أظهرت دراسة أجرتها المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو تراجعاً كبيراً في عدد حالات الزواج في روسيا في السنوات الماضية، ليبلغ 968 ألفاً عام 2016 بتراجع نسبته 26.4 في المائة مقارنة بعام 2011 أو 15 في المائة مقارنة بعام 2015، وسط تساؤلات حول دوافع الشبان والشابات من الجيل الجديد للعزوف عن الارتباط، واختيار حياة العزوبية.
يربط رئيس مجلس المراقبة بمعهد الديموغرافيا والهجرة والتنمية الإقليمية في موسكو، يوري كروبنوف، انخفاض عدد حالات الزواج بمجموعة من العوامل الثقافية والاقتصادية، محذراً من أنّ استمرار هذا التوجه سيؤدي إلى تراجع عدد سكان روسيا بنسبة 50 في المائة بحلول نهاية القرن. يقول كروبنوف لـ"العربي الجديد": "التوجه نحو تكوين أسرة لدى الشباب أضعف منه كثيراً مقارنة بالأجيال السابقة، فهم لا يريدون الزواج والإنجاب، مفضلين التركيز على مسيرتهم المهنية". يضيف: "ينظر الشباب إلى الزواج على أنّه مرحلة متأخرة من الحياة، وحتى الفتيات أصبحن أكثر اندماجاً في العمل، ويفضلن الارتباط من دون الزواج والإنجاب".
يحذّر كروبنوف من أنّه "إذا لم يصبح في نصف العائلات بحلول عام 2040 ثلاثة أطفال فأكثر، فإنّ عدد سكان روسيا البالغ 146 مليون نسمة حالياً، سيتراجع إلى نصف هذا الرقم بحلول نهاية القرن". وحول الخطوات التي يجدر اتباعها لتحفيز الشباب على الزواج والإنجاب، يضيف: "لا بدّ من تمجيد العائلات متعددة الأطفال واتخاذ خطوات جادة لدعمها مادياً والمساعدة في الحصول على سكن مناسب وغير ذلك".
يعيد شباب روس من الجنسين تحدثت إليهم "العربي الجديد" تأنيهم في تكوين الأسرة إلى حرية إقامة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج من دون التزامات، وتطلعاتهم لاستكمال مشاريعهم الأكاديمية والمهنية، وتحقيق استقلال مادي كامل عن أهاليهم، وتملّك سكن خاص بهم، والسفر حول العالم وغير ذلك.
وسط تخوفها من تراجع أعداد المواليد وارتفاع عدد السكان في سن التقاعد وما يشكله من عبء على الاقتصاد، تسعى السلطات الروسية جاهدة إلى تحفيز الشباب على الإنجاب والزواج عن طريق منح قروض رهن عقاري ميسرة الفوائد للعائلات التي يقل عمر أحد الزوجين فيها عن 35 عاماً، وإصدار شهادات "رأس مال الأم" بقيمة نحو 8 آلاف دولار عند إنجاب الطفل الثاني فصاعداً وإجراءات أخرى. مع ذلك، فإنّ هذه الحوافز لا تدفع بالشباب دائماً إلى الاستمرار في الزواج والإنجاب، إذ تظهر البيانات الإحصائية تراجعاً في أعداد المواليد وزيادة الفجوة بينها وبين عدد الوفيات، ما يجعل تدفق المهاجرين، وليس الإنجاب، عاملاً رئيسياً في استقرار عدد سكان البلاد.
في المقابل، ما زالت أعداد حالات الطلاق مخيفة، إذ بلغت 608 آلاف العام الماضي، أي أكثر من 60 في المائة من إجمالي عدد حالات الزواج في ذلك العام مقابل نسبة 57.7 في المائة و52.67 في المائة عامي 2014 و2015 على التوالي.
تشير بيانات عام 2016، إلى أنّ أكثر من ربع حالات الطلاق تحدث بعد ما بين خمس وتسع سنوات من الزواج، بينما بلغت نسبة الطلاق خلال العام الأول من الزواج 4.7 في المائة فقط.
في هذا الإطار، توضح عالمة النفس المتخصصة في شؤون الأسرة سفيتلانا بويارينوفا، أنّ المرحلة الأخطر في عمر الأسرة تبدأ بعد ثلاث أو أربع سنوات على الزواج نظراً لانتهاء مرحلة الغرام. تقول لـ"العربي الجديد": "تمر العلاقة بثلاث مراحل، وهي الوقوع في الغرام والتشبع والرفض. يتزوج الناس تحت تأثير الهرمونات ووقوعهم في غرام شريكهم الذي لا يرون فيه سوى الإيجابيات، ثم يكتشفون أنّه شخص آخر ويصابون بصدمة".
أما الأسباب الرئيسية للطلاق، فتلخصها عالمة النفس الروسية: "الخيانة الزوجية، وانشغال الزوجة بالأبناء ونسيانها الزوج، ومشكلات مادية، ولعلّ الأهم هو عدم الاستعداد لتسوية الخلافات عبر الحوار. تبدأ المشاجرات والاستياء المتبادل، فيصل الزوجان إلى مأزق ومرحلة يصبح فيها الانفصال والبحث عن شريك آخر أسهل من إصلاح العلاقة الحالية".
يتيح قانون الأحوال المدنية الروسي إتمام إجراءات الطلاق بسهولة عبر إدارة الأحوال المدنية في حال كانت الرغبة في الانفصال متبادلة وعدم وجود أبناء دون سن الرشد، أو عن طريق رفع دعوى قضائية في حال رفض أحد الزوجين الطلاق أو وجود أطفال قصّر. ولمّا كان النظر في أسباب الانفصال وإمكانية الحفاظ على الأسرة والمصالحة يقع خارج اختصاص الجهات المعنية بالأحوال المدنية في روسيا، ثمة مبادرات في الجمهوريات ذات الغالبية المسلمة في شمال القوقاز المعروفة تاريخياً بقوة الروابط العائلية، إلى الحدّ من الطلاق. وخير مثال على ذلك، نجاح الأئمة في جمهورية الشيشان في التواصل مع مئات العائلات التي كانت على حافة الطلاق، وتحقيق التصالح بينها.