يتجه نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى إرجاء مناقشة اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية في مجلس النواب، إلى حين خفوت الأصوات المعارضة للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وتراجع حالة الاحتفاء الجماهيري العارم بحكم المحكمة الإدارية العليا، الإثنين الماضي، ببطلان التوقيع على الاتفاقية. وتكشف مصادر حكومية مصرية مطلعة أن الاجتماعات التي عقدها رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، مع وزراء الدفاع والخارجية والعدل والشؤون النيابية، ثم مع عدد من الخبراء القانونيين، أبرزهم الوزير السابق، مفيد شهاب، انتهت إلى تفضيل احتمال إرجاء الموافقة على الاتفاقية إلى حين هدوء الغضب الشعبي، وليس لما بعد مرور ذكرى ثورة 25 يناير/ كانون الثاني فقط، بل قد تطول فترة الإرجاء إلى نهاية العام الحالي.
وتضيف المصادر أنه نظراً لضعف موقف الحكومة أمام القضاء الوطني، وسوء موقفها إذا قررت السعودية رفع شكوى إلى مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية إزاء ما حدث من إرجاء لتسليم الجزيرتين على الرغم من توقيع الاتفاقية في أبريل/نيسان الماضي، فإن الخيار الوحيد الذي سيتفاوض عليه النظام مع السعودية هو إرجاء تسليم الجزيرتين لفترة أطول، ومحاولة إقناعها بأن حقها في الجزيرتين محفوظ مهما طالت المدة. وتوضح المصادر أن من النقاط التي تداولها المجتمعون في مقر مجلس الوزراء، في اليومين الماضيين، "ضرورة إقناع السعودية بأن تسليم الجزيرتين حالياً سيحدث حالة من الهزة التي قد تضر بالنظام القائم في مصر أكثر من أي وقت مضى، وأن زعزعة استقرار النظام حالياً ليس في مصلحة أي دولة في محيط مصر الإقليمي، بما في ذلك السعودية". وتشير إلى أن الاجتماعات الحكومية ناقشت أيضاً مقترحات لتحديث طريقة الخطاب الرسمي الموجه للشعب لإقناعه بسعودية الجزيرتين، وعقد عدة مؤتمرات مغلقة للنواب، خصوصاً أعضاء الأكثرية النيابية المسماة "دعم مصر"، يحضرها خبراء قانونيون ومؤرخون وعسكريون تابعون للحكومة لإقناع النواب بصحة الموقف الرسمي الحالي بالتنازل عن الجزيرتين، وذلك كله من دون تسرع في تمرير الاتفاقية، خشية الغضب الشعبي. وقالت "هذا كله سيسير جنباً إلى جنب مع اللجوء إلى المحكمة الدستورية بدعوى لفض تناقض الأحكام بين الإدارية العليا ومحكمة الأمور المستعجلة حول تنفيذ حكم القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية، إذ رفضت الأولى طعن الحكومة وقبلته الثانية"، مؤكدة أن هذه الخطوة ستعطل الفصل النهائي في القضية لفترة أطول، تمكن الحكومة والبرلمان من استجماع تأييد نيابي كبير للاتفاقية.
وعن المقترحات العملية الأخرى التي ناقشتها الاجتماعات الحكومية تقول المصادر إنها جميعاً تصب في خانة الإرجاء، فعلى سبيل المثال، هناك مقترح بإعادة التوقيع مرة أخرى من دون إعلان رسمي عن ذلك، بتاريخ جديد وبوثائق جديدة، وأن تتم إحالتها فوراً إلى مجلس النواب لإقرارها مباشرة وبمواعيد استثنائية قصيرة، وبالتالي لا ينطبق عليها حكم الإدارية العليا، نظرياً على الأقل. وهناك مقترح آخر بأن تنتظر الحكومة والبرلمان انتهاء العام القضائي الحالي الذي سيتغير بعده تشكيل الدائرة الأولى في المحكمة الإدارية العليا، وتقام دعوى بطلان لحكم الإدارية العليا استغلالاً لبعض الثغرات الإجرائية التي يثيرها أعضاء هيئة قضايا الدولة. وهناك مقترح ثالث بأن يتم الدفع بالاتفاقية إلى لجنة المقترحات والشكاوى في مجلس النواب كمشروع قانون مقدم من أحد النواب، وبالتالي لن يتمكن القضاء الإداري من فرض الرقابة على هذا المشروع، وسيمرره البرلمان بعد إتمام عملية "توعية النواب". ولا يجوز لأي محكمة، بعد صدور الاتفاقية كقانون، التعرض لها، عدا المحكمة الدستورية.
