توعدت الصين، اليوم السبت، الولايات المتحدة الأميركية بالرد على حظر تطبيقي "تيك توك" للتسجيلات المصورة و"وي تشات" للمراسلة والتواصل الاجتماعي، معلنة في الوقت ذاته عن آلية مضادة للعقوبات الأميركية، في تصعيد جديد بين أكبر اقتصادين في العالم، ما ينذر بتعمق الركود العالمي، الذي تسببت فيه جائحة فيروس كورونا.
وقالت وزارة التجارة الصينية، في بيان لها، إن الصين ستتخذ التدابير اللازمة لحماية حقوق ومصالح شركاتها، مؤكدة معارضتها الشديدة للقرار الأميركي بحظر التطبيقين، اعتباراً من مساء غد الأحد.
وأضافت الوزارة :"في غياب أي أدلة، استخدمت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً سلطة الدولة ضد الشركتين (اللتين يتبع لهما التطبيقان) لأسباب غير مبررة، وهو ما عطل على نحو خطير أنشطتهما التجارية الطبيعية، وقوض ثقة المستثمرين الدوليين في البيئة الاستثمارية بالولايات المتحدة، وألحق أضراراً بالنظام الاقتصادي والتجاري العالمي الطبيعي".
وطالبت الولايات المتحدة بالوقف الفوري لما أسمته "أعمال التنمر" وحماية القواعد والنظام الدولية، مشيرة إلى أنه "إذا استمرت الولايات المتحدة في التصرف حسب هواها، فإن الصين ستتخذ تدابير ضرورية لحماية الحقوق والمصالح المشروعة للشركات الصينية بحزم".
وكانت وزارة التجارة الأميركية قد أعلنت، أمس الجمعة، حظر تطبيقي "تيك توك" و"وي تشات" بحجة تهديدهما الأمن القومي الأميركي.
الصين، ثاني أكبر حائز للديون الأميركية بقيمة 1.074 تريليون دولار حتى يونيو الماضي
وقال ويلبر روس، وزير التجارة الأميركي، في بيان، إن "الحزب الشيوعي الصيني أظهر الوسائل والدوافع لاستخدام هذه التطبيقات لتهديد الأمن القومي والسياسة الخارجية واقتصاد الولايات المتحدة".
وسبق أن قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن الموعد النهائي المحدد لشركة "بايت دانس" التكنولوجية الصينية لبيع أصول تطبيقها "تيك توك" في الولايات المتحدة لن يمدد.
وقال ترامب إن التطبيق "إما أن يغلق أو يقوموا ببيعه" إن لم يتم التوصل إلى صفقة قبل الموعد النهائي، وهو 20 سبتمبر /أيلول الجاري.. مضيفا "لن يكون هناك تمديد للموعد النهائي لتيك توك".
وأصدرت وزارة التجارة الصينية، اليوم السبت، لوائح لقائمة تسمى "كيانات غير موثوق بها"، والتي تستهدف شركات أجنبية تقول إنها تعرض سيادتها الوطنية أو أمنها أو مصالحها التنموية للخطر.
ويمكن منع الشركات المدرجة في القائمة من الاستيراد أو التصدير من الصين، وقد يتم منعها من الاستثمار في البلاد، فيما تشمل الإجراءات الأخرى فرض غرامات وقيود على دخول الموظفين إلى الصين وإلغاء تصاريح عملهم أو إقامتهم.
وكانت الصين قد تعهدت سابقاً بوضع قائمة بالشركات التي تضر بمصالحها، بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة هواوي الصينية لمعدات الاتصالات ووضعتها على قائمة سوداء تجارية.
وبالرغم من أن الصين أعلنت اللوائح، إلا أن القائمة لم تنشر. وفي مايو/ أيار الماضي، قالت صحيفة غلوبال تايمز الإعلامية المملوكة للدولة إن الصين يمكن أن تضع شركات مثل "آبل" و"كوالكوم" و"سيسكو" التكنولوجية على القائمة رداً على القيود الأميركية على هواوي.
وتتصاعد حدة التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين، إذ استأنف الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساعيه للضغط على الشركات الصينية، التي بدأها بشركة "هواوي" لشبكات الاتصالات والهواتف عام 2018.
