من المفترض أن يتحدث رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، قريباً في مجلس نواب الشعب في موعد لم يتحدد بعد، لكشف ما يتعلق بالحرب التي أعلنها على الفساد، في ظلّ تشابك وتداخل القطاعات المالية بالسياسية والأمنية في وقتٍ متزامن. وأمام هذا الغموض، تصاعدت نبرة الشائعات والاتهامات المباشرة في الخطوة المفاجئة التي أعادت ترتيب الأولويات وفق ما يراه الشاهد، وليس مثلما تحدده المعارضة كما يحدث منذ سنوات، أو حتى أحزاب الائتلاف. ويبدو أن الشاهد، متسلّحاً بدعم شعبي واسع، يحتفظ بتفاصيل الخطوة التالية.
وبدا المشهد السياسي مرتبكاً بشكل واضح حزبياً، رغم أن بعض الأحزاب سارعت إلى محاولة توضيح مواقفها، والالتحاق بقطار المبادرة، في حين حاولت بعض أحزاب المعارضة زيادة الهوة بين الشاهد وحلفاء حكومته التقليديين، وتلقّف رئيس الحكومة بين أحضانها باعتبار أن "الدعوة لمحاربة الفساد" انطلقت منها. وأبرزت الخلافات لدى حزب "نداء تونس" الذي تقاذفته مواقف أعضائه وتبادل الاتهامات في ما بينهم. ووصل الأمر إلى إقصاء إحدى نائباته في البرلمان، صابرين القوبنطيني، وتحويل القضية إلى القضاء.
ويبدو أن الشاهد نفسه، إدراكاً منه للوضع المتأزم داخل حزبه، بصدد قطع خطوة أخرى نحو الابتعاد عنه، فقد أكد في حديث صحافي أخير لكل من "الصباح"، باللغة العربية، و"لابراس" باللغة الفرنسية، أنه "يقف على نفس المسافة من كل الأحزاب بحكم وضعه الحالي". وذكر أنه "ابن نداء تونس وأتشرّف بذلك"، مشيراً في الوقت عينه إلى أن "هذا الحزب الذي أسسه (الرئيس التونسي) الباجي قائد السبسي، خلق توازناً، لكن منذ أن غادره وهو يعيش أزمة زعامة". ونفى كل "ما يروّج من كوني أستهدف الحزب لعلاقاتي الطيبة مع النواب، لأنني أقف على نفس المسافة من كل الأحزاب واعتقادي بأنه يجب لم الشمل اليوم وتوحيد الصفوف".
وفي ردٍّ على سؤال حول ما إذا كان يرى نفسه يوماً رئيساً لـ"نداء تونس"، أجاب الشاهد بوضوح: "أبداً، أنا اليوم أركز على عملي في الحكومة ولنا تحديات". وحول ما إذا أثبتت الأبحاث أنه "إذا كانت هناك شبهة حول نواب من النداء كيف ستتصرف؟"، أكد الشاهد أنه "على من قد يشمله البحث أن يتحمّل مسؤولياته، فقد انتهى عهد التدخل في القضاء، حتى ولو شملت التحقيقات وزراء". وأضاف "من له أدلة عليه أن يتجه إلى القضاء ويبتعد عن التشهير وعن اعتبار كل الناس فاسدة".
في المقابل، أعلن رئيس مجلس شورى "حركة النهضة"، عبد الكريم الهاروني، دعم حزبه للحكومة "في حربها على الفساد والفاسدين"، قائلاً إن "هذه الحرب يجب أن تكون متواصلة وشاملة ولا تسثني أحداً وأن تكون في إطار القانون والشفافية".
وأضاف بمناسبة انعقاد مجلس شورى الحركة، يوم الأحد، أن "الحرب المعلنة على الفساد، لا تتعارض مع الحديث عن مشروع قانون المصالحة"، معتبراً أنه "لا يمكن المصادقة على مشروع هذا القانون، في صيغته الحالية، باعتبار أنه يتطلب تنقيحات جوهرية، حتى يتماشى مع الدستور". وشدّد على أن "الحركة تعمل مع بقية الكتل على إجراء تعديلات جوهرية على المشروع".
وبدا هذا الموقف غريباً في سياق ما يتداول حالياً، خصوصاً أن "النهضة" قد عبّرت منذ أيام في لقائها بالرئيس السبسي عن أن "الظرف الحالي غير ملائم لطرح قانون المصالحة". ولكن يبدو أن الحركة تردّ على موقف السبسي الذي أكد في قمة السبع في إيطاليا، أواخر الشهر الماضي، على نهج التوافق في تونس. وهو ما تأكد على لسان الهاروني نفسه، حين شدّد على "استمرار ونجاح التجربة التونسية، حتى تكون نموذجاً يحتذى في العالم العربي". وعلى الرغم من تحفظات "النهضة" الكثيرة في أكثر من ملف، وتنويهاتها بخصوص محاربة الفساد والمصالحة وإدارة الاحتجاجات الاجتماعية، فإنها أكدت للشاهد بوضوح أنها ماضية في تأييده.