وتكشف المصادر أيضاً أن حالة الحيرة التي تسيطر على أروقة النظام المصري هي السبب وراء إرجاء الندوة التثقيفية، والتي كان من المنتظر أن يتحدث فيها السيسي أمام قيادات الجيش وعدد من النواب والإعلاميين، أول من أمس، مشيرة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تأجيل ندوة تثقيفية للجيش بعد دعوة من سيحضرونها. وتؤكد المصادر أن السيسي، على نحو شخصي، غاضب من بعض مستشاريه الذين كانوا يتوقعون أن تقرر المحكمة الإدارية العليا الإثنين الماضي إحالة القضية إلى دائرة الموضوع بالمحكمة، ما يعني إطالة أمد التقاضي، لأنه قام ببعض الترتيبات الإعلامية والسياسية بناء على هذه التقديرات، ومنها الإدلاء بحوار صحافي مطول لثلاثة صحف حكومية في نفس يوم صدور الحكم واليوم الذي يليه، ما أدى إلى إهمال الحوار إعلامياً وعدم اهتمام المواطنين به. ويأتي حديث المصادر تصديقاً لمعلومات نشرها "العربي الجديد" نقلاً عن مصدر دبلوماسي الأسبوع الماضي، مفادها بأن "جهازاً سيادياً" رفع تقريراً لتقدير الموقف الشعبي من سياسات النظام في ملف تيران وصنافير، وأن من ضمن مقترحات هذا الجهاز، للعبور من نفق الأزمة الحالية ورفع شعبية السيسي، أن يتم تأجيل تنفيذ التنازل عن الجزيرتين للسعودية باعتبار أن الأوضاع الأمنية والعسكرية في المنطقة، خصوصاً في سيناء، ليست مستقرة، وكسب مزيد من الوقت في إيضاح الأسانيد الرسمية المصرية للتنازل عن الجزيرتين أمام الرأي العام. ويشترط لتنفيذ هذا المقترح أمران أساسيان، الأول هو تصفية جميع الخلافات السياسية الأخرى مع السعودية، والوصول معها إلى وضع تفاوضي متكافئ يمكن معه طلب تأجيل نقل ملكية الجزيرتين، مع تقديم تنازلات أخرى لها كالبدء في تنفيذ جسر الملك سلمان الذي تعتبره السعودية نقلة نوعية في استراتيجيتها، ومساندتها إقليمياً في الملفين السوري واليمني، وهو أمر أصبح صعباً بسبب المواقف المصرية المتقاربة من روسيا ونظام بشار الأسد وإيران والحوثيين، والذي جاء آخرها إبرام عقد استيراد جديد للبترول مع الحكومة العراقية بمباركة إيرانية. أما الأمر الثاني فهو عقد جولة جديدة من الاجتماعات والمفاوضات والمخاطبات حول الترتيبات الأمنية في المنطقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، لأن كلا الدولتين تعتبر بشكل رسمي أن مصر تنازلت عن الجزيرتين، خصوصاً بعدما أبلغت القاهرة حكومة بنيامين نتنياهو رسمياً بجديتها في تسليمهما للسعودية، وموافقة نتنياهو الخطية على ذلك، وهو ما كشفه "العربي الجديد" الأسبوع الماضي.
واعتبر المصدر الدبلوماسي أن إعادة التفاوض حول الترتيبات الأمنية، أو تأجيل التسليم، لن يؤدي فقط إلى ضجر سعودي، بل قد يثير اعتراضات لدى واشنطن وإسرائيل نظراً لإقرارهما هذه الترتيبات المتعلقة بنشر قواتهما وقوات حفظ السلام الدولية في المنطقة على مدار الأشهر السبعة الماضية، وسيخلّف هذا الأمر انطباعاً سلبياً عن السيسي كقائد يمكن الاعتماد عليه. وأوضح المصدر أن الغضب يسيطر على أروقة بعض الوزارات التي تعاملت مع ملف قضية تيران وصنافير منذ بدء مرحلة نظرها أمام القضاء وحتى إحالتها إلى مجلس النواب، نظراً لما تصفه المصادر بـ"حالة التردد التي يتسم بها الموقف الرسمي المصري، وعدم حسم السيسي للمسألة وتركها عرضة لتغيرات المزاج السياسي بين القاهرة والرياض". وأكد أن من الوزارات التي تشعر قياداتها بالغضب وزارة الدفاع، بسبب الأقاويل المنتشرة عن اعتراض الوزير صدقي صبحي وبعض قيادات المجلس العسكري على نقل تبعية الجزيرتين، وتهرب صبحي من التوقيع على الاتفاقية، وذلك على الرغم من أنه ليس معنياً بذلك، ولا يحق له دستورياً أو قانونياً التوقيع على اتفاقية لترسيم الحدود. وأضاف المصدر أن "القيادات العسكرية التي شاركت في صياغة ملف إحالة الاتفاقية إلى مجلس النواب، وبعضهم حضر اجتماعات السيسي مع الصحافيين في أبريل/ نيسان الماضي لتبرير التنازل عن الجزيرتين، تعتبر أن التراخي في حسم إقرار الاتفاقية هو السبب في انتشار هذه الشائعات. كما أن هناك قيادات بالفعل في الجيش ومؤسسات سيادية أخرى يتظاهرون بقبول الاتفاقية وهم في الحقيقة رافضون لها من منطلق وطني، أو لأهداف سياسية، كإحراج السيسي، ويساعدون بصورة سرية النشطاء في مجال الدفاع عن مصرية الجزيرتين".