السيسي يستنسخ مبارك: اختيار العُمَد في عهدة الأمن الوطني

04 اغسطس 2015
مخاوف من وجود توجّه لتزوير الانتخابات المقبلة (فرانس برس)
+ الخط -
انتقد نشطاء وخبراء قانونيون موافقةَ مجلس الوزراء المصري على مشروع قرار رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، القاضي بتعديل بعض أحكام القانون رقم 58 لسنة 1978، في ما يتعلق بالعُمَد والمشايخ، وإعادة تمثيل قطاع الأمن الوطني في لجنتي فحص طلبات شغل الوظيفتين. ورأى المعترضون على القرار الجديد أنه بمثابة استنساخ لنظام مبارك، معتبرين أنه يفتح الباب على مصراعيه للمحسوبية والوساطة وعودة الدولة البوليسية لتزوير الانتخابات البرلمانية المقبلة.

في المقابل، دافع مصدر أمني في مديرية أمن الإسكندرية، رفض الكشف عن اسمه، عن القرار، معتبراً أن "رأي الأجهزة الأمنية ومنها الأمن الوطني مطلوب في وظائف معينة، بالإضافة إلى المعايير الأخرى". وأوضح المصدر أن هذا الإجراء "عادي جداً، والمفترض أنه ليس له أي علاقة بالتوجهات السياسية، وأي شخص يرغب في العمل في مثل هذه الأماكن المهمة وغيرها من الوظائف الحساسة لا بد أن يكون سلوكه حسناً ولم يرتكب جرائم تمسّ بالشرف والاعتبار".
اقرأ أيضاً: مصر: عودة دولة "أمن الدولة"

لكن هذه التبريرات الأمنية تبدو غير مقنعة بالنسبة لكثر، وخصوصاً في ظل أهمية الدور الذي يؤديه العُمد انتخابياً.
مع اقتراب موعد انتخابات مجلس النواب فى مصر خلال كل دورة، ينشط دور العُمَد والمشايخ فى القرى، ولا سيما في محافظات الصعيد حيث العصبيات القبلية، التي تلزم من هم حول العُمدة بطاعته، ومن هنا يؤدي دوراً كبيراً فى السيطرة على جموع الناخبين، ولا سيما الذين لا يجيدون القراءة والكتابة.

وأصبح العُمدة في الأعوام الماضية منفّذاً لأوامر الحكومة، وتتحول دواوين العُمَد لمقرات لمقابلة المرشحين. وتوجّه اتهامات للعُمَد خلال السنوات الماضية بتزوير الانتخابات، فالعُمدة بسطوته وعلاقاته كان يساوم الناس على أصوات يعطونها للحزب الوطني السابق مقابل مصالح يقضيها لهم. وينفذ العُمَدة ما تطالب به الحكومة، ولا سيما بعد قرار تعيين العُمَد بدلاً من الانتخاب كما كان معمولاً به في الماضي.
وفي السياق، أوضح الخبير الأمني، اللواء فادي الحبشي، أن العُمدة له دور كبير فى توجيه المواطنين لصناديق الانتخابات، ولن يعود العُمدة لوضعه الطبيعي إلا بعودة انتخابات "العمودية" مرة أخرى، إذ تعيّن الداخلية العُمَد طوال السنوات الماضية، وبالتالي يفعل العمدة كل شيء لمصلحة الحكومة، وليس لمصلحة الوطن.

ضمن هذا السياق، اعتبر الناشط السكندري محمد طلعت، عضو جبهة شباب مصر، أنّ القرار "محاولة من السيسي لضمان ولاء وخضوع من يتولّى منصب العمدية والمشايخ في مختلف القرى المنتشرة في محافظات الجمهورية، والذي يعتبر من المناصب المهمة والمؤثرة بين المواطنين". كما حذر من أن القرار "يفتح الباب على مصراعيه للمحسوبية والوساطة لصالح المقربين والمرضي عنهم"، على حد قوله.

وربط طلعت بين صدور القرار وإعلان السلطات عن اقتراب إجراء الانتخابات البرلمانية نهاية العام الحالي. واعتبر أن ما يجري تكرار للسيناريو الذي "كان يحدث في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إذ كان يتحتّم أن يكون العمدة أو شيخ البلد عضواً في الحزب الوطني، وكان المنصب المدخل الرئيسي لإفساد المعينين وانتشار المحسوبية بمختلف القرى، نظراً لأهميته في المساعدة على السيطرة على مقاليد الأمور بالبلاد وعودة الدولة البوليسية واستمرار توغل السلطة التنفيذية في الشؤون العامة".

وأشار عضو جبهة شباب مصر إلى أنّ "المعايير التي يتم على أساسها اختيار أو استبعاد المتقدمين لأي وظيفة غير معلومة"، موضحاً أن الواسطة والمحسوبية هي التي تسيطر على عملية التعيينات، "وبالتالي سيكون همّ المعيّنين استرضاء من عيّنهم في مناصبهم، وبمرور الوقت سيتحوّلون إلى عصا في يد النظام يفيدونه بدعمه وتزوير الانتخابات والوشاية بالمعارضين مقابل غضّ الطرف عن تجاوزاتهم وفسادهم".

من جهته، وصف المحامي الناشط الحقوقي، محمد رمضان، القرار بأنه "غير قانوني وغير دستوري، ويهدف إلى إضفاء الصبغة القانونية على وضعية شاذة وغير مبررة تحدث عند اختيار العُمَد والمشايخ". وأشار إلى أنّ "الأمن الوطني يفرض رأيه في المتقدمين لشغل أي وظيفة في الدولة، بخلاف القانون الذي لا يشترط سوى أن يكون الشخص الحاصل على الوظيفة يتمتع بحسن السيرة والسلوك، ويترك للجهة المنوط بها تحديد سيرة الشخص وسلوكه".

وحذر رمضان من تجاوز "الأمن الوطني" للدور المرسوم له من معاونة لجنة الاختيار إلى التدخل في قرار التعيين واختيار شخصيات سيئة من قبل أجهزة الأمن لشغل هذه المناصب، وبالتالي غياب العدالة، والتي كانت أحد أبرز أسباب غضب المواطنين قبل ثورة يناير. واعتبر رمضان أنه كان من المفترض الاكتفاء بصحيفة الحالة الجنائية للشخص، ولا سيما أن "موافقة الأمن" عبارة مطاطة لا تعتبر دليلاً على حسن السمعة.

من جهته، لفت الناشط الحقوقي، مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان، هيثم أبو خليل، إلى أنّ القرار الجديد ليس سوى "حلقة من مسلسل الانتهاكات لأي مكاسب حققتها ثورة 25 يناير بعد الانقلاب، فما كان يحدث قبل الثورة يعاد إنتاجه من جديد الآن، وبصورة أشرس على يد الأمن الوطني". وأشار إلى أن "ما كان يتم سابقاً ويعتبر نوعاً من التجاوز أو المخالفة على يد أمن الدولة في قبول أو إقصاء المخالفين للنظام وغيرهم من المتقدمين لأي وظيفة خشية من انتماءاتهم السياسية، الآن يتم طبقاً للقانون".

وأكد أبو خليل أن المشكلة الحقيقية هي صدور عشرات القرارات بقوانين وبجرأة غير مسبوقة في إطار عسكرة البلد في مقابل تأجيل الانتخابات البرلمانية من دون أسباب وتسريع إصدار قوانين خطيرة ودقيقة تمسّ حرية وكرامة المواطنين.

اقرأ أيضاً: مصر: لهذه الأسباب "يفخّخ" السيسي مجلس النواب

المساهمون