الشرخ الطبقي يتعمّق في إيران

24 ابريل 2016
جنوب طهران الأكثر فقراً (فرانس برس)
+ الخط -
من يزور العاصمة الإيرانية طهران لا يلحظ اتساع مساحتها فحسب، بل زحف المدينة أكثر فأكثر نحو الأطراف. ومع هذا التمدد يزيد عدد سكان العاصمة بالرغم من كلّ الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.

بحسب آخر دراسة صادرة عن مركز الإحصاء الرسمي، يقترب عدد القاطنين في طهران من 13 مليوناً، تتفاوت أوضاعهم الاجتماعية. قساوة الحياة في هذه المدينة تدفع ثمنها فئة أكثر من أخرى، ما يجعل زيادة عدد الفقراء أمراً اعتيادياً كلما ارتفع عدد السكان.

على الخط الواصل بين شمال غرب العاصمة وشمال شرقها يسكن نحو مليوني شخص. هي من أكثر المناطق غلاء في البلاد. هناك تتوزع أرقى البيوت، وأكثر المحال والمراكز التجارية رفاهية ونشاطاً، بالرغم من أنّ أسعار العقارات وحتى السلع فيها لا يمكن أن تتراجع على الإطلاق.

هناك تختلف الأسعار بين زقاق وآخر، وبين مبنى ومبنى يجاوره. "كلّ هذا تحكمه الإمكانات والخدمات" بحسب السيد رمضاني وهو صاحب مكتب عقاري في منطقة آلهية، شمال العاصمة، وهي من أفخم مناطقها. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ من يسكن هنا هم أصحاب رؤوس الأموال، والفنانون، والأطباء، ورجال الأعمال والتجار. يتابع: "استئجار شقة مفروشة في المنطقة بمساحة 90 متراً مربعاً يكلف 2000 دولار أميركي على الأقل". هو مبلغ كبير بالنسبة لمواطن إيراني يبلغ متوسط دخله الشهري مليوني تومان (نحو 600 دولار).

في جنوب العاصمة يختلف الوضع. يقول عباسي، وهو سائق سيارة أجرة أربعيني، إنّه موظف حكومي لديه تأمين صحي، لكنّه يعمل على السيارة خلال فترة بعد الظهر. عباسي يعتبر نفسه من الطبقة الوسطى. يقول إنّ غلاء أسعار السلع الرئيسية المستمر منذ سنوات، هو ما جعل الأمور أصعب، بالرغم من زيادة الرواتب الشهرية في وقت سابق. يخشى من سنوات التقاعد، ويتوقع أن تصبح الأمور أكثر تعقيداً، في وقت يرى فيه الكثير من المحتاجين من حوله في تلك المناطق الجنوبية.

رسمياً، يدرك المسؤولون وجود هذا الفارق الطبقي، كما يدركون أنّ الطبقة الوسطى تتجه مع الوقت نحو فقر أكبر، إذا لم تحلّ مشكلات الاقتصاد الرئيسة. وقد أعلنت وزارة العمل نهاية عام 2014 عن نحو ستة ملايين إيراني لديهم ثروات طائلة، حتى إنها تضاهي ثروات أغنياء في أميركا بحسب التقرير المنشور. في المقابل هناك سبعة ملايين شخص يعيشون في فقر مدقع ويتوزعون في كل أنحاء البلاد.


هذا الواقع قد يمنع الخطط التي يحاول المسؤولون تطبيقها. منها ما طبق في سنوات سابقة، كرفع الدعم الحكومي عن بعض السلع الاستراتيجية، وتوزيع مساعدات على كلّ المواطنين في المقابل. كذلك، هناك خطط أخرى تهدف إلى وقف تنظيم النسل وزيادة عدد السكان، لرفع إنتاجية البلاد وتحسين وضعها الاقتصادي والاجتماعي. لكنّ عدم التوازن بين أصحاب الثروات وبين من يعيشون في فقر مدقع، قد يحوّل زيادة عدد السكان إلى مشكلة أكبر، كونها ستزيد نسبة الفقراء.

في إيران نحو 78 مليون نسمة، 56 مليوناً منهم يسكنون في المدن. حصة محافظة طهران من نسب الفقر هي الكبرى، ففيها 30 في المائة من فقراء البلاد المسجلين في مراكز الإحصاء الرسمية. ومن بعدها تأتي محافظة سيستان وبلوشستان الواقعة في جنوب شرق البلاد. لكنّ خط الفقر يختلف من مكان إلى آخر، بسبب اختلاف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وما يزيد الأمور سوءاً عدم التوازن في توزيع الطبقات، وفي توزيع الرواتب والحقوق المالية. فالراتب الشهري لمن يسكن في العاصمة طهران حتى وإن كان منخفضاً بالنسبة للبعض أو غير كاف، إلا أنه يبلغ سبعة أضعاف راتب من يسكن في محافظة سيستان وبلوشستان مثلاً. مع هذا، فإنّ نسب الفقر أعلى في العاصمة، بسبب صعوبة الحياة فيها كما يقول الخبراء الذين يتوقعون زيادة الشرخ الطبقي طالما بقي الوضع على حاله.

يقول المتخصص في القضايا الاقتصادية والاجتماعية الإيرانية الدكتور فرزاد هاشمي لـ"العربي الجديد" إنّ زيادة نسب الفقر بمرور السنوات سببها عدم التوزيع العادل للرواتب والحقوق. يضيف أنّ البلاد، خصوصاً طهران، شهدت تحسناً خلال فترة بدء تطبيق خطة رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع الاستراتيجية قبل ست سنوات، فقد وزعت الحكومة رواتب إضافية لكلّ المواطنين للتعويض عن رفع الدعم. لكنّ الخطة تسببت بزيادة التضخم وبارتفاع أسعار المواد الأساسية والمحروقات، ما جعل الأمور تسوء، فالمعيشة في غلاء مستمر، وعدد السكان في ارتفاع، وهو ما يزيد الفرق بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة، ويبدّد الطبقة الوسطى.

يشير هاشمي إلى أنّ 20 في المائة من أبناء طهران هم من الأغنياء، وزيادة المسافة بين هؤلاء وبين الطبقة الفقيرة تعني إنهاء الطبقة الوسطى وازدياد المشاكل. يضيف أنّ النزوح من الريف إلى طهران ازداد في العقد الماضي، لكنّ كثيرين يتركون المدن إلى الضواحي منذ فترة، تبعاً لتدني تكاليف الحياة كلما ابتعدوا عن المركز.

يعتبر هاشمي أنّ الحلّ يكمن في التركيز على وضع سياسات وخطط حقيقية لحلّ المشاكل، وهو ما يبدأ بزيادة إنتاجية البلاد، ما يعني فرص عمل أكبر، فالفقراء بحاجة إلى العمل، برأيه، والمساعدات مجرد حلول موقتة لن تنتشل المجتمع من مشكلة ارتفاع نسب الفقر وزيادة الفروقات الطبقية.