السيسي يبحث عن دعم صريح من واشنطن لحفتر

15 يونيو 2019
لم تحقق مليشيات حفتر نصراً سريعاً بطرابلس (فرانس برس)
+ الخط -

يسعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى انتزاع مباركة أميركية رسمية لتحركات مليشيات اللواء الليبي خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني، قبل انعقاد قمة الدول السبع الكبرى المقررة في فرنسا نهاية أغسطس/آب المقبل. ويرى السيسي، بحسب مصادر دبلوماسية مصرية، أن غياب الحسم الأميركي للموقف من التطورات الميدانية التي تحصل في ليبيا، هو سبب الارتباك الأوروبي واستمرار ضبابية الأوضاع السياسية هناك، في وقت تحاول فيه فرنسا وإيطاليا تطوير رؤى مشتركة للوصول أولاً إلى قرار لوقف إطلاق النار، ومن ثم العودة إلى طاولة التفاوض السياسي والاقتصادي.

وقالت المصادر المصرية إن المسؤولين الدبلوماسيين المصريين، في اتصالاتهم الأخيرة بواشنطن، عبّروا عن "ضرورة تراجع الولايات المتحدة عن موقفها الموروث من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والمتمثل في ترك المساحة الرئيسية للتحكم في الأوضاع في ليبيا لشركائها الأوروبيين، باعتبار أن ليبيا كانت مستعمرة إيطالية، وتنشط فيها روما كأكبر طرف أجنبي مستثمر، وهي أيضاً تمس المصالح الاستراتيجية والاقتصادية لفرنسا والدول المتحالفة معها في وسط وغرب أفريقيا".

وأوضحت المصادر أن السيسي يحاول إقناع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتخاذ خطوات أكثر فعالية في الملف الليبي، وتحديداً لدعم حفتر، والبناء على التواصل الأخير الذي جرى بينه وبين ترامب، بوساطة مصرية، قبيل بدء حملته على طرابلس، وذلك لأن السيسي بات يشعر بعدة مستجدات تدفعه إلى التوجّه نحو واشنطن لانتزاع مواقف صريحة تجاه الأزمة. المستجد الأول، هو فتور وخفوت الدعم الفرنسي لحفتر بعد بدء عملية طرابلس، إذ يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تهدئة حلفائه الأوروبيين، الذين يمتلكون معلومات عن دعم غير مباشر وتعاون استخباراتي بين القوات الفرنسية، المتواجدة في تشاد، ومليشيات حفتر منذ المواجهات مع تنظيم "داعش" في العامين الماضيين، فضلاً عن محاولة التصدي للهجوم الإعلامي المحلي، فارتفعت وتيرة الخطاب الرسمي الداعم لحكومة الوفاق والمطالبة بالعودة للحل السياسي ودعم مهمة المبعوث الأممي غسان سلامة.

والمستجد الثاني أن روما تأخرت في اتخاذ موقف أكثر مرونة حيال حفتر، الأمر الذي كان السيسي يراهن عليه من خلال اتصالاته، من ناحية، وعبر إثبات تقدّم حفتر ميدانياً من ناحية أخرى، إذ مر أكثر من شهر على استقبال حفتر في روما من قبل رئيس الوزراء جوسيبي كونتي، من دون أي حلحلة بين الطرفين. والنقطة الثالثة، بحسب المصادر المصرية، هي حاجة القاهرة والإمارات، أبرز دولتين داعمتين لحفتر، إلى سرعة حسم الأوضاع حول طرابلس، ارتباطاً بتغيرات وتطورات عديدة، منها الضغوط الأوروبية على الدول المساندة لحفتر، وعلى فرنسا، لوقف إطلاق نار بأسرع وقت والعودة للمسار التفاوضي، وكذلك بسبب تكبّد الحكومات الداعمة لحفتر عسكرياً، وعلى رأسها الإمارات ومصر، العديد من الخسائر المالية والانعكاسات السياسية السلبية بسبب استمرار المعارك وعدم تحقيق نصر سريع في طرابلس، كما كان يعِد حفتر في بداية عمليته.


