الطيب الوحيشي.. رحيل "طفل الشمس"

22 فبراير 2018
(1948 - 2018)
+ الخط -
يعدّ المخرج السينمائي التونسي الطيب الوحيشي (1948 – 2018) الذي رحل أمس الأربعاء بعد صراع طويل مع المرض، أحد أبرز صنّاع الفيلم الذين قدّموا سلسلة أعمال تنتمي إلى فضاءات واقعية معاشة تحمل رؤية نقدية تجاه أبطالها وأحداثها منذ فيلمه الأول "الطريق المتقاطع" عام 1970.

ولد الراحل في قرية مارث بالقرب مدنية قابس في الجنوب التونسي التي استوحى منها العديد من أعماله، وتخرّج من "معهد دراسات السينما" في باريس، حيث تتلمذ على يد المخرج الفرنسي جان روش (1917 – 2004)، الذي كان أحد روّاد السينما الإثنوغرافية، كما نال الوحيشي درجة الدكتوراه في علم الاجتماع، ما ترك أثراً في تجربته الطويلة.

بدأ الراحل حياته المهنية في سبعينيات القرن الماضي حين أخرج مجموعة أفلام تسجيلية قصيرة تجاوزت العشرين، منها "قريتي... واحدة من أخرى عديدة"، و"التماثيل"، و"لوج الفنانة"، ثم كتب وأخرج العديد من أفلامه، ومنها فيلمه الطويل الأول "ظل الأرض" (1982)، الذي استند فيه إلى دراسات أنثروبولوجية واجتماعية.

يرصد "ظل الأرض" مصير عائلة بدوية تسكن وسط الصحراء، حيث تواجه الموت بسبب نقص الطعام وإصابة ماشيتها بوباء يهدّدها بالفناء، وتستغرق الكاميرا في تصوير العرس ونسج البسط واشتباك أفرادها مع الطبيعة حتى وصول الجيش لإحصاء عددهم وتسجيلهم في الأحوال المدنية ليستلموا بطاقاتهم الشخصية وتبدأ مواجهتهم مع الحياة الحديثة وسط ظروف قاهرة ينعدم فيها الأمل.

لم تغب الصحراء في عدد من أفلام صاحب "ليلة أفريقية"، حيث هي المساحة الممتدّة بخباياها وباطنها تولّد الأفكار وجماليات لا يفوّتها من دون استعراض أو بحث عن سينما فانتازية، كما في أفلام أخرى مثل "رقصة الريح"، و"مجنون ليلى".

تنوّعت اختيارات الوحيشي، حيث ألّف وأخرج فيلم "مرايا الشمس" حول طرد المقاومة الفلسطينية من بيروت عام 1982 متتبعاً قصة شاب عربي انضمّ إلى صفوفها، و"عرس القمر" الذي يعرض أزمات تعصف في المجتمع التونسي من خلال قصة أربعة شبّان، ثم يعود في فيلمه الأخير "همس الماء" (2017) إلى سيرة رجل منفي رجع إلى وطنه حيث يلاحقه ماضيه السياسي والعاطفي.

نال الوحيشي جوائز عديدة في مهرجانات عربية ودولية عن أفلامه التسجيلية والروائية في مشواره الذي استمر قرابة نصف قرن، من بين هذه الأفلام: "غوري... جزيرة الجد"، و"الخماس"، و"أوبرا ابن سينا"، و"طفل الشمس"، و"قرطاج".

المساهمون