لا تزال القاهرة تلتزم الصمت حيال كتابة النيابة العامة بروما أسماء خمسة ضباط مصريين متهمين بالخطف، في سجل التحقيقات بحادث مقتل الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، في القاهرة مطلع العام 2016، في ضوء رفض النيابة العامة المصرية إدراجهم على قائمة "سجلّ المشتبه بهم" وفق قانون الإجراءات الجنائي الإيطالي، ارتباطاً بشكوك سابقة بقيامهم بجمع معلومات عن ريجيني قبل تعذيبه وقتله.
وقال مصدر مصري مطلع إن قائمة المشتبه فيهم الخمسة، التي أعدها المدعي العام الإيطالي في قضية مقتل ريجيني تضم ضباط شرطة نقلوا من أماكن عملهم التي كانوا فيها خلال الواقعة محل التحقيق، وأنهم ينتمون إلى إدارات مختلفة بوزارة الداخلية، وليس لجهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً). وأضاف المصدر في تصريحات، لـ"العربي الجديد"، أن الضابط برتبة اللواء المدرج على القائمة هو اللواء طارق صابر، وليس صابر طارق كما نشر الإعلام الإيطالي، وكان خلال الواقعة يعمل مدير قطاع بجهاز الأمن الوطني، وهو الذي أصدر تعليماته بمتابعة ريجيني، بناءً على تقرير رفع له من أحد مساعديه عن أنشطته البحثية وتواصله مع نقيب الباعة الجائلين محمد عبدالله، بمناسبة بحثه عن النقابات المستقلة في مصر. وأشار إلى أن القائمة تضم ضابطاً آخر هو العقيد آسر كمال، الذي كان يعمل رئيساً لمباحث المرافق بالعاصمة القاهرة، وتوجد دلائل على أنه من أشرف على رسم خطة تعقب ريجيني في إطار التنسيق بين الأمن الوطني والأمن العام، وبعد الحادث بعدة أشهر تم نقله للعمل بمحافظة أخرى.
كما تشمل قائمة الضباط الذين سيوجّه إليهم المدعي العام الإيطالي، جوزيبّي بينياتوني، ومساعده سيرجو كولايوكّو، تهمة الشروع بخطف ريجيني كلا من العقيد هشام حلمي والرائد مجدي شريف، وأمين الشرطة محمد نجم، علاوة على اللواء خالد شلبي، الذي يشغل منصب مدير أمن الفيوم حالياً، وكان يشغل وقت الجريمة منصب مدير المباحث في مديرية أمن الجيزة. وقال المصدر إن النيابة العامة المصرية أحيطت علماً بأن المدعي العام الإيطالي ينوي أن يستخرج قريباً من محكمة روما الجزائية أمراً بضبط وإحضار الضباط الخمسة، وآخرين قد يضافون إلى القائمة، التي لم تعلن بشكل رسمي حتى الآن، في انتظار ما ستنتهي إليه الاتصالات بين الجانبين، إذ ما زالت النيابة العامة المصرية، مدعومة بالأجهزة الأمنية المحلية، ترفض بشكل قاطع تسليم أي من الضباط المشتبه فيهم للتحقيق في إيطاليا، أو مواجهتهم أمام ممثلي الادعاء العام الإيطالي.
وكانت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية نشرت تصريحات، مساء الأحد الماضي، على لسان مصدر قضائي بالنيابة العامة المصرية، ذكر فيه أن النيابة المصرية رفضت طلباً مقدماً من نيابة روما بإدراج بعض رجال الشرطة على قائمة ما يسمى قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي (سجل المشتبه بهم)، وذلك لما أبداه الجانب الإيطالي من شكوك بشأن سابقة قيامهم بجمع معلومات عن الطالب الإيطالي الراحل جوليو ريجيني، قبل مقتله بالقاهرة مطلع 2016. وأضاف المصدر، في تصريحاته التي بدت رداً على تصريحات مصادر من نيابة روما تداولتها وسائل الإعلام الإيطالية خلال الأيام الماضية، أن النيابة العامة المصرية سبق أن رفضت الطلب الإيطالي خلال الاجتماعات السابقة مع الجانب الإيطالي، باعتبار أن القانون المصري لا يعرف مثل هذا السجل، فضلاً عن خلو التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة بمصر وإيطاليا من وجود قرائن قوية وليس مجرد شكوك على ما تتطلبه القوانين الإيطالية ذاتها للإدراج في هذا السجل.
