الصيد والزراعة مهنتان يتخوف الشبان في قطاع غزة من مخاطر العمل فيها، خلفاً لآبائهم، بسبب الاعتداءات الإسرائيلية شبه اليومية على قوارب الصيادين والأراضي الزراعية.
على رمال شاطئ بحر غزة، يجلس الصياد الفلسطيني محمد كَلّوب (42 عاماً)، مستذكراً أيام الصيد قبل عقدين من الزمن، حين كان يرافق أباه كل صباح في قارب يوفر لهم "الرزق الوفير".
ويشعر كَلّوب اليوم، بحسرة لرفض ابنه البكر أنور (17 عاماً)، العمل برفقته في مهنة الصيد التي ورثها عن أبيه. وأوضح أن ابنه يرفض أن يكون خلفاً له في هذه المهنة، التي يصفها بأنها "خطيرة وغير مأمونة"، في ظل "الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة" إضافة لكونها غير مجدية اقتصادياً.
وتابع "للأسف، اليوم لا يرغب أولادنا في أن يرثوا مهنة الآباء والأجداد، وباتوا يكرهون قوارب الصيد".
وافتتح الابن أنور برفقة ثلاثة من أصدقائه مشروعاً صغيراً لتربية الدواجن، بعيداً عن البحر، و"الموت اليومي" وفق وصفه. ويقول: "في كل يوم هناك إطلاق نيران من الزوارق الإسرائيلية، ومصادرة للقوارب، واعتقال للصيادين، كما أنها لم تعد مهنة مربحة كما في السابق".
وليس ببعيد عن كَلّوب، فإن ثلاثة من أبناء زميله الصياد إبراهيم بكر (50 عاماً)، اتجهو إلى العمل في مهن أخرى، بعيداً عن مهنة الصيد، التي تعتبر من مهن الآباء والأجداد والمتوارثة في "العائلة" جيلاً بعد آخر.
ويتابع "أنا أعمل صياداً، خلفاً لأبي الذي ورث المهنة هو الآخر عن جدي، ولكن اليوم كثير من أبناء الصيادين باتوا يعزفون عن هذه المهنة، ويتجهون للبحث عن عمل آخر".
ووفق بكر فإن مهنة الصيد باتت من المهن القاسية في قطاع غزة، ولم تعد كما في السابق في ظل ما وصفه بالموت اليومي، الذي تمارسه إسرائيل بحق الصيادين، مشيراً إلى "تحديد إسرائيل لمساحة الصيد، ومصادرة القوارب، والعواصف وأجواء البرد التي قد لا يتحملها جيل اليوم، كلها عوامل ساهمت في هذا التوجه".
ولا يتصور الفتى رأفت (16 عاما)، ابن الصياد محمد البردويل أن يجد نفسه محتجزاً ولو لساعات بيد قوات الجيش الإسرائيلي، مستدركاً "إنها مهنة مخيفة، ولم تعد آمنة، هناك اعتقال لكثير من الصيادين وأولادهم".
ومنذ أن انتهت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، في 26 أغسطس/آب الماضي، قامت قوات البحرية الإسرائيلية وفق نقابة الصيادين الفلسطينيين، باعتقال 40 صياداً، احتجزت بعضهم لعدة ساعات، أو أيام، ولا تزال تعتقل داخل سجونها 3 صيادين.
ويعمل في مهنة الصيد حوالي 4 آلاف صياد يعيلون أكثر من 50 ألف نسمة، وفق نقابة الصيادين الفلسطينيين، يعملون على أكثر من ألف قارب صيد مختلف الأحجام والأنواع.
اعتداءات إسرائيل تبعد الشبان عن الزراعة
وبعيداً عن مهن الصيد، يعاني العاملون في مهنة "الزراعة"، المشكلة ذاتها مع أبنائهم.
فالمزارع خالد العمور (52 عاماً)، الذي يملك أرضا بمساحة (ألفي متر)، يقول إن أبناءه، يرفضون العمل معه، موضحاً أن اثنين من أبنائه يرفضون العمل برفقته في مهنة "الزراعة"، التي خلفها عن والده، خوفاً من الموت بفعل إطلاق قوات الجيش الإسرائيلي النار بشكل شبه يومي على المزارعين، وتجاه الأراضي الزراعية المحاذية للسياج الفاصل بين حدود قطاع غزة وإسرائيل.
ويتابع "هناك صعوبة بالغة في الاعتناء بالأرض، بفعل الانتهاكات الإسرائيلية، وبات العمل في مهنة الزراعة صعباً للغاية، نضطر لترك أراضينا لساعات طويلة، وهذا المشهد دفع بأولادنا للعزوف عن هذه المهنة".
ويقول مسؤولون فلسطينيون في غزة، إن قوات الجيش الإسرائيلي تستهدف بشكل شبه يومي، الأراضي الزراعية على الحدود مع القطاع.
ولا يرغب أحمد أبو سعدة، (22 عاما) أن يرافق والده في مهنته وأن يتولى الاعتناء بأرض تتجاوز مساحتها الـ"3" آلاف متر مزروعة بالقمح والشعير، مشيراً إلى إنه قام بالبحث عن مهنة تدر له دخلاً أكبر، وأكثر أمناً وفق قوله.
وتابع "اليوم مهنة الزراعة بغزة، باتت محفوفة بالمخاطر، ولم تعد آمنة، كما أن الحصار، وندرة المياه وملوحتها جعلت من مهنة الزراعة، غير مربحة، ويتعرض المزارعون لخسائر فادحة".
وتكفي الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة ليترك الأبناء مهنة آبائهم وأجدادهم كما يقول المزارع محمد الأسطل (60 عاما)، مضيفاً "لم تعد مهنة الزراعة بنظر الأبناء ذات فعالية، خصوصاً أن كل شيء ممكن تدميره في دقائق كما حدث في العدوان الإسرائيلي الأخير".
ووفق وزارة الزراعة الفلسطينية، فإن الحرب التي شنتها إسرائيل في السابع من يوليو/تموز الماضي، واستمرت 51 يوماً، تسببت بخسائر في القطاع الزراعي، وصلت إلى 550 مليون دولار. ويغطي القطاع الزراعي وفق إحصائيات وزارة الزراعة حوالي 11 في المائة من نسبة القوى العاملة في قطاع غزة، أي ما يقارب 44 ألف عامل.
اقرأ أيضاً: "مورينغا" تروي زرع غزّة بالمياه العادمة.. بأمان