لا يمكن سوى الاعتراف بأن بعض الصحافة الغربية، وأمام هول الكارثة البشرية والحدث مفزع لتكوم عشرات الجثث في شاحنة "مشتقات لحوم الدواجن"، لم يكن أمامها إلا التعاطي مع المأساة بطرق متنوعة، لم تخل بعضها من عنصرية.
لكن، وبالرغم من أن بعض الصحف تعاملت بإنسانيّة مع الموضوع، كـ "ذا غارديان" البريطانيّة، التي عنونت صفحتها الأولى يوم السبت 29 أغسطس/آب بمعاناة هؤلاء اللاجئين لنستكمل قراءة الموضوع في الصفحة 8 من العدد، إلا أن غيرها أيضًا تعاطى مع الخبر بمستوى أقل بكثير من الاهتمام الذي أُعطي لوصف فظاعة مقتل صحافيي "شارلي إيبدو".
بعض الصحف الغربية، وخصوصاً ذات التوجه الشعبوي واليميني القومي، كما في حالة دنماركية، لم تلتفت كثيراً لأنسنة القصة الصحافية بقدر ما حاولت كما تفعل "اكسترا بلاديت" و"بي تي" البحث عن "كيفية وقف تدفق اللاجئين". الأفظع في غياب الأنسنة أن تفتح صفحات صحف رسمية لتعليقات: "لماذا يجب اعتقال هؤلاء (المهربين) ومحاكمتهم؟ لم يحدث شيء كل ما في الأمر أنهم لم يصلوا كلاجئين أحياء". إلى هذا المستوى، وبل إلى ما هو أفظع منه تذهب "حرية الرأي والتعبير" ذات الاتجاه الواحد/ شمالاً نحو الجنوب، وعكسه تحريض ويستدعي تدخل القضاء تحت بنود عدة.
ليس المثير في تعاطي الصحافة الغربية فقط برودتها التي يمكن أن تشتعل نارًا لو تعلق الأمر بمواطنيها، إذا استثنينا النمساوية التي كانت صادقة في التعبير عن صدمتها وغضبها، بل إنها في الأغلب ذهبت من أوسلو شمالا مرورًا بكوبنهاغن واستوكهولم وبعض صحف ألمانيا، إلى التركيز على صيغ "تبرئة ذاتية" وتبريرية لحكومات وأحزاب تقوم على التشدد ومحاكاة النزعة القومية المتطرفة.
الحدث لا يمكن المرور عليه بدون تغطية، سبق أن غطي حدث مفزع لغرق مئات في المتوسط في أبريل/نيسان الماضي، في حوادث متكررة، كان آخرها قبل يومين أمام السواحل الليبية. وعبرت الصحافة حينه عن صدمتها مع السياسيين، لكن الأمر سار في اليوم التالي كما يسير الآن "هنغاريا تفرض بدءا من اليوم قوانين صارمة على من يخترق السياج، تصل إلى 3
سنوات و6 سنوات سجنا إذا خرب أحدهم السياج"، هكذا عنونت معظم صحف الشمال الأوروبي أخبارها عن اللاجئين صباح أمس الأحد.
الأفظع في كل هذه التغطيات تلميح بعض صحافيي ومعلقي اليمين إلى أن هؤلاء الفارون من بلادهم "يشكلون خطرا على الدول الأوروبية"، فليست فقط حملة المجر الرسمية لتصوير الضحايا بتلك الصورة البشعة هي التي سبقت وبقيت حتى بعد المأساة التي انطلقت بفعل سياساتها. تفسح صحف "الشمال الأوروبي" التي من المفترض أنها أكثر انحيازًا لقيم الإنسانية مجالاً للّمز والغمز عن أن الفارين "ربما يكون بينهم من هو من داعش"، الأمر الذي استغربه خُبراء أمنيّون. فنقلت وكالة "رويترز" عن بعض هؤلاء سؤالهم "لماذا تُرسل داعش مقاتلين إلى أوروبا بينما هناك أوروبيون يلتحقون بالتنظيم في سورية والعراق؟ ولماذا قد ترسل سوريين وعراقيين إلى أوروبا، بينما قد يحتاجهم التنظيم في بلدانهم التي يعرفونها أكثر؟". سؤال لم يخطر على بال بعض المعلّقين في صحف ومواقع نرويجية وسويدية ودنماركية، الذين كرّروا عبارة "أعان الله بلادنا على تدفق هذا النوع...". هُنا، حتى كلمة بشر تسقط مقصودة في مسار التحريض الذي مورس طيلة الوقت من اليمين ويمين الوسط.
