13 نوفمبر 2024
الظرافة شأناً إيرانياً
نحسبه أمراً مثيراً للسخرية، عندما يبلغنا وزير خارجية "الجمهورية الإسلامية"، محمد جواد ظريف، في إحدى مقالاته، أخيراً، أن بلاده تتمسك بمقولة "الجار ثم الدار" التي يصفها بأنها "توصية أخلاقية ذات رؤية عميقة، وصلت إلينا عبر القرون، وباتت ضرورةً لا يمكن إنكارها في عالمنا المعاصر". وكنا سنعذر ظريف، لو كان مقيماً في المريخ، وناظراً من بعيد إلى منطقتنا الملتهبة التي تضم بلاده وجيرانها العرب، أو كان مايزال يتحسّس طريقه في سان فرانسيسكو عندما أرسله أبوه قبل أربعة عقود، ليضمن تربيته وتعليمه على يد "الشيطان الأكبر"، وأيضاً لو لم يكن ذلك "المحاور الذكي"، كما وصفته صحيفة غربية، الذي سعى إلى أن يصالح بلاده مع "الشيطان الأكبر" نفسه منذ ثمانينات القرن الراحل، عبر حلقات الاتصالات السرية بين طهران وواشنطن آنذاك، ولم تفتر همته حتى مع إدراج إدارة بوش بلاده على "محور الشر"، ولعب دوراً مهماً في المفاوضات الأخيرة التي أنتجت صفقة "النووي"، والتي تريد إيران منها إطلاق يدها في تغيير جغرافية المنطقة، ووضعها التاريخي أيضا.
يمكننا أن نحسن الظن، ونضع توصية ظريف تلك في باب "الظرافة" التي ربما يجنح لها المرء مفتاحاً لحوار جدي وناضج "يساعد دول المنطقة على اجتثاث جذور التوتر، وعوامله، وغياب الثقة فيما بينها" كما قال، لكن حال "الظرافة" تتواصل عند ظريف، عندما يعرض لنا رؤية بلاده لأوضاع المنطقة، ويطالب جيرانه العرب بالسعي إلى تحقيق "أهداف ومبادئ" في مقدمتها "احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول، واستقلالها السياسي، وعدم انتهاك حدودها، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتسوية الخلافات سلمياً، ومنع التهديد أو استخدام القوة، والسعي إلى إحلال السلام والاستقرار، وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة".
تبدو الأشياء أمام قارئ ظريف (رسالته) مسماةً بأضدادها، وكأن العرب هم من احتل جزراً إيرانية، وأقاموا فيها، وزعموا ملكيتها لهم، ومازالوا مصرين على رفض التفاوض أو التحكيم حولها، وكأنهم من أعلنوا أنهم يسعون إلى أن تكون إيران ضمن إمبراطوريتهم الموعودة، وكأنهم أيضا الذين يتدخلون في شؤونها الداخلية، وينتهكون سيادتها، ويخترقون حدودها، وينشئون "مليشيات" فيها تابعة لهم، يدربونها ويزودونها بالمال والسلاح، والرجال أيضاً.
هنا يريد ظريف أن يلوي عنق الحقيقة، بتوجيه نصيحةٍ لنا بالدخول في "مسار ذي مذاق حلو
للإصلاح والمودة بين إخوة وأعضاء أسرة واحدة ابتعدوا عن بعضهم منذ فترة"، لكنه يعود، في مقالة لاحقة، ليحمل السكين، محذراً من أن بلاده "واثقة من قوتها، وهي وإن مارست ضبط النفس حتى الآن، إلا أن الحكمة لا يمكنها أن تستمر من جانب واحد"، وقد تبعه صنوه العسكري، محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري الذي زعم أن تحولات منطقة الشرق الأوسط تفرض على بلاده تجهيز جيلٍ من الشباب للمشاركة في معارك سورية والعراق واليمن، دعما للثورة الإسلامية، معترفاً، من دون مواربة، أن بلاده تقوم بتدريب مئتي ألف مقاتل في خمسة أقطار، من بينها ثلاثة عربية. وسبق لمسؤولين إيرانيين آخرين أن وجهوا إلى جيرانهم العرب رسائل بعضها مكشوف، وبعضها مبطن، تحمل نذر شرٍّ لا نريد له أن يستطير، ونحن نعرف أن لغة الحرب، كما علمتنا التجربة، تعود بالوبال على كلا الطرفين.
وعلى أية حال، ليس مطلوباً من إيران أن لا يكون لها دور ورأي في ما يجري في هذه المنطقة الملتهبة، والمليئة بالتوترات، بل نحن مع اعتبار إيران قوة إقليمية أساسية، ينبغي أن يحسب حسابها، على أن لا ننسى أن لجيرانها حقهم أيضاً في أن يكون لهم دور تسعى إيران إلى اغتصابه، ورأي تريد الاستحواذ عليه.
