العالم السري للمتفجرات(6-7): مصر.. مسلحو سيناء يطورون العبوات الناسفة

04 يناير 2016
ضحايا من المدنيين والعسكريين لتفجيرات عديدة ضربت مصر(فرانس برس)
+ الخط -
أمام بقالته بقرية نجع شيبانة جنوبي رفح يقف سليم أبو فريح، على قدم واحدة، متكئاً على عكازه الحديدي الذي لم يفارق جسده النحيف، بعد أن بُترت ساقه اليمنى جراء انفجار عبوة ناسفة، زرعها مسلحون، في سيارته خلال سيره على طريق فرعي يربط ما بين قريته ومدينة الشيخ زويد شمال شرقي سيناء.

"ينطق أهل سيناء الشهادة مع كل خُطوة يخطُونها سواء بسياراتهم الخاصة أو الأجرة في المنطقة الحدودية التي تضم منطقتي الشيخ زويد ورفح"، يقول أبو فريج، متابعاً: "تعددت الأسباب والموت واحد، الإرهاب يقتل الجميع في سيناء".

اقرأ أيضا: تفاصيل سقوط مروحية الجيش المصري.. العطل الفني عاد للواجهة

أنواع المتفجرات

تعد مواد C4،TNT، ANFO والبارود الأسود وفلمنات الزئبق ونترات الجلسرين ونترات البنزين ونترات البوتاسيوم، العبوات الناسفة البرميليه، الأكثر شيوعاً وانتشاراً في تصنيع العبوات الناسفة، وهي أبرز أنواع المتفجرات التي تم استخدامها في أهم عمليات والتفجيرات الإرهابية التي تمت بسيناء، وخصوصاً في تفجير كمين كرم القواديس ومنشآت المربع الأمني بالعريش "الكتيبة العسكرية 101 ومديرية أمن العريش وديوان عام شمال سيناء وقسم ثالث العريش.

سعيد بريك، أحد مواطني قرى الحدود بالشيخ زويد يقول، إن الجماعات المسلحة تحصل على المواد المتفجرة التي تستخدمها في صناعة العبوات الناسفة، ومن بينها الألغام الأرضية بعدة طرق، ومنها تجميع مخلفات الحروب السابقة التي دارت رحاها على أرض سيناء، إذ يجمعون كميات كبيرة من البارود، بعد تفريغ الدانات والألغام الموجودة بأرض سيناء، ويؤكد سويلم أبو مجلي، المقيم في جنوب رفح، إن المحاجر المنتشرة بالمناطق الجبلية في شبه جزيرة سيناء أصبحت هي الأخرى أحد مصادر حصول المسلحين على المواد المستخدمة في صناعة المتفجرات بمقابل مادي باهظ، ويشير أبو مجلي إلى أن هناك طرقاً أخرى للحصول على المتفجرات من بينها تصنيعها بطريقة بدائية عن طريق استخدام المسامير ورولمان البلى وبعض المواد الأخرى كأكسيد الحديد ونترات البوتاسيوم.

ويتفق موسي المنيعي، مقاول إنشاءات طرق من أهل سيناء، مع الرأي السابق، ويقول، إن أعمال المناجم والمحاجر تعد المتهم الأول في هذا النوع من التجارة المحرمة، وبعض العاملين في هذا المجال يقومون بتوفير كميات من المواد المتفجرة التي يحصلون عليها ويقومون ببيعها في السوق السوداء بأسعار مرتفعة جداً، تتراوح ما بين 700 إلى 1000 جنيه لكل كغم واحد (قرابة 130 دولاراً)، فيما يصل سعر نترات الأمونيا إلى 10 آلاف للطن الواحد (1280 دولاراً).

