العالم بين خطر الفيروس ورعب الكابوس

23 ابريل 2020
+ الخط -
لو أنبأت أي شخص قبل شهرين أو أزيد، أن البشرية قاطبة ستعاني أزمة وبائية لم يسبق لها مثيل في التاريخ، إذ ستتوقف معها عجلة الاقتصاد كليّاً، وتُغلق الحدود وتُشل الحركة ويعمّ الركود والسكون، لعَقَّب عليك بأن الحمق أصابك، وأصبحت تُهلوس بالنهار قبل الليل.

إن السيناريو الذي نعيشه حالياً، كان مستبعداً لأنه تاريخياً، وفي عز الأزمات الدولية، لم تتوقف المصانع، ولم تشلّ الحركة بهذا الشكل. ثم إن الدول حالياً تعيش وضعاً صعباً، واضعة نصب أعينها تجاوز الأزمة مهما كلف الأمر، ما سيضطرها إلى القيام بمجموعة من التدابير ستزيدها استنزافاً مادياً، ولا مفرّ لها من مساعدات مالية على شكل رواتب شهرية لكل الأفراد المتضررين جراء فقدانهم أشغالهم، وكذا إعفاء المقاولات والشركات الصغرى من الضرائب، فضلاً عن الشركات الكبرى المتضررة التي لها ارتباط مباشر بالأسواق العالمية، والتي بانهيارها سترتفع معها معدلات البطالة لأقصى الحدود. هذا دون إغفال السيولة المادية التي تتطلبها القطاعات التي لها ارتباط مباشر بالأزمة. ولأنه لا توجد لأي دولة السيولة المادية لعيش مواطنيها لمدة سنة كاملة، ما سيدفع الدول، وعلى رأسها النامية، اللجوء إلى الاقتراض، وما وراء ذلك - الاقتراض - من فوائد وتنازلات سياسية وغيرها. هذا دون إغفال أن قطاع الخدمات سيتصدع شروخاً من الصعب ترميمها وإصلاحها.

إن فيروس كورونا غَـيَّر قواعد لعبة التحالفات، التي كانت مبنية على المصالح المشتركة أو منطق رابح رابح، فسقط القناع عن الدول، وتلاشت الدبلوماسية الأنيقة والتعاون المشترك. حتى بتنا نسمع عن الدول التي نعتبرها قدوة أنها تخلت عن أحد أعضائها وتركته يتهاوى غير آبهة له، ولا مكترثة لحاله، والحديث هنا عن الاتحاد الأوروبي، وتحديداً إيطاليا، والشيء نفسه ينطبق على دول أخرى منضوية تحت ذات الاتحاد. إن الاتحاد الأوروبي يُمكن أن ينهار اقتصادياً، ما من شأنه أن يؤثر سلباً بجميع الدول التي تتعامل معه، ومن بين هاته الدول، على سبيل المثال، نذكر المغرب.


وبناءً عليه، وجب على المغرب أن يُغير وجهته من ناحية الاستثمارات الأجنبية والتعامل مع دول أخرى، أما داخلياً فيتمثل بدعم الكفاءات الوطنية وتشجيع الإنتاج المحلي، وإعادة النظر في السياسات القائمة التي تُسَيَّـر بها القطاعات الحيوية.

في الوضع القائم، تلاشت قيم ومبادئ نددت بها دول متقدمة، وحلت محلها المصلحة الشخصية، أنا وبعدي الطوفان كما يُقال، وكمثال على ذلك سمعنا في قنوات غربية اقتراح اختبار لقاح ضد كورونا على الأفارقة بدل الحيوانات، ونيجيريا كنموذج، لمعالجة فيروس كورونا.

إن العالم سيشهد تغييراً في عوالمه بانتهاء هذا الوباء، الذي يُمكن أن يمتد حتى نهاية هذه السنة، حسب توقعات الخبراء. وعليه، وجب عدم ربط مصير الدول النامية نفسها باتحادات تتخذ من المصلحة المادية والاستغلال من طرف واحد مبدأً لها، والوعي بأن مصيرها بيدها، والتفكير جدياً وفق استراتيجيات للوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية الأساسية كافة. وللتذكير، فالحركة التجارية لحسن الحظ، لم تتوقف، وأما إن توقفت، فالويل للحياة الاجتماعية!

ومن الواجب إعادة النظر في كيفية توزيع الأموال على القطاعات، وتقنين المحتوى الرقمي وتطهيره من الشوائب، حتى يصير ذاك المحتوى قادراً على تجاوز هدر الوقت، وتفادي ضياع الجهود التي تبذلها الدولة للحد من انتشار الفيروس واستفحاله.

إن ناقوس الخطر دق، وجائحة كورونا ما هي إلا مثال لكوارث بيولوجية يُمكن أن تقع لا قدّر الله بسبب سلوك بشري بسيط، يمكن أن يكون خطأً، ويسبب ذلك حروباً عالمية وأزمات اقتصادية. ولكم أن تتخيلوا ظهور فيروس آخر أشد من هذا الذي نعيشه، فيروس ينتقل عبر الهواء نسبة فتكه بالإنسان تتجاوز الخمسين بالمائة ونيّف، فكيف سيكون حالنا وجلّ اقتصادنا قائم على الاستيراد؟

وإلى أولئك الذين سيقولـون إنها مجرد هلوسات وتحليل مبالغ فيه، سأقول لهم مرة ثانية: فلنعد بذاكرتنا إلى شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أو قبل ذلك بقليل، فلن نستطيع حتى التفكير في أن العالم سيشهد أزمة أقل حتى ممَّـا نحن عليه الآن، أو أن ذاكرتنا أصابها السهو والغفلة، وأصبح لـزاماً الاستعانة بكتاب جَـامِع البيان في أحكام النسيَان.