10 نوفمبر 2024
الصين والتحدّي فوق الأرض
مع بداية العام الميلادي الجديد، أعلنت الصين أنها أنزلت، بأمانٍ، مسباراً فضائياً على سطح القمر المظلم، السطح الذي لا يظهر للأرض، تلك البقعة لم تصل إليها أداة استكشاف أو حتى عدسة كاميرا من قبل.
لا يبدو التوقيت ولا الهدف "بريئيْن"، فرائحة التحدّي تفوح منهما، وتملأ المدار كله. انتظرت الوكالة الصينية هدوء الضجة الإعلامية التي ترافق استقبال العام الجديد، وأعلنت عن اكتشافها، فأثار الخبر وكالاتٍ فضائيةً عريقةً راقبت عن كثب، وقرأت، ربما بتفصيلاتٍ مستفيضة، هذا الموضوع. ويمكن لهذه الوكالات المرتبطة بمؤسساتٍ ذات طبيعةٍ استخباريةٍ وأمنيةٍ أن تستشعر قلقاً مبرّراً، فتفوقٌ من هذا النوع قد يعطي أفضلياتٍ تتيح للصين مجالاً أكبر للتحرّك، ولا يقتصر القلق على الولايات المتحدة، فروسيا أيضاً تنظر بعين مضطربةٍ إلى هذا الحدث، وهي التي بادرت، فيما مضى من الحقب السوفييتية، إلى قبول التحدّي والإمعان في سابقةٍ مشابهة، فالحدث الصيني يتجاوز العقائد والمرتكزات النظرية، ويتجاوز أيضاً المطالبات الديمقراطية، ويدخل ضمن أطر الأمن القومي الذي يخترق الغلاف الجوي وقوانين الجاذبية.
عندما نجح السوفييت، قبل عقود، في إطلاق قمر صناعي إلى الفضاء الخارجي، شعر الغرب كله بالخوف. كان القمر كرةً معدنيةً قطرُها نصف متر، ووزنها أقل من مائة كيلوغرام، تخرج منها قرون استشعار طويلة، دارت حول الأرض ثلاثة أسابيع، ثم سقطت محترقةً في الفضاء. شكّلَ هذا حينها حدثاً فريداً ومجلجلاً. وبعد أيام، جرى الإعلان عن إطلاق نسخةٍ ثانيةٍ من القمر بوزن نصف طن، واستمر في الدوران حول الأرض قرابة ستة أشهر، شاهده المنافسُ الأميركي بحسد وخوف، وهو يعمل بكدٍّ على إنتاج نسخته الميكانيكية الخاصة التي سيغزو بها عالم ما فوق الغلاف الغازي للأرض. توسع السباق لاحقاً بين المنافسين، فأرسل السوفييت والأميركان حيواناتٍ، من ضمنها القرود والكلاب والسلاحف، وحتى الذباب، لتسبح حول الأرض مع الأقمار، ثم استطاعوا أن يرسلوا البشر للدوران في المرحلة الأولى، ثم للهبوط على سطح القمر، ونجحت الولايات المتحدة في إرسال اثني عشر رجلاً عادوا جميعهم سالمين، ثم توقف كل شيء فجأة في عام 1975 باتفاقيات على التعاون الفضائي.
أخفى سباق الفضاء خلفه سباقاً آخر في تقنية الصواريخ، كان قد بدأ مبكراً في أثناء الحرب العالمية الثانية. واتضح أن الهدف من الاستعراض الفضائي هو الوصول إلى صاروخ مثالي، قادر على اجتياز مسافاتٍ طويلةٍ بالدقة المطلوبة، مع إمكانية توصيل أكبر حمولة، بالإضافة إلى التركيز على الدعاية العالمية للأيديولوجيا التي تقف خلف تلك الصواريخ، وقد خضعت الولايات المتحدة في ذلك الوقت للشروط السوفييتية، وحوّلت نفسها، من دون أن تدري، إلى إيديولوجيا مقابلة، بهدف المنافسة، واحتلال شاشات التلفزيون وعناوين الصحف.
لم تجنِ البشرية شيئاً من هذا السباق، وتحولت مشاهد نزول رواد الفضاء على سطح القمر إلى برنامج مملٍّ، ثم انقلب التنافس إلى تعاون وثيق، مردّه قلة ثقة الأطراف ببعضها بعضا. لم يؤدِ التعاون، منذ تلك الفترة، إلى تطوّر يمكن لشخص عادي لمسه بوضوح، أما سباق التسلح فتحوّل إلى صراع مكشوف وعلني، لم يكبح جماحه إلا انهيار المنظومة السوفييتية.
قد يحتوي نزول المسبار الصيني اليوم فوق وجه القمر المظلم على وجوهٍ أشد ظلاماً، منها قدرته على أن يشكّل صاعقاً يشعل المنافسة من جديد، مع وجود عقليات روسية وأميركية مستعدة لقبول مثل هذه "الصفعة"، واعتبارها مقدّمة تشي برغبة التحدّي، الأمر الذي يعني بقاء العالم في حالة ترقبٍ للخطوة التالية، في طريق اصطياد الكوكب التالي. ولا يعني هذا أن الحروب على الأرض ستنحسر، ففي أوج الصراع الفضائي السوفييتي الأميركي، كانت هناك بقع ملتهبة في فيتنام وكوريا وجمهورية التشيك وكوبا والشرق الأوسط، فمَن يثبت نفسه في طبقات الجو العليا بحاجة إلى وضع توقيعه على بقاع كثيرة من سطح الأرض.
