مع اقتراب موعد الانتخابات التونسية خريف هذا العام، بدأت الاحزاب التونسية تجمع قواها استعداداً للحدث، وملفاتها لضرب الخصوم. وعادت نفس الأسطوانة القديمة الداعية لتوحيد الصفوف مما يسمى بالعائلة الديمقراطية، وهي دعوات فشلت في الاستحقاقات السابقة كلها، حيث تشبثت كل الأحزاب والحركات، على اختلاف أحجامها، بحظوظها منفردة ورفضت دعوات الانصهار في تحالفات أكبر، بسبب سطوة الأنا لدى زعامات هذه الأحزاب، التي تتوهم أن الشعب سيسير خلفها وينصت لخطاباتها.
والغريب أن كل حزب يدعو لتجميع هذه القوى، على أن يكون هذا التجمع خلفه وبقيادته، وهو ما أفشل كل المحاولات وزاد من حجم الشتات الديمقراطي في تونس. عصام الشابي، أمين عام الحزب الجمهوري، الذي خرجت منه قيادات كثيرة أسست أحزاباً أخرى، من بينها رئيس الحكومة يوسف الشاهد وأهم الشخصيات المساندة له، نبّه إلى إمكانية سقوط الأحزاب الديمقراطية في فخ الاستقطاب الثنائي مجدداً. وأكد، في اجتماع لحزبه، على ضرورة أن تقبل الأحزاب الديمقراطية بأن تطرح القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على الطاولة، وأن يكون التنافس على البدائل الحقيقية بعيداً عما يجري من استقطاب ثنائي وأيديولوجي. وقال إن حزبه سعى منذ أكثر من عام إلى الاتصال بكل الديمقراطيين في تونس من أجل الوصول إلى تكوين كتلة انتخابية تقدمية، تكون قادرة على تقديم عرض جدي يتيح فتح الأمل. وأشار إلى أنه سيسعى إلى توحيد الجهود مع الشخصيات والأحزاب التقدمية من أجل الاتفاق على مرشح وحيد لتجنب الانقسامات التي شهدتها الانتخابات الرئاسية في العام 2014.
وبرغم الشرعية التاريخية والنضالية لهذا الحزب، فإن الإجابة جاءت من مناضلين سابقين فيه، انضموا إلى حزب الشاهد الجديد، إذ يؤكدون في كل اجتماعاتهم أن "الحزب الجديد سيولد أقوى من نداء تونس، ويسعى لأن يكون الأغلبية في البرلمان المقبل، وهذا ما سيمكنه من القيام بإصلاحات عميقة، خصوصاً إصلاح المؤسسات والإدارة"، ما يعني أن الاستقطاب الذي كان بين "النهضة" و"النداء" قد يعود تحت مسمى جديد، وستكون الخارطة كما كانت في 2014، بينما أظهرت آخر استطلاعات الرأي أن "النهضة" حافظت على جسمها الانتخابي، ما سيمكنها من إدارة نفس اللعبة بنفس الأدوات، إلا إذا تغيرت الأمور بسرعة وانقلبت حسابات الحالمين والواهمين.