15 مايو 2024
العبادي... خطوة قبل التمرّد
بمجرد إعلان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، نيته إجراء تغييرات وزارية على الحكومة لتعيين تكنوقراط بدلاً من الوزراء الذين عيّنوا على أساس انتماءاتهم السياسية، توالت ردود الأفعال بين متحفظة ورافضة أو مؤيدة لهذا التوجه الذي يبدو أن العبادي عقد العزم على تنفيذه والخروج من الدائرة المغلقة التي تحيط به، وبآليات عمل مؤسسات الدولة كافة، انطلاقاً من مجلس وزرائه شخصياً.
القوى المتحفظة أو المستقبلة بحذر شديد نية العبادي، ترى أن التغيير يجب أن يشمل الوزراء الذين لم يقدموا أي إنجاز خلال تسنمهم مهامهم، وطالبت بتحديد معايير واضحة ومنهجية لتقييم عمل الوزراء من جهة، ومعايير أخرى لاختيار التكنوقراط المنتسبين لتولي الحقائب الوزارية، بدلاء عن المتقاعسين أو المفسدين، لكنها؛ أي الجهات السياسية المتحفظة تظن أن العبادي سيقع، في النهاية، تحت تأثير حزب الدعوة الذي ينتمي له أو القوى المهيمنة على تيار التحالف الوطني، صاحب الأصوات الأكثر، والأقوى ربما، في مجلس النواب العراقي.
الجهات الرافضة مقترح (أو نية) العبادي تنظر إلى الأمر من زاوية أخرى؛ حيث لم يثبت العبادي قدرته على تنفيذ ما وعد الشعب به، في الصيف الماضي، بعد خروج تجمعات شعبية كبيرة من مدن عراقية مختلفة، مطالبة باجتثاث الفساد، وإلغاء نظام المحاصصة وفك الارتباط بالمرجعية، وصولاً إلى الدولة المدنية، المنفصلة بشكل واضح عن سلطة رجال الدين وغيرها من مطالب الحراك الشعبي العراقي الأبرز خلال عقد. حينها، وعد رئيس مجلس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بتفكيك نظام المحاصصة والتصدي للفساد والتوجه إلى إصلاحات فعلية في منظومة الخدمات والقضاء. وعلى الرغم من مرور فترة طويلة على تعهدات العبادي، إلا أن شيئاً من وعوده لم يتحقق، بل زادت الأمور في العراق سوءاً، وتم اختطاف الناشطين المدنيين المنظمين للحراك الشعبي بشكل إرهابي، وبحضور قوات الأمن العراقية.
الرافضون أو المشككون في نية العبادي، أو قدرته على تنفيذ ما ذهب إليه في خطابه المتلفز، ليلة التاسع من فبراير/شباط الجاري، ينطلقون أيضاً من زاوية فقدان القدرة الاقتصادية والمالية العراقية على إحداث التغييرات الكفيلة برضا الشعب، وإعادة العراق إلى الواجهة كدولة، ومع استمرار انخفاض أسعار النفط، ولجوء العراق إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وسحب جزء من احتياطياته من العملة الصعبة، تكون الأشهر المقبلة مريرة جداً، أولاً على شخص العبادي؛ باعتباره مسؤولاً أول أمام الشعب ومجلس النواب، ثم على الشعب العراقي الذي بدأ بفقدان جزء من رواتبه، وسيفقد أغلبها في الأشهر الثلاثة المقبلة.
الحقائب الوزارية توزع في العراق، وبعد أن شكلت أول وزارة عقب إسقاط نظام الحكم الوطني هناك في 2003، على أساس المحاصصة، ووفق النسب التي تمثلها الكتل السياسية في البرلمان. لذلك، توجه العبادي إلى أعضاء هذا البرلمان، راجياً موافقتهم على خطته بشأن التغيير الوزاري، بعيداً عن شرط المحاصصة المعمول به حالياً. وهنا، يبدو أن العبادي غاب عنه أن هذه المناصب مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصالح الكتل السياسية، وأنها طوال الـ 12 عاماً الماضية، تشكل مصدراً رئيساً من مصادر تمويلها واستثماراتها داخل العراق وخارجه. لذلك؛ وهو رأي ذكرته إحدى القوى الكبرى في مجلس النواب العراقي، لا يمكن أن يكون التغيير بناء على رغبة عرضية لرئيس مجلس الوزراء، معتبرة أنها قادرة على ترشيح شخصيات (تكنوقراط) من داخل تنظيماتها، ما يعني، بالنتيجة، تفسير الماء بعد الجهد بالماء!
