ترجع التقارير المتابعة لصعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، أسباب الظاهرة، إلى الدور المهم الذي لعبه ضباط سابقون في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية للرئيس العراقي السابق صدام حسين.
في تقرير لوكالة الأسوشيتد برس، تناول ظاهرة داعش، أكدت قيادات أمنية واستخباراتية تقاتل ضد تنظيم الدولة في العراق، أن القيادات العليا حول أبو بكر البغدادي، خليفة داعش، تنتمي إلى النخبة الأمنية العراقية السابقة من قيادات الحرس الجمهوري أو فدائيي صدام، وممن شغلوا مواقع في الاستخبارات والجيش خلال فترة صدام حسين.
تكشف لحظة سقوط الموصل؛ بجلاء، عن ظاهرة انضمام الرتب العسكرية إلى التنظيمات الجهادية، وفق تقرير لوكالة رويترز، يؤكد أن أكثر من 60 من الضباط السابقين، المهمين في فترة صدام حسين، هم أصحاب اليد الخفية في إسقاط الموصل.
في الفترة من عام 2003 وحتى عام 2014، تصاعدت أعداد الضباط السابقين في قيادة التنظيمات المسلحة، ففي 2003 كانت نسبة الضباط السابقين في قيادة تنظيم التوحيد والجهاد الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي أو حتى في تنظيم القاعدة في العراق بعد ذلك، لا تتخطى حاجز 20% من بين المنتمين إلى التنظيمين، في حين زادت نسبة الضباط المنتمين في عام 2014، من المنضمين إلى داعش، إلى ما يزيد عن 60% من قيادة تنظيم الدولة من الضباط السابقين، بحسب تقرير perspective of terrorism (عدد أغسطس/ آب 2015).
اقرأ أيضاً: الضباط الجهاديون.. لماذا ينضمّ العسكريون إلى التنظيمات المسلّحة (1/2)
أهم الضباط السابقين المنتمين إلى الجماعات المسلحة في العراق:
حجي بكر: هو سمير عبد محمد الخليفاوي، عقيد بالاستخبارات في القوات الجوية خلال فترة حكم صدام حسين، كما تفيد مجلة دير شبيغل التي كشفت هوية حجي بكر بعد مقتله في تل رفعت بسورية، وكانت المجلة قد حصلت على وثائق تصل إلى 31 صفحة تتحدث عن دور حجي بكر في بناء تنظيم الدولة الإسلامية وتمدده، وأنه العقل الاستراتيجي خلف التنظيم، ويعتبر حجي بكر من أقدم الضباط الذين انضموا للتنظيمات الجهادية المسلحة عندما كان منتمياً إلى تنظيم القاعدة في العراق، وقد سُجن في سجن بوكا الذي جعلته قوات الاحتلال الأميركي لاعتقال الخطرين من قيادات التمرد الجهادي.
أبو مسلم التركماني: أو فاضل الحيالي واسمه الحقيقي سعود محسن حسن، عمل سابقاً كرائد بالحرس الجمهوري، وهو أحد أهم القيادات الميدانية في تنظيم الدولة الإسلامية ثم أصبح النائب الأول للبغدادي، وقد نعاه محمد العدناني، متحدث التنظيم، بعد مقتله في أغسطس/آب 2015 في قصف جوي لقوات التحالف، وكان أيضاً من سجناء معتقل بوكا.
أبو مارية القحطاني: هو ميسر عبدالله الجبوري الذي وضعته وزارة الخزانة الأميركية على قوائم الإرهاب في عام 2012، عراقي من الموصل، وكان في السابق أحد أفراد التنظيم الأمني "فدائيي صدام"، وبعد احتلال العراق وهيكلة جهاز الشرطة عمل لفترة في القوات الأمنية، وتشير تقارير أمنية إلى علاقته بأبو مصعب الزرقاوي والقاعدة في العراق.
يعد الجبوري، الضابط العراقي السابق الوحيد، والذي انضم إلى جبهة النصرة وليس تنظيم الدولة، وتُرجع جريدة السفير في تقرير لها ذلك إلى خلاف قديم بينه وبين القاعدة في العراق أدى لهروبه إلى سورية في عام 2010 ثم انضم إلى النصرة مع الجولاني في أواخر عام 2011، ويعتبر من أهم القيادات التي دعمت عمليات الانشقاق عن داعش ومحاربته والهجوم عليه.
عزة الدوري: يعتبر عزة الدوري، قائد جيش رجال الطريقة النقشبندية، أهم الشخصيات التي انتمت للنظام البعثي ثم أصبح منخرطاً في التنظيمات الجهادية المسلحة، فقد شغل منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة واعتُبِر الشخصية الثانية بعد صدام حسين، وشغل مناصب وزارية منها وزارة الداخلية ووزارة الزراعة.
اقرأ أيضاً: منظرو الجماعات الإسلامية..من حروب البرغوث إلى إدارة التوحش
تحول البعث من العلمانية إلى الإسلام
تشير دراسة أماتزيا برام عن تحول البعث العراقي من العلمانية إلى الإسلامية في الفترة من 1968 – 2003 إلى أن الدوري أدار أهم ملفين في مرحلة تحول العراق بعد التسعينيات وهما ملف "الحملة الإيمانية" وملف "شبكات التهريب الاقتصادي" وقت الحصار الذي فُرض على العراق.