كيفية التصنيع

يوضح العقيد أحمد عبد السلام، رئيس وحدة المفرقعات بمديرية أمن شمال سيناء، أن المتفجرات التي تم استخدامها في الفترة الأخيرة، تمت صناعتها من نوعيات من الأسمدة الزراعية التي يتم صنعها في الأساس من مواد النترات والأمونيا، كاشفاً في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن الإرهابيين استحدثوا طريقة جديدة يتم من خلالها وضع نشارة الخشب وخلطها مع مواد كيمياوية تساعد على الاشتعال، وبذلك تكتمل المواد المتفجرة، فيما كانت الطريقة القديمة فقط هي مادة الـ " TNT" والتي كانت تعد المادة الأساسية للمفرقعات سواء السائلة أو الصلبة، ويؤكد أن المواد التي يصنع منها المتفجرات رخيصة الثمن.
يكشف الدكتور أيمن الجندي، أستاذ الكيمياء بجامعة قناة السويس، أن الإرهاب لم يعد مقتصراً، الآن، على استخدام المواد المتفجرة المعروفة من قبل، إذ توجد مواد مستحدثة، منها مواد كيمياوية متاحة في الأسواق يضاف إليها البارود الأسود الذي يستخدم في تصنيع الألعاب النارية، لتصنيع مادة شديدة الانفجار، وعلى الرغم من أن مادة حمض النيتريك ومشتقاته من المواد المحظور بيعها إلا أن بعضهم يستطيع التوصل إليها، وبإضافتها إلى البنزين بكميات معينة تنتج مادة شديدة الانفجار، وهناك العبوات الناسفة، البرميليه، التي يتم وضع المادة التفجيرية الرئيسية، ولتكُن TNT فى أرضية البرميل، حسب حجم العمل الإجرامي الذي يريدون القيام به، ويتراوح وزن البرميل بين 20 و250 كيلوغراماً، أى ربع طن، حسب المكان المستهدف.

وداخل هذه المادة يوضع المفجر أو تيل انفجاري، عبارة عن خرطوم بلاستيك ملفوف عليه نوع معين من الخيوط وهذا الخرطوم يُملأ بالبارود الأسود وتيل الأمان، الذي يتكون من 3 أنواع من متفجرات أخرى "شديدة الانفجار"، ويتم من خلال تفجيرها لكي تولد درجة حرارة لا تقل عن 80 درجة مائوية حتى تنفجر بعد ذلك مادة الـ"TNT" الموضوعة فى البرميل، وحسب مساعد مدير أمن شمال سيناء، العميد محمد عفيفي، ظهر نوع جديد من العمليات الإرهابية، يقوم فيها الإرهابيون بتوصيل الدائرة الكهربية بدائرة إلكترونية ذات مواصفات معينة يمكن من خلالها التقاط إشارة من جهاز اللاسلكي أو التليفون المحمول؛ إذ يعرفون التردد الخاص بالجهاز لإرسال الإشارة، أما في المحمول فيجرون الاتصال كأي مكالمة بضغط زر "Call"، فتنفجر العبوة، وهذه أحد التكتيكات المتطورة في تصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة، وتُستخدم حالياً لتفجير المدرعات والكمائن على الطرق أو المباني الحكومية كمديريات الأمن مثلاً وغيرها.

يقول العميد عفيفي لـ"العربي الجديد": "بعضهم طور الأمر بوضع دائرة مصنوعة من الصلب على شكل طبق في العبوات الناسفة، تكون موجهة في اتجاه الموجة الانفجارية التي تعرف إحداثياتها، وهي مملوءة، أيضاً، بمادة "TNT" وقوة اندفاع هذه الدائرة توازي 70 كيلومتراً في الثانية، لتدمير المدرعات؛ حيث يولد الانفجار درجة حرارة تعادل 3000 درجة مائوية تخترق أي جسم أمامه، وهذا ما حدث في كل حالات استهداف المدرعات التي ينتج عنها اشتعال المدرعة بمن فيها بالكامل".

اقرأ أيضا: إمبراطورية الجيش المصري.. كيف توسّعت القدرات المالية بعد الانقلاب؟

تطوير طرق التصنيع

يكشف الدكتور هشام عبدالحميد، المتحدث باسم الطب الشرعي، لـ" العربي الجديد ": أنه عبر مقارنة فتات وبقايا القنابل التي تم تفجيرها أمام جامعة القاهرة وميدان لبنان وفي الأكمنة، وتلك التي يتم تفجيرها بمدرعات وكمائن أمنية بسيناء تبين أنها من نوع واحد وطريقة تصنيعها البدائية واحدة، ما يؤكد أن صانع القنابل واحد.

