ما معنى التغيير إن لم يوفر مفاتيح للأبواب المغلقة، وفوانيس لإضاءة عتمة دروب التنمية المستدامة، وتحسين البيئة؟ الشباب السودانيون الذين وُصِموا بقصر النظر، والركون إلى الكسل استسهالاً للحياة، والتعاطي السلبي مع مكونات بيئتهم، أنجزوا ثورة وعي هدفها التغيير الذي يعني "الوصول إلى الهدف... وأثبتوا أن الغرس الطيب ينبت نباتاً طيباً"، كما يؤكد الخبير التنموي أحمد أبو سن، وهو يتحدّث عن "الطقس الثوري الذي تظل من دونه كل قضايا وهموم الإنسان وبيئته معطلة".
وما فعلته الثورة من زخم على كافة المستويات أسفر عما كان مخفياً على كثيرين من توجه شبابي نحو الإنتاج الزراعي بحسب المعارف العلمية، إذ أصبحنا نسمع عن الإنتاج العضوي كثيراً، وانفتحت منصات التواصل الاجتماعي على مبادرات ونجاحات شبان وشابات ظلوا يعملون في صمت ومكابدة إبان العهد الذي لم يكن يحتفي بهم وبأفكارهم، بقدر احتفائه بالمستثمر الأجنبي الذي حل ليستهلك مخزون المياه الجوفية في زراعة الأعلاف من دون أن تسجل هذه الاستثمارات فوائد على مستوى التشغيل، أو تحسين المحصول أو سواه.
وقفت على تجربة المزارع المتكاملة تحت إشراف مجموعة من الشباب خريجي الموارد الطبيعية، والدراسات الزراعية، وغيرها من المجالات ذات الصلة، والذين دخلوا مجال استزراع الأسماك، إلى جانب زراعة الخضار والفاكهة. ويتم ري المزروعات بالمياه المشبعة بفضلات الأسماك، ما يشكل استفادة قصوى من فرصة تدوير المياه، وتوظيف علمي للنظم الزراعية منخفضة الدخل التي تستخدم هذا المفهوم. ويحدث تكامل الإنتاج الحيواني مع إنتاج المحاصيل من خلال إعادة تدوير العناصر الغذائية بالاستخدام المباشر للمخلفات كأعلاف للإنتاج الحيواني، واستخدام مخلفات الإنتاج الحيواني لتسميد المحاصيل الزراعية، أو للتغذية في أحواض تربية الأسماك.
يقوم نظام الإنتاج المتكامل على ثلاثة مبادئ أساسية، أولها استخدم كل المواد الحيوية والعضوية والمخلفات بدلاً من التخلص منها. ويكمن المبدأ الثاني في الحصول على منتجين على الأقل من نوع واحد من المخلفات أو الفواقد (ما لا يمكن تصريفه وبيعه من الإنتاج لعيب فيه)، وإغلاق دائرة تدفق المواد والعناصر الغذائية لتحقيق الاستخدام التام لأية موارد بلا فاقد كمبدأ ثالث.
تعددت التخصصات بين منتجين للأسماك الصغيرة، وأصحاب أحواض سمكية، وإنتاج الأعلاف، ودخول مجال التسويق، بيد أن المستفيد الأكبر – دائماً – هم التجار الذين يدخلون المزارع بشباكهم، وموازينهم، وسياراتهم ذات المقطورات المبردة، يحملون الإنتاج إلى الأسواق المحلية، ويصدرون منه ما يحتاجه السوق الخارجي.
تساءلت لماذا لا تقوم الدولة بتمويل هؤلاء الشباب في إطار ثورة زيادة رفع الإنتاج والإنتاجية، وتمكينهم من وسائل التسويق، وتأمين القوانين واللوائح التي تحمي نشاطاتهم من تغوّل مافيا السوق، واحتكارها لوسائل التصنيع والإنتاج، على أن يتم ذلك من خلال التعاونيات التي بدأت تنشأ في ظل الحاجة لوجودها، ولإرساء قيم المشاركة في الإنتاج تيسيراً للعمليات، ولما لها من دور في تحسين الأمن الغذائي؟
(متخصص في شؤون البيئة)