اقرأ أيضاً: لوموند: 31 ألف شخص قضوا أثناء محاولتهم الوصول لأوروبا
حتى حين جرى نقل ما كتبه السياسي النمساوي غيرهارد لوب GERHARD W.LOUB على تويتر، وتناقلت الصحف تغريدته عن أن ما جرى "أفظع جريمة قتل جماعي في الجمهورية الثانية"، راح معلقون غربيون يلقون بكلمات لا تنم عن أخلاق إنسانية، كقول ايشيل
أندرسون النرويجية إنّ "هذا إثبات بأنه علينا مساعدة الجثث بطريقة فعالة تحفظ البيئة".
التلفزيون الدنماركي "دي آر"، المتهم بأنه يساري من قبل أقطاب اليمين، غرد خارج السرب منذ مساء الخميس الماضي في تغطية شاملة عبر ملف كامل عن "اللاجئين" ومآسي الفرار من أوضاع مزرية في الحروب.
من يسمون "خبراء" في قضايا "الهجرة واللجوء" الذين تستضيفهم المحطات التلفزيونية والصحف يركز معظمهم على "كيفية تعاون أوروبا لوقف تدفقهم"، وقلة من هؤلاء يتحدث عن "نزع أسباب فرار البشر من سورية".
رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدنماركي موينز لوكاتوفت، نقلت التلفزة والصحافة عنه قوله حرفيًا صباح الأحد: "إما أن تساهموا بالمليارات لمساعدة اللاجئين أو تفتحوا الحدود أمام كل اللاجئين الفارين من الحرب". أي إنّ معظم الصحافة الغربية تريد من حكوماتها "سياسة فعالة لوقف تهريب البشر"، وكأن القصة مرتبطة فقط بأعراض وليس أسباب. وفي موسم الانتخابات، وتصاعد اليمين، تنشغل بعض تلك الصحافة أكثر بـ "كم ستستقبل هذه البلدية وتلك" من اللاجئين (في الصحافة النرويجية) التي تعمل من جهة أخرى لتغطية سياسات الحكومة بالقول "لقد اتفقت الأحزاب على سقف 8 آلاف لاجئ لهذا العام".
في الشكل يبدو أن الإعلام والصحافة في بعض الدول الغربية تعيش ما يشبه "الصدمة". وفي الجوهر يبقى التعمق في أسلوب تعاطيها مع ما تطلق عليه بنفسها "تراجيديا اللاجئين" مركز على ما يسمى "شبكات مافيا التهريب". وحدها الصحف المصنفة "يسارية" تتعمق في الدعوة إلى معالجة الأسباب، سواء في بلادها الآتية منها تلك الجموع الفارة، أو في طريقة تحويل أوروبا إلى "قلعة" لا تترك أمام هؤلاء الفارين من جحيم القتل والدمار "سوى البحث عن مهربين، تماما كما يقدم النموذج الهنغاري المسكوت عنه أوروبيا"، كما قال أحد صحافيي صحيفة "العامل" الاشتراكية في كوبنهاغن.
الناتج الإعلامي والصحافي في مشهد التغطية الغربية ليس بعيداً عن سلسلة طويلة من التحريض التي يتزعمها سياسيون يمينيون، ينافسون التطرف القومي بأقنعة خطابات سحرية
للشارع المتحول نحو التشدد. "نحن نريد مساعدة هؤلاء اللاجئين... لكن في دول الجوار"، كما نقلت الصحافة عن وزيرة "الأجانب والدمج" في مملكة الدنمارك انغا ستويبرغ. وهي قد حولت بلادها إلى قلعة منغلقة لا يهمها سوى "وقف استقبال هؤلاء الناس" و"إرسال رسالة بأن بلدنا ليس جاذبا لهم ولعوائلهم".
