الصراعات بين النواب في تونس: شعبوية وإساءة للبرلمان

29 ابريل 2020
صراعات غير مسبوقة بين النواب(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد العلاقة بين بعض النواب في تونس توتراً غير مسبوق، ما خلق صورة غير سويّة لدى عامة التونسيين عن البرلمان والأحزاب السياسية من جهة، وعمّق الصراعات الفكرية والأيديولوجية من جهة أخرى، وسط مخاوف من أنّ يصل منسوب الصراع إلى حد لا يمكن السيطرة عليه.

وعرف المجلس، أخيراً، حادثة غير مسبوقة بين رئيسة الحزب "الدستوري الحر"، عبير موسي، والنائب عياض اللومي عن "قلب تونس"، حيث أثير جدل حول عبارات "لاأخلاقية" تقول موسي إن النائب وجهها لها، الأمر الذي نفاه اللومي، متهماً موسي بـ"تلفيق الأكاذيب".

وفي وقت سابق، شهد المجلس مشادة كلامية بين عبير موسي ونائب عن "ائتلاف الكرامة" وصلت إلى حد الشتائم. وفي عدة مناسبات توقفت الجلسات، كما وصل الأمر إلى الاعتصام بقاعة الجلسة العامة. في حين، أصبحت التجاذبات بين بعض النواب معرقلة لنشاط وعمل المجلس الذي كان بالإمكان أن يستغل التنوع السياسي والاختلاف القائم لتقديم الأفضل.

ورأى القيادي في حركة "النهضة"، عجمي الوريمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "تركيبة مجلس النواب التي أفرزتها الانتخابات هي نتاج القانون الانتخابي، وأفرزت للأسف وجود بعض الأطراف التي لم تتعود سابقاً على العمل المشترك ولم تعمل في إطار توافقات برلمانية ولا حكومية وبعضها يجد نفسه ولأول مرة في الائتلاف الحكومي"، معتبراً أنّه "لا بد من مضي الكثير من الوقت ليحصل انسجام وتعاون وتكامل بين النواب".

وتابع الوريمي أن البلاد "تمر بظرف دقيق ولكن للأسف بعض الأحزاب لا تزال تحن للخطاب القديم وهناك من لا يدرك حجم التحديات الوطنية وهم يتصرفون وكأنهم في حملة انتخابية"، مشيراً إلى أن "قبة البرلمان ورغم عملها في ظرف استثنائي وغالبية الأعمال تتم عن بعد، ولكن للأسف هناك من يجد في البرلمان ساحة لممارسة العمل السياسي والتنافس مع الخصوم وكأنهم في أوج الحملة الانتخابية وهؤلاء يغلبون الاعتبارات الحزبية على العمل البرلماني، وعلى حساب الوقت والأداء والثقة وهو ما يفسر أن مؤشر الثقة في البرلمان في أغلب نتائج سبر الآراء متواضع مقارنة ببقية مؤسسات الدولة رغم دوره التشريعي المهم".

وأكد القيادي في حركة "النهضة" أن "لا تبرير لما يحصل بين بعض النواب من توتر لم يعرفه البرلمان سابقاً، ما يكشف عن أزمة قيادية وحزبية وسياسية"، مشدداً على أنه "ورغم التعددية المنصوص عليها في الدستور إلا أنه لا يجب تجاوز الخطوط الحمراء من قبل البعض والنزول إلى مستوى السباب والشتائم".

ودعا الوريمي إلى وضع ميثاق أخلاقي بين النواب حتى لو كان خارج النظام الداخلي للحد من التوتر الحاصل، داعياً المجتمع المدني إلى لعب دوره التعديلي في المشهد، وأن ينتقد مثل هذه الظواهر.

بدوره، رأى رئيس الكتلة الوطنية، حاتم المليكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "توتر العلاقة بين النواب يعود إلى تشتت الأصوات داخل المجلس وما أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية، مشيراً إلى أن "هناك خطابات سياسية متطرفة ما أفرز نوعاً من المزايدة وأدى إلى بروز بعض العبارات غير المقبولة حتى لو كانت محاولات للتعبير عن الأفكار".

ولفت إلى أن "الطبقة السياسية لم تبحث عن حلول في حين أن المجلس منتخب وله أعمال رقابية وتشريعية يقوم بها وما يحصل لا يرتقي للعمل النيابي"، مشدداً على أنّ "المجلس لا يمكن أن يواصل عمله في ظل التشنجات الحاصلة وهناك دعوات وتدخلات اليوم تدعو إلى حلول وعلى رئيس مجلس النواب، راشد الغنوشي، أن يستمع إلى مختلف الأصوات لتسهيل عمل النواب"، مذكّراً أنهم "طالبوا سابقاً بمدونة سلوك ولكن للأسف لم يلق هذا المقترح أي تجاوب".

وتابع أنه "لا بد من مراجعة إدارة الجلسات والمسائل التنظيمية وإدخال تعديلات على سير الجلسات"، مبيناً أن "على كل نائب مراجعة نفسه وتحمل مسؤوليته في الخطاب الصادر وإذا حصل عنف مادي أو لفظي فلا بد من التعامل مع المسألة قضائيًا".

من جهته، تحدث النائب عن حركة "الشعب"، سالم لبيض، عن التوترات الحاصلة بين النواب، قائلاً إنها "بدأت منذ بداية عمل المجلس ويبدو أن هناك نوعاً من التطرف الفكري لدى بعض النواب عمق هذه التجاذبات كما أن هناك تيارات شعبوية لم تكن موجودة سابقاً في المجلس"، مشدداً على أن "جل هذه العناصر جعل الجلسات تغلب عليها الصراعات والتلاسنات وعدم القبول بالآخر".

ورأى أنّ "رئاسة البرلمان لم تتمكن من أن تكون عنصراً وفاقياً يستطيع أن يكون محايدًا تجاه جميع الأطراف بعيداً عن الحسابات السياسيات الضيقة ولعبة المصالح والاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك".

وأضاف لبيض، لـ"العربي الجديد"، أنّ هناك عناصر تعمل ضمن الفضاء الافتراضي من مختلف الانتماءات وهو ما يجعل هذه الحملات تزيد من حدة الردود أحياناً".

وأشار إلى أنّه "رغم مرور عدة أشهر على انطلاق المجلس إلا أنّه لم يستطع أن يقوم بدوره الحقيقي ونقل هذه الصراعات داخل الجلسات يزيد من تدعيم الصورة السيئة عن النواب حتى أن هناك دعوات وصلت إلى حل المجلس باعتبار أنه لم ينجح في القيام بالحد الأدنى المطلوب".

ولاحظ لبيض أن صوت الحكمة الذي كان موجوداً في السابق في مجلس نواب الشعب أصبح مفقوداً، وحتى دور رؤساء الكتل مغيب، موضحاً أنّ "أغلب التوترات سابقاً كانت تحل ضمن مؤسسة رؤساء الكتل رغم أنها مؤسسة عرفية ولكن كانت تقوم بدور وفاقي كبير وساعدت المجلس سابقاً على تمرير القوانين ومساءلة الحكومة ولا بد من العودة إلى هذه المؤسسة لحل هذه النزاعات مع الاتفاق على ميثاق عمل برلماني والابتعاد عن سياسة مراكز القوى".

المساهمون