السينما والحياة الواقعية

15 يونيو 2019
+ الخط -
ـ "الحياة ليست كما نراها في الأفلام" سالفاتوري

ـ "الحياة أصعب بكثير!" ألفريدو
هاتان الجملتان مقتبستان من حوار دار في أحد الأفلام السينمائية (سينما باراديسو 1988)، بين شاب يدعى سالفاتوري عاش حياة بائسة كان قد فقد والده في سن مبكرة واضطر للعمل منذ صغره لإعانة والدته، وبين صديقه العجوز الذي أفنى عمره في عمل روتيني قاتل لكسب لقمة العيش. سالفاتوري عشق السينما، وأراد أن يعمل مع ألفريدو في نفس العمل، وهو عرض أفلام السينما في القاعات كي يشاهدها الناس، والمهمة الشاقة كانت هي اقتطاع المشاهد الإباحية

من الأفلام، كي لا تتعارض مع قواعد الدين المسيطرة في تلك القرية الإيطالية الصغيرة آنذاك، واقتطاع القبل والمشاهد الإباحية من تلك الأفلام جعلت القبلة الأولى لسالفاتوري مع الفتاة التي التقاها قبلة رائعة في مكان عمله، وهو يقتطع تلك المشاهد، إلى أن انكسر قلب سالفاتوري واضطرت حبيبته للسفر، وهو بعد ذلك هرب بعيداً رافضاً العودة إلى قريته إلى أن سمع بخبر وفاة صديقه العجوز ألفريدو بعد 25 عاماً فيعود ليلقي السلام الأخير.

قصة الفيلم واقعية وممكنة الحدوث لأي شخص، فما الذي دفع كاتب الفيلم لتصوير أن الحياة أصعب بكثير من الحياة المطروحة في الأفلام، مع الأخذ بعين الاعتبار أيضاً أن الفقر والحروب واضطهاد واستغلال الشعوب، الوحدة والعزلة والأمراض النفسية، علاقات الحب الفاشلة وغيرها من الأمور التي بإمكانها جعل حياتنا بائسة وتعيسة تم تمثيلها في السينما أحسن تمثيل.

في السينما يتم تمثيل قصة ما من وجهة نظر الكاتب فلا احتمالات أخرى ممكن أن تحدث إلا تلك الأحداث الموجودة في الفيلم وكيف يريد لها الكاتب أن تنتهي، هو يختار البداية والنهاية وهو القدر المحتوم لسير القصة. أما في الحياة الواقعية، فالاحتمالات لا تعد ولا تحصى لأي قصة تحدث معنا، لهذا الشيء يعترينا الندم أحياناً عندما نقوم بفعل ما، ونعود لنتكلم مع المرآة ونسأل لماذا لم أقم بكذا وكذا؟ ماذا كان سيحدث لو أني تصرفت بشكل مختلف؟ وإلخ من الأسئلة. أيضاً في الأفلام السينمائية سرعان ما تقرأ في وصف أن له نهاية سعيدة أو تعيسة، هو خيالي أو واقعي، كوميدي أو تراجيدي، وبغض النظر عن أفلام الخيال إلا أن الأشياء الأخرى واقعية وتحدث ربما لأي شخص على هذه الأرض إنما الفرق الوحيد بينها وبين الحياة الواقعية أنك تعرف مسبقاً النهاية وتعرف سيرورة الأحداث أما في حياتنا الواقعية نستيقظ كل يوم ولا نعرف ربما ماذا سيحدث بعد دقائق.
نحن كمشاهدين للسينما نختار الأفلام التي نريد أن نشاهدها بعناية، وفقاً لمزاجنا وحالتنا النفسية لأننا نريد من السينما التخفيف عنّا وإبهاجنا وأحياناً نريد منها تعذيبنا. لماذا نختار أحياناً فيلماً تراجيدياً لمشاهدته بينما هناك آلاف أفلام الكوميديا قادرة على إضحاكنا؟ وأحياناً أخرى نبحث بشغف عن فيلم كوميدي لأننا في تلك اللحظة نريد فقط أن نضحك ولا شيء آخر. نضحك على أنفسنا ربما أو على ما نعيشه يومياً. وبالحديث عن التراجيديا ربما نبحث عن أبطال تعاني في الأفلام كي لا نشعر أننا الوحيدون أصحاب المعاناة.

الحياة ليست كما في السينما، الحياة أصعب بكثير صحيح لأن كل تفصيل صغير في واقعنا مفتوح على الاحتمالات ونحن كبشر عندما تتعلق الأشياء بالمشاعر نكره الاحتمالات ونلعنها، دائماً ما نريد الحسم ودائماً ما نريد للأمور أن تنتهي كما نريد نحن ولا أحد آخر، نحن نشبه كتّاب السينما، ولكن للأسف، هم يستطيعون رسم ما يريدون ونحن لا نستطيع، لهذا نهرب إلى السينما ونضرب بعرض الحائط غير آبهين أن ما يحدث في السينما لن يحدث معنا في الواقع على الرغم من التشابه الكبير الذي يحدث أحياناً بين قصص السينما وقصصنا ولكن تبقى نهاياتنا وأحداثنا نحن مفتوحة.

دلالات
78156CF2-F4A1-4736-AC35-4685AC3AD091
علي الحاج إبراهيم

طالب في قسم الإعلام في جامعة برلين الحرّة مقيم في ألمانيا منذ العام 2015.