الدلائل على الأرض، ومن خلال ما تراكمت وتعددت أوجه الضغط على الحكومة العراقية والعبادي شخصياً، بدءاً من تبعات الحرب مع تنظيم الدولة، ثم الانخفاض المستمر في أسعار النفط (المورد الرئيسي للعراق)، تزامناً مع تصاعد النقمة الشعبية، جرّاء تردّي مجمل الأوضاع الحياتية في البلد، ومع سباق رموز العملية في التباهي بالإعلان عن حجم الفساد وسرقة المال العام، عبر سنوات السلطة التائهة منذ 2005، وبحساب المتغيرات الدولية والإقليمية الكبرى في المنطقة، فإن رئيس الحكومة العراقية ربما يهيء نفسه لواحد من أمرين؛ الأول هو الهزيمة، وتتحدث المصادر من داخل أروقة البيت السياسي العراقي عن أسماء بديلة، في حال رفض مجلس النواب العراقي مقترحات وزارة التكنوقراط التي اقترحها، وقد عبر عن ذلك عضو البرلمان عن ائتلاف دولة القانون، سامي العسكري، بالقول إن "العبادي الآن تحت رحمة الكتل. إن لم تتفق فلن يستطيع أن يفعل شيئاً.
عامل آخر يراه الذين يعتقدون أن العبادي إنما يهيئ نفسه للانسحاب، وهو قرار المرجع الشيعي، علي السيستاني، الأسبوع الماضي، التوقف عن التطرق للشؤون السياسية في خطب الجمعة، والذي فسره كثيرون من قادة الكتل الشيعية عدم رضا من السيستاني على أداء العبادي بشكل مطلق، وأنها ضاقت ذرعاً به.
الأمر الآخر الذي ربما يهيء العبادي نفسه له هو إعلان حكومة إنقاذ وطني، بعد أن يحل مجلس النواب، ويجمّد العمل بالدستور فترة محددة، مستعيناً بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ودول أخرى بعضها عربي، تريد للعراق أن يتخلص من هيمنة طهران على مقدراته، مقابل مد يد العون إلى حكومته للنهوض بالبلد من جديد. وإذا ما كان هذا التوجه موجوداً لدى العبادي، فإنه بالطبع سيحظى بحماية كافية من أيّ ردود أفعال، سواء من المليشيات الموالية لإيران والمتنفذة داخل مؤسسات البرلمان والدولة العراقية، ومن المنظومة العربية والخليجية.
بحسب طبيعة شخصية العبادي ومسيرته، فإن حكومة الإنقاذ الوطني (الطوارئ) هي ما يراود مخيلته السياسية، وهي ما ستحقق الإنتاجية في الداخل والخارج، وستعيد أيضاً احترام العراقيين والعالم لها، وهو ما يشكك فيه رئيس مجلس النواب العراقي، سليم الجبوري، ويرى أن اقتراح العبادي ربما يكون مزاجياً أكثر منه واقعياً، معللاً ذلك بأن "البرلمان لم يتسلم حتى الآن أي طلبٍ للتعديل، كي يأخذ مساره الطبيعي".
القوى المتحفظة أو المستقبلة بحذر شديد نية العبادي، ترى أن التغيير يجب أن يشمل الوزراء الذين لم يقدموا أي إنجاز خلال تسنمهم مهامهم، وطالبت بتحديد معايير واضحة ومنهجية لتقييم عمل الوزراء من جهة، ومعايير أخرى لاختيار التكنوقراط المنتسبين لتولي الحقائب الوزارية، بدلاء عن المتقاعسين أو المفسدين، لكنها؛ أي الجهات السياسية المتحفظة تظن أن العبادي سيقع، في النهاية، تحت تأثير حزب الدعوة الذي ينتمي له أو القوى المهيمنة على تيار التحالف الوطني، صاحب الأصوات الأكثر، والأقوى ربما، في مجلس النواب العراقي.
الجهات الرافضة مقترح (أو نية) العبادي تنظر إلى الأمر من زاوية أخرى؛ حيث لم يثبت العبادي قدرته على تنفيذ ما وعد الشعب به، في الصيف الماضي، بعد خروج تجمعات شعبية كبيرة من مدن عراقية مختلفة، مطالبة باجتثاث الفساد، وإلغاء نظام المحاصصة وفك الارتباط بالمرجعية، وصولاً إلى الدولة المدنية، المنفصلة بشكل واضح عن سلطة رجال الدين وغيرها من مطالب الحراك الشعبي العراقي الأبرز خلال عقد. حينها، وعد رئيس مجلس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بتفكيك نظام المحاصصة والتصدي للفساد والتوجه إلى إصلاحات فعلية في منظومة الخدمات والقضاء. وعلى الرغم من مرور فترة طويلة على تعهدات العبادي، إلا أن شيئاً من وعوده لم يتحقق، بل زادت الأمور في العراق سوءاً، وتم اختطاف الناشطين المدنيين المنظمين للحراك الشعبي بشكل إرهابي، وبحضور قوات الأمن العراقية.
