ولا يبدو أن التركيز الدولي على ليبيا يستند فقط إلى معطيات سياسية وجيو-استراتيجية، وإنما يدخل عامل آخر هو الأهم في هذا الاستعجال العالمي بالتدخل في ليبيا، يتمثل في ثرواتها التي لا تحصى ولا تعد.
اقرأ أيضاً: مؤشرات التدخّل العسكري في ليبيا: "كثير من التفكير والتخطيط"
يشير وزير العمل في حكومة الإنقاذ، محمد بالخير، في حديث مع "العربي الجديد" (يصدر كاملاً في عدد الغد) إلى أن ثروات ليبيا اللامتناهية، ومخزونها من النفط والغاز واليورانيوم والذهب والحديد والسيليكون والألمنيوم، وغيرها من المعادن، هي سبب هذا الحماس الدولي، على الرغم من أن وجود ليبيا في قلب المتوسط، على بعد أميال قليلة من جنوب أوروبا، يُعدّ أيضاً عاملاً مهماً في لعبة الاستراتيجية الدولية وسعي القوى الكبرى إلى التنافس للسيطرة على هذا الممر البحري من ناحية، والاستفادة من حوالى ألفي كيلومتر على المتوسط.
ويؤكد بالخير أن مراكز الأبحاث الدولية، والأميركية تحديداً، وضعت خارطة توزيع المعادن في ليبيا، اطلع عليها شخصياً، وتؤكد أن لا معدن نفيساً في العالم، إلا ويتوفر في ليبيا وبكميات هائلة.
غير أن الحديث عن ثروات ليبيا ليس بجديد، فقد سعى الليبيون وغيرهم منذ أيام الثورة الأولى إلى كشف حقيقة مقدرات هذا البلد، بعدما كانت الثروات تُدار بسرية مطلقة في عهد نظام معمر القذافي.
وتكشف تقارير إعلامية ودراسات ليبية عدة عن أنّ وكالة الطاقة الأميركية تتوقع أن يرتفع احتياطي النفط الليبي من 48 مليار برميل إلى 74 مليار برميل، لتحتل ليبيا المركز الخامس عالمياً في احتياطات النفط الصخري، بعد روسيا وأميركا والصين والأرجنتين، وفقاً لما ذكره المجلس الليبي للنفط والغاز على موقعه الرسمي.
وأوضحت الوكالة عبر موقعها الإلكتروني أن الكمية الجديدة سترفع العمر الافتراضي لإنتاج النفط الليبي من 70 عاماً إلى 112 عاماً، بعد الإعلان عن أن الاحتياطي الليبي من النفط المخزون في الصخور، والقابل للاستخراج بالتقنيات الحالية، يبلغ 26 مليار برميل.
كذلك، كشفت الوكالة عن أنّ احتياطات الغاز الليبي سترتفع بدورها إلى ثلاثة أضعاف؛ حيث بلغت 177 تريليون قدم مكعبة بعدما كانت 55 تريليون قدم مكعبة، وذلك بإضافة 122 تريليون قدم مكعبة من الاحتياطي القابل للاستخراج من الصخور. ويقع هذا المخزون الضخم من النفط الصخري شمال غرب ليبيا وجنوبها الغربي.
ولئن كان إنتاج ومخزون النفط الحالي والمستقبلي معلوماً للجميع، فإن موضوع اليورانيوم الليبي بقي موضوعاً مسكوتاً عنه، ويُدار بسرية مطلقة في عهد القذافي أو بعده.
وفي السياق نفسه، كان زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي (الرئيس الحالي، فرنسوا هولاند)، قد اتهم الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، في 2007، بتوقيع اتفاق سرّي مع القذافي بدون الرجوع إلى الجمعية الوطنية أو الكشف عن تفاصيله للشارع الفرنسي، بينما كانت فرنسا تفاوض لشراء 1600 طن من اليورانيوم المخزن لدى ليبيا.
وتؤكد تقارير عدة أن هناك منجماً كبيراً لليورانيوم موجوداً في جنوب ليبيا، وأنّ المعطيات الجيولوجية للمنطقة هي نفسها الموجودة في النيجر، المشهورة بإنتاج اليورانيوم، والتي تستغلها شركات فرنسية بشكل حصري تقريباً.
كما أشارت التقارير إلى أن عدداً من الخبراء تهافتوا من دول عربية عديدة على ليبيا، في السنوات الأخيرة، للتأكد من صحة البحوث التي تتحدث عن اكتشاف احتياطي ضخم من اليورانيوم النقي في ليبيا بنسبة 63 إلى 74 في المائة. ويلفت خبراء إلى أن يوارنيوماً بهذا النقاء يعتبر أمراً نادراً في العالم، حيث لم تُسجّل إلا أربع حالات مشابهة فقط وبكميّات قليلة لم تصل إلى 3 كيلوغرامات في مجموعها.
وربما يكون من المبالغة أن يعتبر بعض الليبيين أن كميات اليورانيوم، الموجودة في ليبيا، تكفي لإنتاج الطاقة لكل الكرة الأرضية لملايين من السنين بدون انقطاع أو حتى نقص في كفاءتها.
وبغضّ النظر عن مبالغة هذه التقديرات من عدمها، فإن الثابت هو وجود هذا المعدن الهام في ليبيا. وسبق للمنظمة الدولية للطاقة الذرية أن أرسلت فريقاً إلى ليبيا للتحقق من سلامة الآلاف من براميل اليورانيوم المطحون المعروف بـ"الكعكة الصفراء"، والتي كانت تشكل مصدر قلق نتيجة تدهور الوضع الأمني في البلاد. كما سبق للممثل الأسبق للأمين العام في ليبيا، طارق متري، أن أبلغ مجلس الأمن، بأن بعثة الأمم المتحدة للدعم تلقت معلومات تشير إلى وجود 6.400 برميل من اليورانيوم موجودة في موقع عسكري قريب من مدينة سبها، جنوب البلاد. غير أن الذين يعرفون ليبيا جيداً، يدركون بالضرورة أنها ليست فقط جملة من المناجم المترامية هنا وهناك، وإنما هي أيضاً أراضٍ شاسعة، بإمكانها أن تزوّد جيرانها في أفريقيا بإنتاجاتها الزراعية المتعددة، على الرغم من تباين الآراء بخصوص مقدراتها المائية.