أما الأمر الرابع فهو أن المعلومات الاستخباراتية المتداولة في الأوساط الأوروبية والأميركية لا تصب في مصلحة حفتر على عكس الرؤية المصرية. فالسيسي يحاول الترويج لثنائية "حفتر ضد مليشيات الإرهاب الإسلامي الداعمة لحكومة الوفاق"، ويحاول تصوير أن حفتر يتحكم في ثلثي مساحة ليبيا، لكن المعلومات التي يبرزها المفاوضون الأوروبيون والأميركيون، في إطار حديثهم مع الدبلوماسيين المصريين، تقلل من أهمية وقيمة وسيطرة حفتر الميدانية، وتفيد بوجود قوى أخرى على الأرض يمكن أن تصبح أكثر قوة وتحكماً إذا حظيت بدعم مناسب، فضلاً عن وجود شكوك غربية في مدى قدرة حفتر على قيادة دولة كليبيا، بكل ما تحمله من اختلافات سياسية وقبلية.

وأشارت المصادر إلى أن التحركات المصرية الساعية لدعم ترامب الصريح لحفتر، قبل قمة الدول السبع التي ستحضرها مصر ودول أفريقية أخرى كضيوف، ستتزاوج مع إعادة طرح مقترح السيسي استضافة ترامب في مؤتمر بالقاهرة سيركز في الأساس على الشأن الليبي، ويلتقي خلاله الرئيس الأميركي بالزعماء الأفارقة، تعبيراً عن مركزية العاصمة المصرية في القارة ومجتمعها، في العام الذي ترأس فيه مصر الاتحاد الأفريقي. وكانت مصادر دبلوماسية، مصرية وأخرى أوروبية خارج مصر، قالت، لـ"العربي الجديد"، في مايو/أيار الماضي، إن السيسي في زيارته الأخيرة لواشنطن طرح الأمر بشكل مبدئي على ترامب، الذي لم يبد قبولاً أو رفضاً للعرض، ووعد بالتفكير فيه على ضوء التزاماته المختلفة. علماً بأن كلاً من زوجة الرئيس الأميركي، ميلانيا، وابنته إيفانكا، قد قامتا بجولتين في دول أفريقية عدة العام الماضي، لكن من دون ترامب الذي أدلى مراراً بتصريحات وأطلق تغريدات استفزت دولاً أفريقية، واعتبرت أحيانا ذات نزعة عنصرية، كان آخرها في أغسطس/آب الماضي عندما انتقد ما وصفه بسحب الأراضي من المزارعين البيض في جنوب أفريقيا، وتسبب هذا في أزمة بين البلدين. وأضافت المصادر أن السيسي ووزارة الخارجية المصرية يهدفان لتحويل المؤتمر إلى مساحة لبناء شراكات فردية بين الدول الأفريقية والولايات المتحدة، بحيث يصطحب ترامب معه عدداً من ممثلي دوائر المال والأعمال المؤثرة، ولذلك، بدأت الدبلوماسية المصرية في ترويج إيجابيات هذا المؤتمر بين هذه الدوائر.

ولأن المقترح ما زال في طور التفاوض المبدئي، فإن هناك خلافاً بين الدوائر التي تروج له حول الشكل والملفات. فبينما قالت بعض المصادر إن مصر ترغب في أن تكون الزيارة مفتوحة للقاء ذي أجندات مختلفة، اقتصادية وسياسية حرة وغير مرتبط بملفات سياسية بعينها، ذكرت مصادر أخرى أن السيسي يريد التركيز في المؤتمر على البعد الليبي تحديداً، في نفس المؤتمر أو في أحد الاجتماعات المنبثقة منه، لكن ليس مطروحاً حتى الآن أن توجّه الدعوة لحكومات غير أفريقية للحضور. وكان السيسي قد تلقى، الخميس الماضي، أول اتصال رسمي من ماكرون منذ بدء حملة حفتر على طرابلس، تباحثا فيه بالمستجدات الميدانية، وأكد السيسي موقفه الداعم لحفتر فيما وصفه "جهود مكافحة الإرهاب والقضاء على التنظيمات والمليشيات المسلحة التي تمثل تهديداً، ليس فقط على ليبيا بل على الأمن الإقليمي ومنطقة البحر المتوسط".

المساهمون