ويقارن بعض الزملاء الغربيين بين تغطية موت أناس في هجوم إرهابي وموت العشرات والمئات والآلاف من الفارين برًا وبحرًا. فيقول أندرياس سفينسون "إذا ما أردت أن أعترف ببشاعة العقل فإن هؤلاء لا قيمة لهم... فهم مسلمون غزاة في العقل الباطني لمعظم ساسة الغرب ومن خلفهم طبقة شعبوية متطرفة". وحين نسأل أندرياس "لماذا لا تكتب ذلك صراحة؟"... جوابه يختصر المسألة: "نكتبه في صحف لها قراء محددون... أما ملاك الصحف الكبرى فهم يعرفون بأن مثل هذا الاعتراف فضيحة تصنع رأيًا عامًا".
اقرأ أيضاً: أوروبا قدر اللاجئين.. رغماً عنهم
لكن، وبالرغم من أن بعض الصحف تعاملت بإنسانيّة مع الموضوع، كـ "ذا غارديان" البريطانيّة، التي عنونت صفحتها الأولى يوم السبت 29 أغسطس/آب بمعاناة هؤلاء اللاجئين لنستكمل قراءة الموضوع في الصفحة 8 من العدد، إلا أن غيرها أيضًا تعاطى مع الخبر بمستوى أقل بكثير من الاهتمام الذي أُعطي لوصف فظاعة مقتل صحافيي "شارلي إيبدو".
بعض الصحف الغربية، وخصوصاً ذات التوجه الشعبوي واليميني القومي، كما في حالة دنماركية، لم تلتفت كثيراً لأنسنة القصة الصحافية بقدر ما حاولت كما تفعل "اكسترا بلاديت" و"بي تي" البحث عن "كيفية وقف تدفق اللاجئين". الأفظع في غياب الأنسنة أن تفتح صفحات صحف رسمية لتعليقات: "لماذا يجب اعتقال هؤلاء (المهربين) ومحاكمتهم؟ لم يحدث شيء كل ما في الأمر أنهم لم يصلوا كلاجئين أحياء". إلى هذا المستوى، وبل إلى ما هو أفظع منه تذهب "حرية الرأي والتعبير" ذات الاتجاه الواحد/ شمالاً نحو الجنوب، وعكسه تحريض ويستدعي تدخل القضاء تحت بنود عدة.
ليس المثير في تعاطي الصحافة الغربية فقط برودتها التي يمكن أن تشتعل نارًا لو تعلق الأمر بمواطنيها، إذا استثنينا النمساوية التي كانت صادقة في التعبير عن صدمتها وغضبها، بل إنها في الأغلب ذهبت من أوسلو شمالا مرورًا بكوبنهاغن واستوكهولم وبعض صحف ألمانيا، إلى التركيز على صيغ "تبرئة ذاتية" وتبريرية لحكومات وأحزاب تقوم على التشدد ومحاكاة النزعة القومية المتطرفة.
الحدث لا يمكن المرور عليه بدون تغطية، سبق أن غطي حدث مفزع لغرق مئات في المتوسط في أبريل/نيسان الماضي، في حوادث متكررة، كان آخرها قبل يومين أمام السواحل الليبية. وعبرت الصحافة حينه عن صدمتها مع السياسيين، لكن الأمر سار في اليوم التالي كما يسير الآن "هنغاريا تفرض بدءا من اليوم قوانين صارمة على من يخترق السياج، تصل إلى 3
الأفظع في كل هذه التغطيات تلميح بعض صحافيي ومعلقي اليمين إلى أن هؤلاء الفارون من بلادهم "يشكلون خطرا على الدول الأوروبية"، فليست فقط حملة المجر الرسمية لتصوير الضحايا بتلك الصورة البشعة هي التي سبقت وبقيت حتى بعد المأساة التي انطلقت بفعل سياساتها. تفسح صحف "الشمال الأوروبي" التي من المفترض أنها أكثر انحيازًا لقيم الإنسانية مجالاً للّمز والغمز عن أن الفارين "ربما يكون بينهم من هو من داعش"، الأمر الذي استغربه خُبراء أمنيّون. فنقلت وكالة "رويترز" عن بعض هؤلاء سؤالهم "لماذا تُرسل داعش مقاتلين إلى أوروبا بينما هناك أوروبيون يلتحقون بالتنظيم في سورية والعراق؟ ولماذا قد ترسل سوريين وعراقيين إلى أوروبا، بينما قد يحتاجهم التنظيم في بلدانهم التي يعرفونها أكثر؟". سؤال لم يخطر على بال بعض المعلّقين في صحف ومواقع نرويجية وسويدية ودنماركية، الذين كرّروا عبارة "أعان الله بلادنا على تدفق هذا النوع...". هُنا، حتى كلمة بشر تسقط مقصودة في مسار التحريض الذي مورس طيلة الوقت من اليمين ويمين الوسط.
