الصين ليست في الخامسة والستين

06 أكتوبر 2014

احتفالات الذكرى 65 لتأسيس الجمهورية الشعبية في الصين (2أكتوبر/2014/Getty)

+ الخط -

احتفلت الصين، قبل أيام، واحتفلت سفاراتها في دول العالم، ومنها الدول العربية، بالذكرى الخامسة والستين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول من العام 1949. ولعل أهم ما يلفت الانتباه في كيفية الاحتفال بالمناسبة، وخصوصاً من المعجبين بالنجاحات الحضارية الصينية الهائلة، أنه جرى إقامة ربط غير معلل بين تأسيس الجمهورية الشعبية ونهضة الصين، أو بكلمات أخرى، جرى تصوير النجاحات الصينية الضخمة باعتبارها حصيلة للسنوات الـ 65 من عمر الجمهورية الشعبية.

أجادل، كباحث مهتم بالنهضة الصينية المعاصرة، بأن ذلك الربط ليس موضوعياً أبداً، ولا يعبّر عن واقع الحال، فنهضة الصين المعاصرة ليست في الحقيقة نتاج سنوات عمرها الخمس والستين، وإنما نتاج السنوات الست والثلاثين الأخيرة وحسب، أي منذ أطلق زعيم النهضة الصينية المعاصرة، ورائد التنمية والتقدم، دينغ شياو بنغ، في 1978، برنامجه النهضوي العقلاني. وهكذا، فالتاريخ المقبول نقطة انطلاق للنهضة المعاصرة في الصين، يرتبط بانعقاد الدورة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني، في بكين، في ديسمبر/كانون الأول من العام 1978، حين قررت اللجنة التحوّل من "النضال الطبقي" إلى "البناء الاقتصادي وتطبيق الانفتاح على الخارج"، على أساس أفكار دينغ، القاضية بتحرير الفكر من قيود الأيديولوجيا.

قصة نجاح الصين هي قصة العقلانية في تطبيق الأيديولوجيا، انطلاقاً من الواقع وضروراته، من غير تهوّر ولا عواطف ولا رؤوس حامية. إنها قصة البرغماتية، من غير إهدار لمبادئ الأيديولوجيا، وذلك لم يكن متاحاً في الصين، من غير أن يتولى دينغ المسؤولية الأولى، بعد سنوات من الحكم الأيديولوجي العاطفي المتحمس، الذي عرفه عهد ماو تسي تونغ، وخصوصاً في سنيه العشر الأخيرة، خلال ما يعرف بـ"الثورة الثقافية الكبرى" (1966-1976).

باختصار، يمكن تكثيف النهج الصيني الذي أفضى إلى هذه النهضة الكبيرة المشهودة، وعُرف باسم "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية"، بأنه قام على بعدين: الأول استعمال بعض آليات اقتصاد السوق، وفق منهجٍ سمح بظهور طبقة من الصينيين الأثرياء، مترافقاً مع تقليص الخدمات المجانية التي تقدمها الدولة، تحت شعار مشاركة الجماهير في تحمل أعباء التنمية، والثاني الانفتاح على العالم، مع الحفاظ على ضرورات السيادة الوطنية.

وعلى الرغم من أن الصين لم تبدأ من الصفر في 1978، إذ كانت سنوات ماو قد أسست لنهوض الصين وتحولها إلى دولة كبرى مؤثرة في محيطها والعالم، بما، في ذلك، امتلاكها السلاح النووي منذ 1964، وتطويرها قدرات صناعية هائلة، فإن هذه الإنجازات الكبيرة التي تحققت في نحو ست وثلاثين سنة فقط، إنما تشي بأن النهوض لم يكن حصيلة تغيّر اجتماعي، قاد إلى تطوير بنى الدولة، بل كان نتيجة قرار سياسي رشيد، عرف كيف يوظف مقدرات الدولة ومواردها، من أجل تحقيق نهوضها.

يعرف الصينيون هذه الحقيقة، تماماً، لكن ما حدث في تاريخ الصين المعاصر، أنه جرى التملص من أسلوب ماو في الحكم، من دون التملص من ماو نفسه. هكذا، مثلاً، ظل قادة السياسة الصينيون الذين ابتعدوا مسافاتٍ فلكية عن نهج ماو، منذ دينغ، ثم جيانغ زيمين، ثم هو جين تاو، وصولاً إلى الرئيس الحالي، شي جين بينغ، يؤكدون انتماءهم إلى مدرسة ماو، من دون أن يكون لذلك التأكيد أية آثار عملية على أرض الواقع!

وعلى هذا، لا يكون غريباً أن توحي الصين في احتفالاتها بعيدها الخامس والستين، بأنها تعتبر نجاحاتها حصيلة سنوات الجمهورية الشيوعية كلها، لا سنوات ما بعد ماو وحسب، غير أن إدراك التمايز بين سنوات (1949-1978) وسنوات ما بعد 1978، أمر مفصلي، لفهم النجاحات الصينية المعاصرة، خصوصاً من زاوية الدلالات المهمة التي تنطوي عليها حقيقة العمر القصير لتلك النجاحات، تجاه كيفية تحوّل الأمم ذات الموارد الطبيعية الكبيرة من الهبوط إلى الصعود بسرعة، فالأمر مرهون بوجود خطط عملية، يجري تطبيقها بإخلاص، على أساس من الاستقلال الوطني، والسيادة على الموارد، وهو ما فعله القائد التاريخي دينغ، والذي كان الغرب قد ظن "إصلاحاته" مؤشراً على ضعف ولائه الوطني، كعهد الغرب ببعض قادة العالم الثالث الذين يرثون قادة مؤسسين، قبل أن يتبين أنه ليس كذلك!

دلالات
1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.