وعلى الرغم من ندرة المعلومات المتوافرة عن الضباط المتورطين في واقعة قتل ريجيني، كونهم أعضاء في إدارة سرية داخل جهاز الشرطة، إلا أنه تجمعهم سيرة ذاتية "سيئة السمعة"، وتطاردهم اتهامات بتعذيب المواطنين العزل، خصوصاً مدير جهاز الأمن الوطني، اللواء طارق صابر، الذي لعب دوراً بارزاً في القبض على العشرات من جماهير ناديي الأهلي والزمالك، ومنع عودة الجماهير إلى مدرجات كرة القدم. أما العقيد هشام حلمي، فهو يشغل منصب مأمور قسم شبرا، منذ مايو/أيار الماضي، وكان يشغل في السابق منصب مفتش فرقة القاهرة الجديدة، واتهم بالإشراف على واقعة ضرب وتعذيب المواطنة هاجر إبراهيم عبد العال، في أغسطس/آب الماضي، واحتجازها لمدة يومين عقب صدور قرار النيابة العامة بإخلاء سبيلها، حسب رواية أسرة الفتاة التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي.
بدورهم، يواجه كل من العقيد آسر كمال، والرائد مجدي شريف، وأمين الشرطة محمد نجم، اتهامات بالضلوع في تعذيب معارضين داخل مقر جهاز الأمن الوطني الكائن بمدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، على اعتبار أن الأول هو أحد المسؤولين البارزين داخل الجهاز التابع لوزارة الداخلية، ويتولى مهمة الإشراف على التحقيقات مع المعتقلين على خلفية سياسية. ويأتي اللواء خالد شلبي كآخر الأسماء الواردة في سجل تحقيقات النيابة العامة بروما، وهو أكثر هؤلاء الضباط شراسة في ما يخص وقائع التعذيب. وقد قرر وزير الداخلية السابق، اللواء مجدي عبد الغفار، ترقيته في فبراير/شباط 2017، من منصب رئيس الإدارة العامة لمباحث الجيزة إلى مدير أمن الفيوم، بل والتجديد له في منصبه، في يوليو/تموز الماضي، خلال الحركة الأخيرة للتنقلات في الشرطة. وشغل شلبي في السابق منصب رئيس مباحث قسم أول المنتزه، ثم رئيس مباحث مديرية أمن الإسكندرية، إلى أن نقل إلى قطاع الأمن العام، وعين رئيساً لمباحث أسيوط، ثم وكيلاً للإدارة العامة لمباحث الجيزة، فرئيساً للإدارة. واتهم بالعديد من قضايا التعذيب، أثناء فترة عمله بمحافظة الإسكندرية، لعل أبرزها القضية رقم "1548 كلي" شرق الإسكندرية في العام 2000، حين كان يشغل منصب رئيس مباحث المنتزه. واتهم شلبي، بالاشتراك مع معاوني مباحث القسم، الضباط أشرف أحمد فؤاد، وعبد الغفار عبد الرحمن الديب، وهيثم كيلاني هاشم، بقتل المواطن فريد شوقي أحمد عبد العال، في 23 سبتمبر/أيلول 1999، بعد القبض عليه من دون وجه حق، وتعذيبه بدنياً، وإحداث العديد من الإصابات الظاهرة بجسده، وخنقه حتى الوفاة، وذلك إثر مشادة كلامية وقعت بين الضحية وشلبي. وقضت محكمة جنايات الإسكندرية بسجن شلبي مع المتهمين الآخرين عاماً مع إيقاف التنفيذ إيقافاً شاملاً لمدة 3 أعوام تبدأ من يوم الحكم، وألزمتهم بمصاريف الدعوى المدنية، ودفع 100 جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وأن يدفعوا للمدعي بالحق المدني 2001 جنيه على سبيل التعويض المؤقت، وذلك من دون تأثير على وضع شلبي الوظيفي.
ومارس شلبي ضغوطًاً على أسرة الشاب السلفي، سيد بلال، الذي قتل جراء التعذيب بواسطة جهاز أمن الدولة السابق في محافظة الإسكندرية، قبيل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بغرض الإسراع في دفن جثمانه. وصرخ بوجه أسرته أثناء تواجدها في مشرحة "كوم الدكة" بالإسكندرية، قائلاً "ادفنوا الرمة ده فوراً، يا إما هاندفنه في مقابر الصدقة"، مهدداً الأهل بإمكانية اللحاق بمصيره، وذلك حين كان رئيساً لمباحث الإسكندرية. ومن ضمن ملف انتهاكات شلبي إجباره أحد المواطنين في نهاية التسعينيات على الاعتراف بقتل ابنته المختفية، بعد تهديده بقيام المخبرين باغتصاب زوجته، ليحكم على المواطن بالسجن 5 سنوات، وبعد عامين من قضاء عقوبته ظهرت الابنة، وأمر شلبي باحتجازها مع الأم، وهو ما دفع مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان بالإسكندرية إلى استصدار أمر من المحامي العام بالتفتيش المفاجئ على قسم المنتزه، وإخلاء سبيل الأم والابنة. تجدر الإشارة إلى أن شلبي هو أول مسؤول مصري يخرج على الملأ، ويُعلن أن ريجيني مات في حادث سير بعد ساعتين فقط من اكتشاف جثة الباحث الإيطالي، وذلك قبيل صدور نتائج التحقيقات الأولية، أو صدور تقرير الطب الشرعي حول أسباب الوفاة.