نحن ندرك أيضا أن مشروع إيران عرقي مذهبي متعصب، وتريد فرضه على جيرانها العرب، وقد خدمهم في ذلك نكوص العرب عن تبني مشروعهم الخاص، وانشغالهم بتناقضاتهم الثانوية وخلافاتهم المجهدة، وهو ما حفز الإيرانيين أكثر للكشف عن نياتهم السوداء، والسعي العملي إلى فرض أنفسهم ليس قوة إقليمية معتبرة فحسب، إنما القوة الإقليمية الأعظم التي ينبغي أن يكون لها فصل الخطاب.
وفي تعامل إيران هذا معنا، لا نجد فيها اليوم، وعلى الرغم مما بيننا من "قواسم مشتركة"، يتحدث عنها ظريف، "كثيرة ومتنوعة في الدين والثقافة والسياسة والجغرافية" سوى "جار سوء"، لا نملك خياراً في التعامل معه، غير أن نحمله على ظهورنا، لنعبر معاً إلى الضفة الأخرى، من دون أن نعمّق الشروخ، أو ننكأ الجروح، وليس أثقل على المرء من حمل جار السوء على ظهره، وهو ما أدركه قبلنا لقمان الحكيم.
يمكننا أن نحسن الظن، ونضع توصية ظريف تلك في باب "الظرافة" التي ربما يجنح لها المرء مفتاحاً لحوار جدي وناضج "يساعد دول المنطقة على اجتثاث جذور التوتر، وعوامله، وغياب الثقة فيما بينها" كما قال، لكن حال "الظرافة" تتواصل عند ظريف، عندما يعرض لنا رؤية بلاده لأوضاع المنطقة، ويطالب جيرانه العرب بالسعي إلى تحقيق "أهداف ومبادئ" في مقدمتها "احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول، واستقلالها السياسي، وعدم انتهاك حدودها، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتسوية الخلافات سلمياً، ومنع التهديد أو استخدام القوة، والسعي إلى إحلال السلام والاستقرار، وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة".
تبدو الأشياء أمام قارئ ظريف (رسالته) مسماةً بأضدادها، وكأن العرب هم من احتل جزراً إيرانية، وأقاموا فيها، وزعموا ملكيتها لهم، ومازالوا مصرين على رفض التفاوض أو التحكيم حولها، وكأنهم من أعلنوا أنهم يسعون إلى أن تكون إيران ضمن إمبراطوريتهم الموعودة، وكأنهم أيضا الذين يتدخلون في شؤونها الداخلية، وينتهكون سيادتها، ويخترقون حدودها، وينشئون "مليشيات" فيها تابعة لهم، يدربونها ويزودونها بالمال والسلاح، والرجال أيضاً.
هنا يريد ظريف أن يلوي عنق الحقيقة، بتوجيه نصيحةٍ لنا بالدخول في "مسار ذي مذاق حلو
وعلى أية حال، ليس مطلوباً من إيران أن لا يكون لها دور ورأي في ما يجري في هذه المنطقة الملتهبة، والمليئة بالتوترات، بل نحن مع اعتبار إيران قوة إقليمية أساسية، ينبغي أن يحسب حسابها، على أن لا ننسى أن لجيرانها حقهم أيضاً في أن يكون لهم دور تسعى إيران إلى اغتصابه، ورأي تريد الاستحواذ عليه.
نحن ندرك أيضا أن مشروع إيران عرقي مذهبي متعصب، وتريد فرضه على جيرانها العرب، وقد خدمهم في ذلك نكوص العرب عن تبني مشروعهم الخاص، وانشغالهم بتناقضاتهم الثانوية وخلافاتهم المجهدة، وهو ما حفز الإيرانيين أكثر للكشف عن نياتهم السوداء، والسعي العملي إلى فرض أنفسهم ليس قوة إقليمية معتبرة فحسب، إنما القوة الإقليمية الأعظم التي ينبغي أن يكون لها فصل الخطاب.
وفي تعامل إيران هذا معنا، لا نجد فيها اليوم، وعلى الرغم مما بيننا من "قواسم مشتركة"، يتحدث عنها ظريف، "كثيرة ومتنوعة في الدين والثقافة والسياسة والجغرافية" سوى "جار سوء"، لا نملك خياراً في التعامل معه، غير أن نحمله على ظهورنا، لنعبر معاً إلى الضفة الأخرى، من دون أن نعمّق الشروخ، أو ننكأ الجروح، وليس أثقل على المرء من حمل جار السوء على ظهره، وهو ما أدركه قبلنا لقمان الحكيم.