وفي حين يتحدث خبراء ليبيون عن شحّ المياه في بلادهم، يشير آخرون الى أن المياه الجوفية في البلاد هي من أكبر المخزونات الأفريقية. وتشير تقارير بريطانية إلى أن مخزون المياه الجوفية في أفريقيا يقدّر بحوالى 660 ألف كيلومتر مكعب، في حين أن كمية المياه الجوفية في ليبيا تقدر بحوالى 99.500 كيلومتر مكعب، أي سدس الكمية الاجمالية في أفريقيا.
بالإضافة الى ذلك، تشكّل السواحل الليبية الممتدة على حوالى ألفي كيلومتر فضاءً خصباً وممراً لأنواع عدة من الأسماك، ومخزوناً سياحياً بالإمكان تحويله إلى وجهة سياحية عالمية، إذا ما استتب الأمن في البلاد.
ويمكن استتباب الأمن عبر مسألتين أساسيتين، الأولى هي إعادة الإعمار، والثانية بداية استرجاع الأموال المنهوبة ورفع الحظر عن الأموال الليبية الهائلة المجمّدة في عشرات الدول.
وبحسب خبراء، فإن إعادة إعمار ليبيا ستتطلب حوالى 200 مليار دولار، بما يثيره هذا الأمر من شهية للشركات الكبرى، وللعمالة الأجنبية لدول الجوار العربية والأفريقية.
وتقدر الثروة المالية الليبية الموجودة في مصارف ودول أجنبية بنحو 100 إلى 160 مليار دولار، موزعة على الولايات المتحدة (نحو 37 مليار دولار) وألمانيا (حوالى 7 مليارات يورو)، وبريطانيا (حوالى 20 مليار دولار)، وهولندا (ثلاثة مليارات يورو)، إلى جانب أموال واستثمارات في فرنسا والبرتغال وإسبانيا وبلدان عربية وأفريقية عديدة أخرى.
وأشار تقرير لشبكة "سي إن إن" الأميركية منذ سنة 2012، إلى أن ليبيا أنشأت في عام 2003 صندوقاً استثمارياً سيادياً، وذلك بعد رفع العقوبات الدولية عنها. ويعتقد أن هذا الصندوق يدير ثروات تعادل 60 مليار دولار، ولكنها لا تمثل كل الأموال الليبية المستخدمة في الخارج، إذ إن طرابلس تضخ بعض تلك الأموال عبر مصرفها المركزي وبنوكها التجارية العادية. وبحسب التقرير، فإنه وفقاً لوثائق سربها موقع "ويكيليكس"، فإن ليبيا أودعت أكثر من 32 مليار دولار في مصارف أميركية على شكل سيولة مباشرة، وقد جمدت وزارة الخزينة الأميركية 30 ملياراً منها في 2011. كما ضخت ليبيا 300 مليون دولار في مصرف "ليمان براذرز"، وفق ما أظهرته الوثائق، التي قدمها البنك لدى طلب حمايته من الإفلاس، قبل سنوات. وقد سبق لطرابلس أن رفعت دعوى قضائية للمطالبة باسترداد تلك الأموال. أما في كندا فقد قامت ليبيا بواحدة من أولى استثماراتها الدولية، إذ دفعت 320 مليون دولار في عام 2009 لشراء حصة في شركة "فيرنيكس" للطاقة.
وتشير وثائق موقع "ويكيليكس" أيضاً إلى أن ليبيا مالت منذ فترة طويلة إلى الاستثمار في أوروبا، بسبب موقعها الجغرافي القريب، وفي بريطانيا بسبب "نظامها الضرائبي البسيط". وقد حصلت ليبيا على حصص في شركات مثل "إني" النفطية الإيطالية، وبنك "يوني كريدت" الأكبر في البلاد. كما استحوذت على حصة 7.5 في المائة من فريق يوفنتوس. وفي بريطانيا، لدى ليبيا حصة 3.3 في المائة بشركة "بيرسون" التي تمتلك صحيفة "فايننشال تايمز" ودار "بنغوين" للنشر، إلى جانب حصص في مصارف تدير ممتلكات عقارية، إلى جانب حصص في ثلاث منشآت نفطية أوروبية، وأكثر من ثلاثة آلاف محطة لبيع الوقود.
وقد سبق أن قامت "بيرسون" بتجميد حصص ليبيا في شركاتها. وفي القارة السمراء، يعمل أكثر من 12 مصرفاً ليبيا ومؤسسة استثمارية صغيرة على ضخ المليارات في دول عدة، ومنها حصص في شركات اتصالات وبنية تحتية في دول غير مستقرة، مثل زيمبابوي وأوغندا.
وبقطع النظر عن صحة هذه المعلومات، التي أوردتها مواقع ودراسات ليبية وغربية، فإن الثابت هو أن ليبيا تتحفظ على مقدرات مالية وثروات طبيعية كبيرة، تثير طمع الكثيرين، ولكنها في كل الحالات تحتاج إلى وضع سياسي مستقر وإجماع ليبي داخلي، حتى لا تضيع هذه المقدرات.
اقرأ أيضاً: تحضيرات تونسية لمواجهة ارتدادات التدخّل المحتمل في ليبيا