لا يبدو التوقيت ولا الهدف "بريئيْن"، فرائحة التحدّي تفوح منهما، وتملأ المدار كله. انتظرت الوكالة الصينية هدوء الضجة الإعلامية التي ترافق استقبال العام الجديد، وأعلنت عن اكتشافها، فأثار الخبر وكالاتٍ فضائيةً عريقةً راقبت عن كثب، وقرأت، ربما بتفصيلاتٍ مستفيضة، هذا الموضوع. ويمكن لهذه الوكالات المرتبطة بمؤسساتٍ ذات طبيعةٍ استخباريةٍ وأمنيةٍ أن تستشعر قلقاً مبرّراً، فتفوقٌ من هذا النوع قد يعطي أفضلياتٍ تتيح للصين مجالاً أكبر للتحرّك، ولا يقتصر القلق على الولايات المتحدة، فروسيا أيضاً تنظر بعين مضطربةٍ إلى هذا الحدث، وهي التي بادرت، فيما مضى من الحقب السوفييتية، إلى قبول التحدّي والإمعان في سابقةٍ مشابهة، فالحدث الصيني يتجاوز العقائد والمرتكزات النظرية، ويتجاوز أيضاً المطالبات الديمقراطية، ويدخل ضمن أطر الأمن القومي الذي يخترق الغلاف الجوي وقوانين الجاذبية.
عندما نجح السوفييت، قبل عقود، في إطلاق قمر صناعي إلى الفضاء الخارجي، شعر الغرب كله بالخوف. كان القمر كرةً معدنيةً قطرُها نصف متر، ووزنها أقل من مائة كيلوغرام، تخرج منها قرون استشعار طويلة، دارت حول الأرض ثلاثة أسابيع، ثم سقطت محترقةً في الفضاء. شكّلَ هذا حينها حدثاً فريداً ومجلجلاً. وبعد أيام، جرى الإعلان عن إطلاق نسخةٍ ثانيةٍ من القمر بوزن نصف طن، واستمر في الدوران حول الأرض قرابة ستة أشهر، شاهده المنافسُ الأميركي بحسد وخوف، وهو يعمل بكدٍّ على إنتاج نسخته الميكانيكية الخاصة التي سيغزو بها عالم ما فوق الغلاف الغازي للأرض. توسع السباق لاحقاً بين المنافسين، فأرسل السوفييت والأميركان حيواناتٍ، من ضمنها القرود والكلاب والسلاحف، وحتى الذباب، لتسبح حول الأرض مع الأقمار، ثم استطاعوا أن يرسلوا البشر للدوران في المرحلة الأولى، ثم للهبوط على سطح القمر، ونجحت الولايات المتحدة في إرسال اثني عشر رجلاً عادوا جميعهم سالمين، ثم توقف كل شيء فجأة في عام 1975 باتفاقيات على التعاون الفضائي.
أخفى سباق الفضاء خلفه سباقاً آخر في تقنية الصواريخ، كان قد بدأ مبكراً في أثناء الحرب العالمية الثانية. واتضح أن الهدف من الاستعراض الفضائي هو الوصول إلى صاروخ مثالي، قادر على اجتياز مسافاتٍ طويلةٍ بالدقة المطلوبة، مع إمكانية توصيل أكبر حمولة، بالإضافة إلى التركيز على الدعاية العالمية للأيديولوجيا التي تقف خلف تلك الصواريخ، وقد خضعت الولايات المتحدة في ذلك الوقت للشروط السوفييتية، وحوّلت نفسها، من دون أن تدري، إلى إيديولوجيا مقابلة، بهدف المنافسة، واحتلال شاشات التلفزيون وعناوين الصحف.
لم تجنِ البشرية شيئاً من هذا السباق، وتحولت مشاهد نزول رواد الفضاء على سطح القمر إلى برنامج مملٍّ، ثم انقلب التنافس إلى تعاون وثيق، مردّه قلة ثقة الأطراف ببعضها بعضا. لم يؤدِ التعاون، منذ تلك الفترة، إلى تطوّر يمكن لشخص عادي لمسه بوضوح، أما سباق التسلح فتحوّل إلى صراع مكشوف وعلني، لم يكبح جماحه إلا انهيار المنظومة السوفييتية.
قد يحتوي نزول المسبار الصيني اليوم فوق وجه القمر المظلم على وجوهٍ أشد ظلاماً، منها قدرته على أن يشكّل صاعقاً يشعل المنافسة من جديد، مع وجود عقليات روسية وأميركية مستعدة لقبول مثل هذه "الصفعة"، واعتبارها مقدّمة تشي برغبة التحدّي، الأمر الذي يعني بقاء العالم في حالة ترقبٍ للخطوة التالية، في طريق اصطياد الكوكب التالي. ولا يعني هذا أن الحروب على الأرض ستنحسر، ففي أوج الصراع الفضائي السوفييتي الأميركي، كانت هناك بقع ملتهبة في فيتنام وكوريا وجمهورية التشيك وكوبا والشرق الأوسط، فمَن يثبت نفسه في طبقات الجو العليا بحاجة إلى وضع توقيعه على بقاع كثيرة من سطح الأرض.