وفاقمت جائحة فيروس كورونا حدة الصراع التجاري بين عملاقي الاقتصاد العالمي، لا سيما في ظل الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها ترامب بسبب الانكماش الذي يسجله الاقتصاد الأميركي.
وتبدو الصين في موقف أكثر قوة، إذ سرعان ما طوقت تداعيات الوباء وأعادت الاقتصاد إلى عجلة الإنتاج، وأصبحت أول اقتصاد يعود إلى النمو بنحو 3.2% في الربع الثاني من العام مقابل انكماش بنسبة 6.8% في الربع الأول.
في المقابل، يتعرض الاقتصاد الأميركي لانكماش هو الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، فقد أظهر تقرير صادر عن وزارة التجارة الأميركية، نهاية أغسطس/آب الماضي، انكماش الاقتصاد خلال الربع الثاني من العام الحالي بنسبة 7.31%.
كما توقع مكتب الميزانية بالكونغرس، في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري، أن تسجل الميزانية الفيدرالية عجزاً بقمية 3.3 تريليونات دولار في السنة المالية 2020، التي تنتهي في 30 سبتمبر/أيلول الجاري، أي أكثر من ثلاثة أضعاف العجز المسجل في 2019.
ورجح مكتب الميزانية أن يتجاوز الدين، المقدر حتى مطلع إبريل/نيسان الماضي بنحو 24 تريليون دولار، حجم الاقتصاد خلال العام 2021، وهو أعلى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية.
بينما أعلنت إدارة ترامب عزمها اقتراض ثلاثة تريليونات دولار في الربع الثاني لمواجهة تداعيات تفشي الفيروس، ليقفز إجمالي الديون إلى أكثر من 27 تريليون دولار، الأمر الذي قد يكون بمثابة ورقة في يد الصين لتوجيه ضربة قوية إلى الولايات المتحدة، حال بيع ما بحوزتها من أذون وسندات خزانة أميركية (أدوات دين)، سواء جاء ذلك رداً على استهداف الشركات العملاقة وتقويض التجارة الصينية أو القفز من مركب الاقتصاد الأميركي المترنح.
وفي الأيام الأخيرة، عاد التلويح الصيني ببيع سندات الخزانة الأميركية إلى الواجهة من جديد، حيث نقلت صحيفة غلوبال تايمز الصينية، المدعومة من الدولة، عن خبراء قولهم إن بكين ربما تخفض تدريجياً حيازاتها من سندات وأذون الخزانة الأميركية.
والصين، ثاني أكبر حائز غير أميركي لأذون وسندات الخزانة بقيمة 1.074 تريليون دولار حتى يونيو/ حزيران الماضي، انخفاضا من 1.083 تريليون في مايو/أيار، وفقا لأحدث بيانات رسمية.
وقال شي جين يانغ، الأستاذ في جامعة شنغهاي للمالية والاقتصاد، إن "الصين ستقلص تدريجياً حيازاتها من الديون الأميركية إلى نحو 800 مليار دولار في ظل الظروف الطبيعية" ولم يذكر إطارا زمنيا مفصلا لذلك.
وأضاف شي، وفق ما نقلت وكالة رويترز، في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري، عن الصحيفة الصينية :"لكن بالطبع، ربما تبيع الصين كل سنداتها الأميركية في حالة قصوى، مثل النزاع العسكري".
والخفض إلى 800 مليار دولار من المستوى الحالي قد يعني تقلص حيازاتها بأكثر من 25%. ويقول محللون إن حدوث بيع صيني على نطاق كبير، عادة ما يُشار إليه "بالخيار النووي"، وقد يطلق اضطرابا في الأسواق المالية العالمية.
وأشارت الصحيفة الحكومية إلى سبب آخر للبيع وهو خطر التعثر المحتمل في الولايات المتحدة، إذ إن دين أكبر اقتصاد في العالم ارتفع بشدة إلى نحو نفس حجم الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، ويفوق بكثير خط الأمان المعترف به دوليا عند 60%، وفق مكتب الميزانية في الكونغرس يوم الخميس الماضي.
والصين منكشفة بقوة على الدولار والأصول المقومة به. وتبلغ الاحتياطيات الأجنبية الرسمية للصين 3.154 تريليونات دولار بنهاية يوليو/ تموز الماضي.