الصين والدول المغاربية

15 نوفمبر 2014

مهندسون صينيون يخططون طريقاً سريعاً في ساحل العاج (23أغسطس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

تناقش هذه المقالة بعض محددات السلوك الصيني حيال المغرب العربي، لنحلل، في ثانيةٍ، التوافق الإستراتيجي والقيمي بين الطرفين، وفي ثالثةٍ، مخاطر الوجود الصيني في المغرب العربي. نركز، هنا، على المحددين، التاريخي والاقتصادي. يتمثل الأول في العلاقات التاريخية بين الصين الشيوعية ودول مغاربية في الحقبة الاستعمارية والحرب الباردة، ومساندة الصين حركات التحرر في المنطقة (اعترافها بالحكومة الجزائرية المؤقتة عام 1958، علاقات سياسية مبكرة بين الصين والمغرب...) ولدولها المستقلة، بما في ذلك التضامن بين دول الجنوب وبيع دول مغاربية أسلحة لما تعرض بعضها للحظر الغربي. ومن ثم، فالوجود الصيني في المنطقة يستند إلى "أرضية أيديولوجية"، تجعل التاريخ مدخلاً أساسياً للعلاقة الصينية-المغاربية. فالصين لا تتحرك في فراغ، ولا تعتبر نفسها دخيلة سياسياً على المنطقة، كما أنها ليست قوة استعمارية سابقة، أو داعمة لقوى استعمارية تقليدية، لذا، تراها تدعم هذه العلاقات السياسية – والأيديولوجية السابقة – بمنافع اقتصادية.

تستغل الصين هذه العلاقات التاريخية مقدمةً نفسها على أنها بلد من الجنوب، لكن واقع المعاملات الاقتصادية الصينية-المغاربية (والعربية والإفريقية) يوضح أن معاملاتها تقليدية، ولا تختلف عن سلوك القوى الاقتصادية الأخرى (ما يجعل معيار الانتماء إلى الشمال، أو إلى الجنوب، لا معنى له)، فالصين تستورد من هذه البلدان المواد الأولية، وتصدر لها مواد مصنعة. وعليه، إذا كانت القوى الغربية توظف أيديولوجية حقوق الإنسان عند الحاجة، فإن الصين توظف التضامن "الأيديولوجي التاريخي"، والانتماء إلى الجنوب الواحد! (الذي هو أصلا متعدد). كما توظف الرمزية السياسية عبر البوابة الاقتصادية، تدعيماً لنفوذها السياسي، أيضاً، كتمويلها وبنائها، مثلاً، المقر الجديد للاتحاد الإفريقي في أديس أبابا (هبة للأفارقة).

قوة اقتصاد الصين واعتمادها المدخل الاقتصادي سبيلاً لإعادة صياغة علاقاتها مع الأطراف الأخرى سمحا بالانتقال بالعلاقة من مجرد توافق سياسي-أيديولوجي تاريخي إلى علاقة اقتصادية متينة. وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن المحددات الاقتصادية، والذي يتمثل، أساساً، في قوة الاقتصاد الصيني وحاجاته المتنامية للأسواق (لاستيراد المواد الأولية وتسويق منتجاته)، لاسيما تأمين الإمداد بالطاقة. وفي هذه العملية، مصلحة متبادلة، فالصين تعزز مكانتها في السوق العالمية، بحضورها القوي في الاقتصاديات المغاربية، وتستفيد من مواردها الأولية، أما الدول المغاربية فتستفيد من الصين، لدعم نموها الاقتصادي، وتنويع الشركاء الاقتصاديين، لتقلل من تبعيتها للاقتصاد الأوروبي. ومن ثم، فالمحدد الاقتصادي لا يتوقف عند العلاقة الاقتصادية التقليدية، بل يتعداها إلى المحددات الجيوسياسية، فقرب المغرب العربي جغرافياً من الاتحاد الأوروبي، واستقطاب الأخير ما يقارب ثلثي مبادلاته التجارية يجعله يحتل مكانة خاصة في استراتيجية الانتشار الصيني العالمية. إذ بتعزيزها وجودها المتنامي في المغرب العربي، تنافس الصين الاتحاد الأوروبي في دائرة نفوذه التقليدية. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن نفوذ الصين في المغرب العربي استراتيجي البعد أيضاً لأنه يتم في إطار استراتيجية تطويق الاتحاد الأوروبي من أطرافه. فزيادة على الاختراق المباشر لسوق الاتحاد الأوروبي، بإغراقها بالمنتجات الصينية، وبتشجيع تهجير المؤسسات الأوروبية نحو الصين، تقوم الاستراتيجية، أيضاً، على تطويق تخوم الاتحاد الأوروبي المرتبط به اقتصادياً، لتشكك في المدخل الجغرافي كأحد مقومات التكامل الاقتصادي، بالتركيز على مدخل التفاعلات (التي لا يحكمها عامل المسافة الجغرافية). وهذه استراتيجية قوة عظمى تسعى إلى كسب مزيد من المواقع عالمياً. فالصين أصبحت الشريك الاقتصادي الأول لإفريقيا، بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأول بلد مقرض للقارة في العالم. وعليه، لا تخص حرب المواقع الاقتصادية في إفريقيا فقط مجالات تعزف عنها القوى الاقتصادية الغربية (مثل قطاعات الأشغال العمومية والبنى التحتية الضخمة التي تقتصي يداً عاملة معتبرة)، بل تمس، أيضاً، قطاعات (مثل الخدمات) بقيت إلى وقت قريب حكراً على الشركات الغربية دون سواها. وبما أن الطاقة هي شريان الاقتصاد العالمي، بل والقوة العالمية، فإن التموقع الصيني عالمياً يندرج، أيضاً، ضمن تأمين الإمداد بالمواد الأولية، حيث وقعت الصين على عقود نفطية مع دول إفريقية عديدة، بما فيها المغاربية.

نظراً إلى الترابط السياسي / أو الاستراتيجي، القوي نسبياً بين دول مغاربية وقوى غربية، تعمل الصين، عبر المدخل الاقتصادي، لإحداث فك الترابط الاقتصادي بين المغرب العربي وشركائه التقليديين الغربيين. وهنا مكمن الاختلاف في المصالح الذي يجب على الحكومات المغاربية الانتباه إليه، فإذا كانت الصين تسعى إلى مثل هذا الفصل بالإقصاء التدريجي للشركاء التقليديين للمغرب العربي لتحل محلهم، فإنه من مصلحة دول المغرب العربي أن تجعل من تنويع الشركاء خياراً استراتيجياً، بانتهاج سياسية الإضافة بدل الإقصاء، أي إضافة شركاء جدد من دون إقصاء الشركاء التقليديين، لأن تنويع الشركاء يحسن من الموقف التفاوضي للدول المغاربية. وإن هي عوضت الاستقطاب الجغرافي الأوروبي لمبادلاتها التجارية بالاستقطاب الصيني لها، فإنها لم تربح أي شيء، بل ستبقى تتأرجح بين نماذج فرعية للتبعية الدولية.