وأضاف أن مكونات القنابل عبارة عن مادة "TNT" ومسامير كبيرة الحجم ورولمان بلى، ومادة التفجير فيهما من نوع "C4". والجديد الذي ابتكرته الجماعات الإرهابية المسلحة هو ما اكتشفه مفتشو المفرقعات عبر تفجير إدارة الحماية المدنية بالعريش، عندما قاموا بتفريغ العبوة من الداخل، ووجدوا بها هاتفاً ثانياً به شريحة محمول ودائرة تفجير أخرى، ما يشير إلى تطور خطير في العبوات الناسفة المستخدمة في الوقت الحالي، والتي تحوي مفجراً خارجياً وآخر داخلياً كفخ لاستهداف رجال الحماية المدنية الذين يقومون بإبطال مفعول العبوة.

بحسب مصدر أمني رفض ذكر اسمه، فإن أجهزة الأمن تتلقى بلاغات بوقوع انفجارات بمناطق صحراوية، يتضح فيما بعد أنها كانت موقعاً لتدريبات العناصر المسلحة على استخدام العبوات الناسفة.

اقرأ أيضا: الحرب على سيناء(2/3)..انتعاش الإرهاب في ظل حظر التجول

إجراءات احترازية

يؤكد تقرير لوزارة الخارجية المصرية، صدر بداية سبتمبر/أيلول 2015، قتل 352 شرطياً و487 من أفراد الجيش و1389مصاباً في هجمات إرهابية سواء بعبوات ناسفة أو هجوم مسلح، منذ 30 يونيو/حزيران 2013.

اللواء مصطفى الرزاز، حكمدار مديرية أمن شمال سيناء قال لـ"العربي الجديد"، إن قوات الأمن استخدمت، أخيراً، إجراءات احترازية لمنع تفجير العبوات الناسفة بطريق القوات، واستهدافها، باقتلاع الأشجار والمزروعات على جانبي الطرق، بجانب إغلاق بعضها جزئياً وزيادة الحواجز والكمائن الأمنية، ووضع شباك حديدية حول المدرعات والآليات العسكرية لتخفيف حدة الانفجار وتقليل الخسائر الناجمة عنه.

ويقول مصدر عسكري رفض ذكر اسمه، إن سرية الألغام التابعة لسلاح المهندسين بقوات الجيش بسيناء تقوم بتمشيط تلك الطرق المستهدفة دورياً، عن طريق أجهزة إلكترونية حديثة، في الوقت نفسه الذى تقوم فيه قوات الشرطة بتمشيط محيط المنشآت الحيوية والأمنية وأقسام الشرطة عن طريق الكلاب المدربة وأجهزة الكشف عن المفرقعات، حيث تجوب سيارة اكتشاف الألغام شوارع المدن بصفة دورية.

اقرأ أيضا: سيناء تشغل الشبكات الإسرائيلة بعد قطع الجيش للاتصالات

قتلى من الإرهابيين

في المقابل، وقع عشرات القتلى في صفوف العناصر الإرهابية المسلحة، إذ تنفجر العبوات بطريق الخطأ أثناء زرعها، وتقوم العناصر المسلحة بدفن هؤلاء بسرية تامة، حتى لا تتعرف أجهزة الأمن عليهم وتتم ملاحقة أقاربهم وذويهم، كما يؤكد مصدر منشق عن الجماعات المسلحة.

وأكد مصدر مسؤول بمستشفى العريش العام تكرار ظاهرة وصول العشرات من المسلحين مجهولي الهوية عبارة عن أشلاء نتيجة انفجار عبوات ناسفة بهم أو بسيارات كانت تحمل تلك العبوات، من جانبه دعا مساعد وزير الداخلية لأمن شمال سيناء اللواء علي أبو زيد، المواطنين للتعاون مع أجهزة الأمن، قائلاً لـ"العربي الجديد": "إبلاغ المواطنين قوات الأمن بوجود مفرقعات أحبط هجوماً كبيراً على منطقة المساعيد، غرب مدينة العريش، عندما عُثر على برميل به نصف طن من المتفجرات موصل بأسلاك وجهاز هاتف، تمهيداً لتفجيره أثناء مرور القوات. كما أحبطت أجهزة الأمن هجمات بمناطق الشيخ زويد، بعد قيام العناصر المسلحة بتفخيخ الطرق المؤدية إلى القرى التي يتحصنون بها".

-------
اقرأ أيضا:
الحرب على سيناء (3/3)..معاناة تجمع "سيدة السفوح" المصريّة والفلسطينيّة