"، ومنهم منال الدفتار ومحمد عبد الرحمن، يجلسون في منازلهم ويتقاضون رواتبهم من دون عمل.

وفي يونيو/ حزيران من عام 2016، تم ترشيح منال الدفتار، رئيسة قناة "سي بي سي إكسترا"، لرئاسة "دي إم سي" التي كان من المفترض أن تنطلق نهاية العام نفسه، لكنها لم تخرج للنور حتى الآن. وكانت "دي إم سي" قد أعلنت أنها ستطلق قنوات متخصصة للأطفال والمسرح والسينما، وبالفعل قامت بشراء مواد خاصة لتلك القنوات، لكنها لم تظهر حتى الآن، فيما يبدو أنها مشروعات فشلت أيضًا.

وقالت مصادر مقربة من اللواء عباس كامل، لـ"العربي الجديد"، إنّ هناك اتجاهاً لغلق بعض تلك المشروعات تمامًا، ولكن بعد انتهاء انتخابات رئاسة الجمهورية، لا سيما بعد أنّ توقفت دولة الإمارات عن ضخ الأموال في تلك المشروعات، وهو الأمر الذي وجدت أجهزة السيسي مع حدوثه صعوبات في تمويل تلك المشروعات، وأيضًا بعد اكتشاف عدم جدوى الملايين التي صُرفت، على أن يتم التركيز على مشروع "ماسبيرو" الذي سيطرت عليه هيئة الرقابة الإدارية، حيث من المرتقب أن تقوم بتصفيته رويدًا رويدًا، ليتم الاكتفاء بقناة واحدة أو اثنتين. وبدأت الرقابة الإدارية بالفعل بالسيطرة على القناة الأولى، وتطويرها والتعاقد مع مقدمي برامج أمثال خيري رمضان ورشا نبيل، كما أنها تخطط للسيطرة أيضًا على القناة الثانية، لتعود بماسبيرو إلى كونه "صوت النظام".
دلالات
المساهمون