لم تعتقد الفتاة الإندونسية مايا، (18 عاماً)، أن آمالها في تحسين وضع عائلتها، بعد استقدامها إلى الأردن، ستنتهي سريعاً على يد مخدومتها، التي حرمتها الراتب، منذ شهرها الثاني في العمل بأعذار مختلقة، سرعان ما توقفت الأسرة عن ترديدها، بعد إساءة معاملتها بشكل متعمد.
تقول مايا، التي هربت مؤخرا من بيت مخدومتها، لتعمل بشكل غير قانوني في محل لبيع منتجات شرق آسيا في منطقة الشابسوغ وسط العاصمة عمان: "فوجئت بأن العمل ليس لمنزل واحد، بل يتم إرسالي لعدة بيوت للعمل فيها، بمبلغ مادي زهيد، دون الحصول على يوم الإجازة. بعد اعتراضي، حرموني الراتب".
إلا أن حال ماريانا، 25 عاماً، من الفيليبين، يعد أسوأ، إذ تعرضت للاغتصاب على يد مخدومها، الذي اعتدى عليها ثم طردها من المنزل، دون منحها حقوقها، مما دفعها إلى العمل في ملهى ليلي. لجأت ماريانا إلى سفارتها، "التي لا تزال تحاول جاهدة تحصيل حقوقها"، كما تقول ميرنا روزاريو، مساعدة الملحق العمالي بالسفارة الفيليبينية في عمان، لـ"العربي الجديد". وتكمل ميرنا:"جاءت لنا ماريانا بوضع نفسي، وجسدي مزرٍ للغاية، تم تحويلها إلى الطب الشرعي، ليتم إثبات الحالة، ورفع قضية للمطالبة بحقوقها، رفعنا دعوى لصالحها، لا تزال جارية، ونأمل أن نجد لها حلاً".
5 آلاف عاملة هاربة في الأردن
يبلغ عدد العاملات المنزليات الفيليبينيات في الأردن 27 ألف عاملة منزل، فيما تشكل العمالة الإندونيسية العدد الأكبر، إذ تبلغ 35 ألف عاملة منزلية، والسيريلانكيات نحو 15 ألفاً، وفق إحصائية وزارة العمل الأردنية لعام 2014.
قرابة 52 ألف عاملة حصلن على تصاريح عمل سارية المفعول، فيما يزيد عدد العاملات الهاربات عن خمسة آلاف عاملة، إضافة إلى 20 ألف عاملة يتواجدن على أراضي المملكة من دون الحصول على تصاريح عمل سارية المفعول.
تكشف إحصائية رسمية حكومية عن وفاة 25 عاملة منزل خلال العام الماضي 2014، من بينها 18 حالة صنفت على أنها انتحار، إلى جانب سبع حالات وفاة، أرجعت إلى أسباب صحية. وإلى جانب الوفيات الـ25، سجلت الإحصائية سالفة الذكر، التي تشرف عليها وزارة الداخلية، نحو 100 محاولة انتحار فاشلة، أدت إلى تعرض المقدمات على الانتحار لإصابات جسدية خطيرة وأخرى بسيطة.
لا ينكر المحامي، عزام الأحمد، المعني بقضايا العمل والعمال في الأردن، وجود ما يصفه بحالة "تخبط" في وضع الخادمات في الأردن. يقول الأحمد لـ"العربي الجديد": "رغم المعاهدات الدولية التي وقعتها الأردن، وتعديلات في قانون العمل بشأن الخادمات، إلا أن الأمر في كثير من الأحيان حبر على ورق".
ويوضح:"هنالك عدة إشكاليات لعدم تطبيق التعليمات، منها عدم وصول الشكاوى إلى الجهات المعنية. أغلب الشكاوى هي من ساعات العمل الطويلة، وعدم أخذ الإجازات، ومسألة الراتب، والتحرش، والشكاوى التي تصل إلى وزارة العمل تحتاج إلى وقت طويل حتى يتم البت في أمرها، مما يعني أن الخاسر الأكبر هن هؤلاء الخادمات، اللواتي لا حول لهن ولا قوة".
بحسب أحدث تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صادر في (آذار/مارس 2015) فإن سبعين ألف عاملة منزل، من سريلانكا وإندونيسيا والفيليبين، يعشن في الأردن حالياً ويواجه بعضهن انتهاكات متنوعة لحقوقهن، يحدد التقرير الانتهاكات، بأعمال ضرب، ومصادرة جوازات سفر، وتحديد الإقامة في المنزل، وإهانات، وعدم الحصول على الأجور المستحقة، وساعات عمل مطولة دون الحصول على أيام عطلة أسبوعية.
وتخضع العمالة المهاجرة في الأردن إلى نظام الكفالة، إذ يقوم صاحب العمل بصفته كفيلا (أو مكتب التوظيف) باستقدام العامل من بلده، عبر مكاتب التوظيف في البلد المرسل، ويكون الكفيل مسؤولاً عن نفقات سفر العامل كافة.
وتكشف دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية على أوضاع العاملات المهاجرات في الأردن لعام 2014، عن مخالفات في عقود عدد مع العاملات في الأردن، مع العقود الأصلية التي استقدمت بها العاملات من بلادهن.