الرافضون أو المشككون في نية العبادي، أو قدرته على تنفيذ ما ذهب إليه في خطابه المتلفز، ليلة التاسع من فبراير/شباط الجاري، ينطلقون أيضاً من زاوية فقدان القدرة الاقتصادية والمالية العراقية على إحداث التغييرات الكفيلة برضا الشعب، وإعادة العراق إلى الواجهة كدولة، ومع استمرار انخفاض أسعار النفط، ولجوء العراق إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وسحب جزء من احتياطياته من العملة الصعبة، تكون الأشهر المقبلة مريرة جداً، أولاً على شخص العبادي؛ باعتباره مسؤولاً أول أمام الشعب ومجلس النواب، ثم على الشعب العراقي الذي بدأ بفقدان جزء من رواتبه، وسيفقد أغلبها في الأشهر الثلاثة المقبلة.
الحقائب الوزارية توزع في العراق، وبعد أن شكلت أول وزارة عقب إسقاط نظام الحكم الوطني هناك في 2003، على أساس المحاصصة، ووفق النسب التي تمثلها الكتل السياسية في البرلمان. لذلك، توجه العبادي إلى أعضاء هذا البرلمان، راجياً موافقتهم على خطته بشأن التغيير الوزاري، بعيداً عن شرط المحاصصة المعمول به حالياً. وهنا، يبدو أن العبادي غاب عنه أن هذه المناصب مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصالح الكتل السياسية، وأنها طوال الـ 12 عاماً الماضية، تشكل مصدراً رئيساً من مصادر تمويلها واستثماراتها داخل العراق وخارجه. لذلك؛ وهو رأي ذكرته إحدى القوى الكبرى في مجلس النواب العراقي، لا يمكن أن يكون التغيير بناء على رغبة عرضية لرئيس مجلس الوزراء، معتبرة أنها قادرة على ترشيح شخصيات (تكنوقراط) من داخل تنظيماتها، ما يعني، بالنتيجة، تفسير الماء بعد الجهد بالماء!
الدلائل على الأرض، ومن خلال ما تراكمت وتعددت أوجه الضغط على الحكومة العراقية والعبادي شخصياً، بدءاً من تبعات الحرب مع تنظيم الدولة، ثم الانخفاض المستمر في أسعار النفط (المورد الرئيسي للعراق)، تزامناً مع تصاعد النقمة الشعبية، جرّاء تردّي مجمل الأوضاع الحياتية في البلد، ومع سباق رموز العملية في التباهي بالإعلان عن حجم الفساد وسرقة المال العام، عبر سنوات السلطة التائهة منذ 2005، وبحساب المتغيرات الدولية والإقليمية الكبرى في المنطقة، فإن رئيس الحكومة العراقية ربما يهيء نفسه لواحد من أمرين؛ الأول هو الهزيمة، وتتحدث المصادر من داخل أروقة البيت السياسي العراقي عن أسماء بديلة، في حال رفض مجلس النواب العراقي مقترحات وزارة التكنوقراط التي اقترحها، وقد عبر عن ذلك عضو البرلمان عن ائتلاف دولة القانون، سامي العسكري، بالقول إن "العبادي الآن تحت رحمة الكتل. إن لم تتفق فلن يستطيع أن يفعل شيئاً.
عامل آخر يراه الذين يعتقدون أن العبادي إنما يهيئ نفسه للانسحاب، وهو قرار المرجع الشيعي، علي السيستاني، الأسبوع الماضي، التوقف عن التطرق للشؤون السياسية في خطب الجمعة، والذي فسره كثيرون من قادة الكتل الشيعية عدم رضا من السيستاني على أداء العبادي بشكل مطلق، وأنها ضاقت ذرعاً به.
الأمر الآخر الذي ربما يهيء العبادي نفسه له هو إعلان حكومة إنقاذ وطني، بعد أن يحل مجلس النواب، ويجمّد العمل بالدستور فترة محددة، مستعيناً بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ودول أخرى بعضها عربي، تريد للعراق أن يتخلص من هيمنة طهران على مقدراته، مقابل مد يد العون إلى حكومته للنهوض بالبلد من جديد. وإذا ما كان هذا التوجه موجوداً لدى العبادي، فإنه بالطبع سيحظى بحماية كافية من أيّ ردود أفعال، سواء من المليشيات الموالية لإيران والمتنفذة داخل مؤسسات البرلمان والدولة العراقية، ومن المنظومة العربية والخليجية.
بحسب طبيعة شخصية العبادي ومسيرته، فإن حكومة الإنقاذ الوطني (الطوارئ) هي ما يراود مخيلته السياسية، وهي ما ستحقق الإنتاجية في الداخل والخارج، وستعيد أيضاً احترام العراقيين والعالم لها، وهو ما يشكك فيه رئيس مجلس النواب العراقي، سليم الجبوري، ويرى أن اقتراح العبادي ربما يكون مزاجياً أكثر منه واقعياً، معللاً ذلك بأن "البرلمان لم يتسلم حتى الآن أي طلبٍ للتعديل، كي يأخذ مساره الطبيعي".