تباينت قراءة الصحف الإسرائيلية لقرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بسحب غالبية القوات الروسية من الأراضي السورية مع الاحتفاظ بالقاعدة الجوية في حميميم، والقاعدة البحرية في طرطوس.
البعض اعتبر القرار دليلاً على إبرام صفقة بين روسيا والولايات المتحدة والعربية السعودية (أليكس فيشمان في يديعوت أحرونوت)، في حين اعتبر آخرون القرار دليلاً على اقتناع بوتين بأن سورية ما قبل 2011 لن تعود إلى ما كانت عليه، وأن الحل الوحيد في الأفق القريب هو التقسيم وفق منظومة ولايات فدرالية، وهو تحرك يخدم في نهاية المطاف، مصالح متناقضة لإيران وإسرائيل، (وفق ما ذهب إليه يوسي ميلمان في معاريف).
في المقابل، اعتبر تسفي برئيل في "هآرتس" أن القرار يعكس أيضاً قناعة لدى بوتين، بأنه لن يكون بمقدور الضربات الجوية أن تحقق في سورية أكثر مما حققته لغاية الآن، دون أن تضطر روسيا إلى الاستعانة بقوات برية.
كما أن بوتين بات "يدرك أيضاً أن التأثير السياسي الروسي في سورية، سيظل مضموناً حتى على ضوء المحادثات الجارية في جنيف، وأنه حان الوقت لتنفيذ خطة تقسيم سورية إلى أقاليم عدة تحت اتحاد فدرالي، مما يفرض عليه الظهور بمظهر الصديق لكافة الأطراف".
ويمكن القول عملياً إن الصحافة الإسرائيلية، التي جاهدت في عدم إبراز موقف إسرائيلي أو أخذ ردود من المستويات السياسية بشأن الإعلان الروسي، تناور بالأساس في دائرة التقسيم أو فكرة الدولة الفدرالية، باعتبار ذلك يخدم المصلحة الإسرائيلية العليا في عدم وجود دولة سورية قوية، ويخدم أيضاً العقيدة الإسرائيلية التي تتطلع إلى تفتيت الدول القومية في المشرق العربي، وتشجيع قيام كيانات طائفية أو عرقية.
ويتماشى ذلك مثلاً مع دعوات مختلفة، كانت أبرزها دعوة وزيرة العدل الإسرائيلية، أيليت شاكيد لدعم قيام دولة كردية مستقلة، وقراءات إسرائيلية تحدثت في الأشهر الأخيرة عن خيارات "سورية الصغيرة" .
وبالعودة إلى الإعلان الروسي، فقد كان لافتاً في تحليل أليكس فيشمان في "يديعوت أحرونوت" تلميحه إلى احتمال وجود صفقة متعددة الأطراف، تقف وراء إعلان بوتين بسحب غالبية القوات الروسية من سورية.
وإن كان فيشمان لا يسقط من تحليله اعتبارات رغبة بوتين بالانسحاب في فترة الذروة بعد تحقيق أهداف روسيا، أو على الأقل في لحظة وجود عملية سلمية، تفادياً لتورط روسي في سورية على غرار تورطها في أفغانستان. إلا أنه يعتبر أن الإعلان عن تحقيق كافة الأهداف التي وضعت مسبقاً، واعتزام روسيا الانسحاب في الوقت الذي يكاد فيه الأسد كسب المعركة على مدينة حلب، أمر غير مقنع خاصة على ضوء تصريحات وزير الخارجية الروسي، لافروف، قبل أيام معدودة بشأن اقتراح الأميركيين صفقة على الجانب الروسي بتقاسم مناطق القتال في سورية لترشيد الهجمات ضد داعش.
ويضيف أن روسيا كانت عارضت وقف إطلاق النار، وبالتالي فإن التبدل في موقف بوتين تفوح منه رائحة صفقة سياسية قد تكون مع السعوديين وربما مع الأميركيين، "و لا يفعلون شيئاً دون مقابل"، وقد نكون أمام مناورة إعلامية، وبالتالي يجب الانتظار قبل إصدار الحكم".
ويلمح فيشمان إلى أنه في الوقت الذي لا تواجه فيه حكومة بوتين ضغوطات داخلية للانسحاب من سورية، فإن عجلة الاقتصاد الروسي هي التي تعاني من مشاكل عويصة، أهمها أنها تأكل فائض الميزانية الروسية، وأن التغيير الوحيد الممكن لتحريك الاقتصاد الروسي وإخراجه من أزمته يكون بتغيير أسعار النفط ورفع العقوبات الأميركية على روسيا، بفعل الملف الأوكراني.
ويرى فيشمان أنه سيكون على الروس لضمان رفع أسعار النفط، أن يقدموا للسعودية تنازلات على هيئة تسليم رأس النظام، فيما يمكن إنهاء أمر العقوبات من خلال صفقة مع الطرف الأميركي، مقابل خفض حجم التدخل الروسي في سورية.
أما فيما يتعلق بإسرائيل، فلا ينفي فيشمان أن الوجود الروسي في سورية كان بالنسبة لإسرائيل عاملاً كابحاً للنشاط الإيراني، كما أن الحوار الإسرائيلي الروسي فتح خيارات سياسية جديدة، وبالتالي "فإن مغادرة الروس، لا تحمل لنا بشرى كبيرة لأن الإيرانيين سيعودون".
وفي السياق الإسرائيلي نفسه، يعتبر يوسي ملمان (في معاريف) أن "القرار الروسي يحمل البشارة ولكنه أيضاً يحمل الأخطار، فمن جهة سيعيد ذلك لإسرائيل حرية النشاط الجوي شبه المطلق، الذي كانت إسرائيل تتمتع به في سورية، دون حاجة للتنسيق مع موسكو، في المقابل فإن إسرائيل قد تواجه الآن هيمنة إيرانية جديدة في سورية".
اقرأ أيضاً:موسكو تبدأ سحب معداتها العسكرية من سورية