تتابع الصحف الإسرائيلية باهتمام كبير تطورات الأوضاع الميدانية في العراق، وتراجع القوات النظامية وفرارها من وجه المسلحين، في محاولة لاستقراء المرحلة المقبلة عراقياً وإقليمياً، وتداعيات ذلك على التحالفات القائمة، واستشراف آفاق تحالفات مقبلة في المنطقة، وصولاً إلى تأثير ذلك وتداعياته على الترتيبات الأمنية في غور الأردن لجهة إبقائها تحت السيطرة الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، برز تحليل نشره صباح اليوم الجمعة، المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، الذي اعتبر أن "سقوط الموصل تحت ضربات تنظيم داعش من شأنه أن يؤسس، في ظل تعاظم الخوف من نشوء نظام سني متشدد بين العراق وسورية، لتحالف جديد مبني على تقاطع مصالح أميركية إيرانية تركية، لوقف زحف تنظيمات القاعدة والتنظيمات الجهادية الأخرى باتجاه تركيا شمالاً والأردن جنوباً، وحتى تحولها في الجولان لاحقاً، من محاربة النظام السوري والرئيس بشار الأسد، إلى محاربة إسرائيل في الجبهة الشمالية"، في ما يبدو تحقيقاً لسيناريوهات الرعب الإسرائيلية، التي كان قد تحدث عنها قبل نصف عام تقريباً، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الجنرال يائير كوخافي، في مؤتمر "المعهد القومي للأبحاث القومية".
ورأى هرئيل أن "التطورات المتسارعة في الموصل والعراق عموماً، ستدفع بكل اللاعبين الرئيسيين في العراق وفي سورية، إلى إعادة حساباتهم الإقليمية والمحلية، فإيران التي لا تريد نظاماً سنياً متشدداً غربياً، وتركيا التي كانت تغازل التنظيمات الجهادية في حربها ضد الأسد، قد تجد نفسها مدفوعة خوفاً من تداعيات محتملة لنشوء دولة كردية وقوات كردية، إلى إعادة النظر في موقفها وسياساتها، خصوصاً في حال تبدّل الموقف العام بين إيران والولايات المتحدة، لجهة التأسيس لتنسيق أميركي - إيراني لضبط أوضاع العراق، دون أن تضطر الولايات المتحدة إلى مجرد إعادة التفكير في العودة إلى العراق بقوات أميركية".
ولفت هرئيل في هذا السياق، إلى أن "الشأن العراقي يرتبط بطبيعة الحال بكون العراق أكبر الدول المصدرة للنفط، وهذا يجعل العالم أكثر اهتماماً بما يحدث فيها، من اهتمامه بالمذابح المستمرة في سورية، لكن التهديد لمصادر الطاقة، الذي قد ينسحب أيضاً على دول أخرى في المنطقة، قد يقود في تقاطع المصالح الأميركية - الإيرانية، إلى تغيير في الموقف الأميركي من الملف النووي الإيراني، في ظل طلب رئيس الحكومة العراقية، نوري المالكي، مساعدة عسكرية من الولايات المتحدة لمواجهة داعش".
ولم يفوّت هرئيل بطبيعة الحال، إقحام "الورقة الإسرائيلية" في الشأن العراقي، باعتبار انهيار دولة العراق لمصلحة الفوضى العارمة، قد يؤسس بدوره إلى موجة نزوح أكبر إلى الأردن، بما في ذلك نزوح بعض الشيعة، سواء بفعل الحرب أو بتخطيط مسبق، ما قد يهز أركان المملكة الأردنية.
ورأى ضرورة "وجوب تعزيز الاستقرار في الأردن، ولكن أيضاً النظر إلى الأردن، كالخط الأول في وقف الزحف باتجاه إسرائيل، من خلال ضمان ترتيبات أمنية جديدة تكفل بقاء الأغوار الفلسطينية تحت السيطرة الإسرائيلية، حتى لا تنهار الترتيبات الدولية أو الأميركية المطروحة، تماماً كما انهارت هذه الترتيبات في قطاع غزة، مع فرار قوات السلطة في مواجهة قوات حركة "حماس".
واتفق المحلل العسكري في موقع "يديعوت أحرونوت" على شبكة الانترنت، رون بن يشاي، مع الخطوط العامة التي تحدث عنها هرئيل، لكنه أضاف أن "سقوط الموصل يؤسس بدوره لقوة جهادية عالمية تصل خيوطها حتى سيناء جنوباً، وهي تهدد أنظمة عربية بأكملها قريبة من العراق (في إشارة للأردن)، بل وحتى سورية ولبنان الذي تقوم حكومته الحالية على دعم من حزب الله".
ورأى "أن سقوط الموصل تحت أيدي داعش، مع توتر الأحداث في سورية، يؤسس بدوره لسقوط النظام العربي القديم، من حيث تراجع وسقوط الدول التي نشأت بعد اتفاقية سايكس بيكو، وبَنَت هويتها القومية والوطنية منذ قرن، لجهة تحولات غير متوقعة، ولا يمكن لأحد أن يشير إلى وجهتها النهائية".
وتبنّى بن يشاي، على غرار هرئيل، منطق التحليل نفسه المذكور للاستخبارات العسكرية، إذ قال "إن استهداف دول وأنظمة سايكس بيكو من قِبل تنظيمات القاعدة والجهاد العالمي، هو مرحلي، لأن المرحلة المقبلة قد تكون في توجيه هذه التنظيمات والمنظمات، بصرها نحو إسرائيل لشن الحرب عليها لاحقاً". وأشار في هذا السياق، إلى أن "القوات المصرية تنجح حالياً في كبح ومحاربة القاعدة، والتنظيمات السلفية الجهادية المنتشرة في سيناء"، لكنه جزم أن "هذا النجاح مرحلي ومؤقت ولا يمكن تكهن ما يحدث لاحقاً".