ولا بد من القول إن قائمة الضباط العراقيين السابقين من المنضمين إلى التنظيمات المسلحة كبيرة، لكن المتناولة سيرتهم هم أهم الأشخاص الذين لهم دور محوري في فهم أدوار الضباط السابقين وانتقالهم من العمل العسكري إلى التنظيمات المسلحة.
اقرأ أيضاً: صناعة التطرف في سورية.. النظام استغل الجهاديين
أسباب انضمام العسكريين إلى التنظيمات الجهادية
تعتبر الهيكلة الأمنية والعسكرية وعمليات التسريح لهؤلاء الضباط من وظائفهم أحد أهم الأسباب، إذ تم ذلك في العراق تحت مسمى اجتثاث البعث (de baathification)، ما أدى إلى هذه الجدلية بين هيكلة أدوات القمع والاستبداد وضمان عدم انقلابها ضد المجتمع مستخدمة خبرتها.
إلا أن عنصراً آخر يجعل هذه المجموعات الأمنية والعسكرية تتحول إلى التنظيمات العسكرية بعد التسريح وهي مسؤوليتها أو علاقتها بالملفات المتعلقة بالتنظيمات المسلحة، سواء في وحدات مكافحة الإرهاب أو في استخدام المجموعات المسلحة غير النظامية خارج الحدود ضد أنظمة أخرى معادية.
تعد الحملة الإيمانية أو التحول من علمانية البعث إلى السلفية، مغامرة قام بها صدام حسين في التسعينيات عبر تأسيس معسكرات الحملة الإيمانية عام 1993، والتي تم إسناد مسؤولية الإشراف عليها إلى عزت الدوري، نموذجاً على علاقة العاملين في الأجهزة الأمنية بالأفكار الجهادية.
وتمثل الحملة الإيمانية نموذجاً واضحاً على استخدام السياسة في الدين، إذ اختار صدام أن يكون منهجها أقرب إلى السلفية لاستيعاب الاتجاه الجهادي، وبهذا أسس صدام لمجموعات جهادية تكون مستعدة لتمرد ضد أي احتلال خارجي أو جاهزة لتنفيذ عمليات خارجية أو الانخراط في صراع مسلح، خاصة بعدما ظهر أن التململ العسكري آخذ في الصعود بعد مغامرتيه العسكريتين في حرب إيران مرة وحرب الكويت مرة أخرى.
طرأت تغييرات كبيرة على صغار الضباط وبعض القيادات من أثر الحملة الإيمانية، فكما يشير Joel Rayburn في كتابه Iraq after America: Strongmen" Sectarians, Resistance"، فإن برزان التكريتي الذي يعتقد بأنه ثالث أقوى شخصية في النظام قد حذر صدام من أن هذا الاتجاه سيغذي الاستقطاب الطائفي وستكون عواقبه وخيمة، وهذا إن حدث سيحرق الجميع، إلا أن صدام استمر في مغامرته السياسية وقد حصدت التنظيمات المسلحة نتائجها.
العامل الثالث هو الاستبداد والطائفية؛ فكانت سياسات المالكي الاستبدادية في العراق، واتساع النفوذ الإيراني وتعزيز الطائفية بين السنة والشيعة غطاء مناسباً لاتساع رقعة النزاع المسلح وسعي الضباط السابقين للدخول في تكوينات مسلحة تعبر عن المظالم التي وقعت في العراق بما يمكنهم من إعادة النفوذ من جديد، ما أدى إلى أن يعتبر بعضهم تنظيم الدولة الإسلامية هو الكيان المعبر عن السنة في العراق وحتى العشائر التي أسست سابقاً الصحوات لقتال الدولة الإسلامية في العراق وضرب امتدادها في فترة عام 2007، تحالف اليوم معها.
الأسباب السابقة من تفكيك الجيش والأجهزة الأمنية في العراق بعد الاحتلال الأميركي ثم الممارسات الاستبدادية والطائفية التي امتدت طيلة العقد الماضي التقت مع تغيرات أيديولوجية حقيقية لكثير من الضباط البعثيين بسبب الحملة الإيمانية، ما دفع هؤلاء العسكريين السابقين للتحالف والانضمام للتنظيمات المسلحة المختلفة والوصول إلى هذا الامتداد والتوسع اليوم، خاصة أن كثيراً من التقارير تشير إلى التقاء قيادات التمرد الجهادي مع الضباط السابقين، خلال سجنهم في سجن بوكا، ما أسهم في الاستعانة بهم لتعويض النقص القيادي في صفوف التنظيمات الجهادية أواخر 2010.
وإن كان بعضهم يرى أن الكثير من هؤلاء الضباط انضم للتنظيمات المسلحة قبل دخول سجن بوكا، إلا أنه من المحتمل أن حالة التحالف وبناء الرؤية المشتركة قد تمت في أروقة سجن بوكا.
لا شك أن هذه الخبرات الأمنية والعسكرية لا يمكن أن تقرر أن تعتزل المشهد وتستسلم، ولكنها ستسعى ما استطاعت لاستعادة هذا النفوذ السابق، وخاصة أن السياق السياسي والاجتماعي في المنطقة يدفع إلى مزيد من النزاع المسلح الذي سيدفع بالمزيد من الضباط السابقين إلى أحضان التنظيمات المسلحة وإلى ساحة المعركة.
-------
اقرأ أيضاً:
آيات الرحمن في جهاد الهان