وتفتقر عاملات المنازل في الأردن إلى التأمين الصحي، رغم توفير تأمين لهن ضد الحوادث، وهو شرط من شروط استكمال الإقامة وتصريح العمل في المملكة. وتبلغ كلفة تأمين الحوادث للعاملة السيريلانكية، وفق سفارتها، 38 ديناراً (54 دولاراً) على مدى عامين، فيما تدفع الإندونيسية 20 ديناراً (28 دولاراً) لمدة سنة واحدة، وكذلك الأمر مع العاملة الفيليبينية.
وزارة العمل: لجنة لإنهاء مشاكل العاملات مع الكفلاء
تؤكد وزارة العمل الأردنية أنها شكلت لجنة لحل مشاكل عاملات المنازل مع كفلائهن، تجتمع بشكل دوري، كما يقول أمين عام الوزارة، حمادة أبو نجمة، ويتابع موضحاً: "اللجنة تعمل في إطار إنهاء جميع مشاكل العاملات المتواجدات في السفارات من كل الجنسيات، إذ انتهت حتى الآن من حل مشاكل أكثر من 141 عاملة، من أصل نحو 500 عاملة، فضلا عن لجنة أخرى تجتمع يومياً في مديرية العاملين في المنازل، بالتعاون مع نقابة مكاتب الاستقدام والسفارات المعنية، للوقوف على مشاكل العاملات".
يبين أبو نجمة أن الوزارة عدلت قانون العمل والأنظمة والتعليمات المرتبطة به، بهدف حماية العاملات، إضافة الى إجراءات عديدة لحفظ حقوقهن. ويلفت الى أن التعديلات التي أجريت على قانون العمل توضح شروط توظيف العمال المهاجرين، بما فيها ساعات العمل وأوقات الراحة.
تضمنت التعليمات الجديدة، بحسب أبو نجمة، وضع شروط والتزامات على الدول المرسلة للعمالة، منها تزويد الأردن بقائمة أسماء المكاتب المرخصة لديها واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم إرسال عاملات أقل من السن القانونية أو أكثر من (45) سنة، وعدم استخدام أوراق أو وثائق مزورة، وملاحقة المكاتب المخالفة واتخاذ الإجراءات القانونية بحقها.
وتطلب التعديلات موافقة وزارة العمل على التنازل عن عاملة المنزل لصالح رب عمل آخر، وفق نموذج خاص يضمن حقوق الأطراف كافة. كما تدرس وزارة العمل التعديلات المقترحة بتنظيم حملات للاطلاع على واقع العاملات في المنازل للحد من التجاوزات التي يتعرضن لها.
شكاوى المخدومين
في المقابل تعترض المواطنة الأردنية، هدى عبد الغني، وهي موظفة في شركة تأمين، على الجعجعة الإعلامية المسماة بحماية حقوق العاملات في المنازل، قائلة "نحن من تسيء العاملات لنا. ليحمونا نحن".
تضيف موضحة : "استقدمتُ خادمة فيليبينية للعمل في منزل والدي، وهما كبيرا السن، ومصابان بأمراض مزمنة، وكنا نقوم بالتعامل الإنساني مع هذه الخادمة، ولم نقم بأية إساءة لفظية، أو بدنية لها، اكتشفنا إساءتها للوالدين، حتى أنها أعطت أبي جرعة دواء أعلى مما أوصى به الطبيب، مما أدى إلى إدخاله غرفة العناية المركزة".
ويسرد المواطن، أحمد مصطفى، روايته، قائلاً: "كادت العاملة الإندونيسية، التي استقدمتها لبيتي، أن تقتل طفلتي الرضيعة. الحمد لله أنني وضعت كاميرات مراقبة، فهي لا تقوم بعملها كما ينبغي، وتستقدم إلى بيتي عشيقها، وتهمل ابنتي الصغيرة. طبعاً قدمت شكوى بها، ولكن للأسف لم يؤخذ كلامي على محمل الجد، رغم أنني وضعت صور الكاميرا السرية كوثائق تدين هذه العاملة".
من جهتها؛ تقر المحامية والناشطة الحقوقية، هبة عبد الحق، بوجود تشابك في قضية عاملات المنازل، قائلة "من جهة هناك سوء معاملة لهن من بعض أرباب المنازل، بينما تسيء أخريات معاملة المخدومين، مما يعني أن الأمر يحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة".
تقول هبة لـ"العربي الجديد": "للأسف لا ندري أيهما على حق، توجد شكاوى كثيرة عن سوء معاملة الخادمات، وهنالك احتجاجات لأصحاب منازل، وشكاوٍ من هروب، أو سوء معاملة الخادمة لأبنائهم أو آبائهم كبار السن، أو المرضى في منازلهم".
وتلقي هبة باللوم على كل من "وزارة العمل، وأصحاب مكاتب تشغيل الخادمات، وأصحاب المنازل أنفسهم"، وتعتبر أن ما يجري "يحتاج إلى حل عادل، يتم فيه التعامل الإنساني للخادمات، وأيضاً الالتزام بحقوق المخدومين في حالة تعرضهم للإساءة من الخادمات، أو هروبهن".
الجدير بالذكر أن الأردن صوت لصالح اتفاقية منظمة العمل الدولية الخاصة بعاملات المنازل، لكنه لم يصادق عليها. وتلزم الاتفاقية الحكومات بضمان ظروف عمل ملائمة لعاملات المنازل وحمايتهن من العنف، وتقضي بأن تتناسق القوانين الوطنية مع الاتفاقية.
اقرأ أيضاً :
ثمن فك الارتباط..أردنيون من أصل فلسطيني محرومون من الجنسية
أردنيون في زنازين الأسد.. مصير غامض في السجون السورية