اقرأ أيضاً: لوموند: 31 ألف شخص قضوا أثناء محاولتهم الوصول لأوروبا
حتى حين جرى نقل ما كتبه السياسي النمساوي غيرهارد لوب GERHARD W.LOUB على تويتر، وتناقلت الصحف تغريدته عن أن ما جرى "أفظع جريمة قتل جماعي في الجمهورية الثانية"، راح معلقون غربيون يلقون بكلمات لا تنم عن أخلاق إنسانية، كقول ايشيل
التلفزيون الدنماركي "دي آر"، المتهم بأنه يساري من قبل أقطاب اليمين، غرد خارج السرب منذ مساء الخميس الماضي في تغطية شاملة عبر ملف كامل عن "اللاجئين" ومآسي الفرار من أوضاع مزرية في الحروب.
من يسمون "خبراء" في قضايا "الهجرة واللجوء" الذين تستضيفهم المحطات التلفزيونية والصحف يركز معظمهم على "كيفية تعاون أوروبا لوقف تدفقهم"، وقلة من هؤلاء يتحدث عن "نزع أسباب فرار البشر من سورية".
رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدنماركي موينز لوكاتوفت، نقلت التلفزة والصحافة عنه قوله حرفيًا صباح الأحد: "إما أن تساهموا بالمليارات لمساعدة اللاجئين أو تفتحوا الحدود أمام كل اللاجئين الفارين من الحرب". أي إنّ معظم الصحافة الغربية تريد من حكوماتها "سياسة فعالة لوقف تهريب البشر"، وكأن القصة مرتبطة فقط بأعراض وليس أسباب. وفي موسم الانتخابات، وتصاعد اليمين، تنشغل بعض تلك الصحافة أكثر بـ "كم ستستقبل هذه البلدية وتلك" من اللاجئين (في الصحافة النرويجية) التي تعمل من جهة أخرى لتغطية سياسات الحكومة بالقول "لقد اتفقت الأحزاب على سقف 8 آلاف لاجئ لهذا العام".
في الشكل يبدو أن الإعلام والصحافة في بعض الدول الغربية تعيش ما يشبه "الصدمة". وفي الجوهر يبقى التعمق في أسلوب تعاطيها مع ما تطلق عليه بنفسها "تراجيديا اللاجئين" مركز على ما يسمى "شبكات مافيا التهريب". وحدها الصحف المصنفة "يسارية" تتعمق في الدعوة إلى معالجة الأسباب، سواء في بلادها الآتية منها تلك الجموع الفارة، أو في طريقة تحويل أوروبا إلى "قلعة" لا تترك أمام هؤلاء الفارين من جحيم القتل والدمار "سوى البحث عن مهربين، تماما كما يقدم النموذج الهنغاري المسكوت عنه أوروبيا"، كما قال أحد صحافيي صحيفة "العامل" الاشتراكية في كوبنهاغن.
الناتج الإعلامي والصحافي في مشهد التغطية الغربية ليس بعيداً عن سلسلة طويلة من التحريض التي يتزعمها سياسيون يمينيون، ينافسون التطرف القومي بأقنعة خطابات سحرية
ويقارن بعض الزملاء الغربيين بين تغطية موت أناس في هجوم إرهابي وموت العشرات والمئات والآلاف من الفارين برًا وبحرًا. فيقول أندرياس سفينسون "إذا ما أردت أن أعترف ببشاعة العقل فإن هؤلاء لا قيمة لهم... فهم مسلمون غزاة في العقل الباطني لمعظم ساسة الغرب ومن خلفهم طبقة شعبوية متطرفة". وحين نسأل أندرياس "لماذا لا تكتب ذلك صراحة؟"... جوابه يختصر المسألة: "نكتبه في صحف لها قراء محددون... أما ملاك الصحف الكبرى فهم يعرفون بأن مثل هذا الاعتراف فضيحة تصنع رأيًا عامًا".
اقرأ أيضاً: أوروبا قدر اللاجئين.. رغماً عنهم