وتمحورت كتابات المحللين الإسرائيليين، أمس الأحد، على "الفشل الأمني الفرنسي في معالجة ومواجهة ظاهرة الاسلام الأصولية، سواء بفعل القوانين الفرنسية، التي تُقيّد تحركات أجهزة الأمن والاستخبارات الفرنسية والأوروبية، أم بفعل العقلية الأوروبية، التي تمنح مساحة أكبر لحق التعبير عن الرأي، وتتسامح مع التنظيمات والظواهر"، حسب ما كتب محلل الشؤون الاستخبارية رونين بيرغمان في صحيفة "يديعوت أحرونوت".
واعتبر بيرغمان أن "المثقفين والنخب السياسية في فرنسا وأوروبا الغربية، غضّوا الطرف بعد تفجيرات مدريد (11 مارس/ آذار 2004) حتى، وأنكروا حقيقة ودلالات النشاط الأصولي المتطرف في العواصم الغربية واستهانوا بخطره ودوافعه".
وسلك محلل الشؤون العسكرية في "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، هو الآخر هذا الطريق، مع تطوير الفكرة، إلى حدّ الإشارة والتلميح إلى أن "فرنسا جنت على نفسها بنفسها، بفعل سياساتها تجاه الأقليات وتساهلها المطلق مع ظاهرة التديُّن والتطرف الديني الإسلامي في أرجائها".
واعتبر فيشمان أن "فرنسا، التي فتحت ذراعيها أمام الارهاب، أظهرت ضعفها، شأنها شأن باقي الدول الأوروبية، وإن كانت باريس تتحمّل قسطاً أكبر من المسؤولية والفشل. ففرنسا ومعها شقيقاتها الأوروبيات، لسن مستعدات على الإطلاق، على ضوء الفشل الاستخباراتي الفظيع الذي تعكسه مذبحة شارلي إيبدو، لمواجهة الإرهاب المتطرف، لا مهنياً ولا حتى قانونياً". وتابع: "إن تمكّن أربعة إرهابيين من شلّ أجزاء كبيرة من العاصمة الفرنسية لمدة ثلاثة أيام، فإن تكرار مثل هذه العملية مرات عدة، كافية كي تركع فرنسا وتفلس الدولة كلياً".
ولا يخفي فيشمان، كغيره من الكتّاب الإسرائيليين، مشاعر الشماتة من خلال التعريض بعنصرية فرنسا ومؤسساتها. فيتهم فرنسا بأنها "غضّت الطرف عن الارهاب طالما كان يستهدف اليهود، وطالما كان القتيل يهودياً، فإن الأمر لم يُثر عند الفرنسيين أي اهتمام أو قلق حقيقي من تداعيات هذا التطرف".
ويمضي فيشان في اتهامه لفرنسا ومؤسساتها بـ"العنصرية"، وأنها "تذوق طعم الارهاب لسكوتها عليه عندما كان الضحية يهودياً". ويقول: "اتضح الآن، أن أيّاً من إشارات التحذير بعد الهجمات، لم تُفعّل، لأن الأمن الفرنسي لم يجتهد أصلاً لمواجهة هذا الارهاب بشكل مهني".
وعلى غرار ما ذهب إليه فيشمان، أبرز سيفر بلوتسكر، هو الآخر في "يديعوت أحرونوت"، مسألة "تجاهل النخب السياسية والأمنية الفرنسية والأوروبية الأخرى، لنشاط الجماعات الاسلامية المتطرفة في فرنسا وباقي العواصم الأوروبية، لأنها فضّلت عدم إثارة الجدل والقلاقل، وآثرت طي الموضوع ودفعه جانباً، بعيداً عن الأجندة العامة". ورأى أن "قارة بأكملها فضّلت أن تحيا وسط حالة إنكار لما يحدث حولها".
في المقابل، كان سيفي هندلر أشدّ صراحة في صحيفة "هآرتس"، عندما اعتبر أن "فرنسا التي بكت أبناءها الذين سقطوا في شارلي إيبدو، لكونهم مثلوا بتنوّعهم العرقي والديني نسيجها الاجتماعي المدني، الذي يُجسّد فكرة الجمهورية الفرنسية، ظلّت في البيت ولم يخرج أفرادها للبكاء والتظاهر عند سقوط ضحايا المتجر اليهودي الأربعة".
وأضاف: "قلّة فقط خرجوا إلى الشوارع للإعراب عن حزنهم على الضحايا اليهود، ومن تظاهروا بجموعهم الغفيرة فعلوا ذلك، احتجاجاً على المسّ بحرية التعبير، وليس على الضحايا اليهود. وظلّت الهوية اليهودية للقتلى متروكة جانباً من دون أن يتم التركيز عليها والإشارة إليها".
وعلى الرغم من ذلك، ولتخفيف وطأة اتهاماته، يذهب هندلر إلى القول إن "فرنسا تقوم اليوم على مثلث ديني واضح، إذا لم يتم اعتماده خلافاً للرغبة الفرنسية بالخوض في الدلالات الدينية والانتماءات الدينية، فإن مصير الجمهورية الفرنسية لا يبشّر بالخير".
وأشار إلى أن "هناك حاجة للتوصل إلى صيغة لتعايش أقطاب المثلث الديني في فرنسا: المسيحيون واليهود والمسلمون، وإلا فإن اليهود سيهاجرون إما إلى الولايات المتحدة أو إسرائيل، وسيغرق مزيد من المسلمين في أزقة الفقر والتطرف الديني، بينما سيتجه الفرنسيون أنفسهم إلى اليمين الفاشي وجبهة ماري لوبان".