السيسي وحماس ونظام مبارك
عندما وصل الإخوان المسلمون إلى سدة الحكم في مصر، قبل سنتين، بشكل ديمقراطي، ارتفعت الأصوات في مصر وخارجها، بشأن إمكانية إلغاء اتفاقية "كامب ديفيد"، لأن هذه الجماعة كانت دائماً ترفع شعارات ضد دولة الكيان الصهيوني. لكن، في سنة من حكمها، لم يتم العمل على إلغاء الاتفاقية، ومن الصعب، بل من التجني أيضاً، أن تطلق الأحكام والتكهنات حول كيف كان حكم الرئيس المعزول، محمد مرسي، سيتصرف لو استمر في الحكم، ولم يحصل الانقلاب.
لكن، بعد الانقلاب، ومجيء عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، انقلبت الموازين، ولم يُسمع أي صوت، لا داخل مصر ولا خارجها، من يدعو السيسي إلى إلغاء الاتفاقية، بل عاد التطبيع مع الكيان الصهيوني بشكل معمق وحافظت مصر السيسي على الالتزام بمعاهدة السلام بكل مساوئها، في مقابل الجزرة التي حصلت عليها، المساعدات المادية من الولايات المتحدة، مقابل صك ضمانات الاستسلام والابتعاد عن عداء إسرائيل. لا ننسى أن الهدف الرئيسي الذي سعت إليه الولايات المتحدة وإسرائيل من المعاهدة، هو إبعاد أكبر دولة عربية عن دائرة الصراع العربي الإسرائيلي وفرض الاستسلام على العرب.
يعتبر الهجوم على قطاع غزة الاختبار الإقليمي الأول للسيسي، لكنه في أول اختبار سقط سقوطاً مدوياً، وهو الذي رفض منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على غزة، التوسط، مراهناً على تدمير قوة حماس، وبالتالي، توقّع أن تقبل حماس أي مبادرة لوقف إطلاق النار. لكن، ما حصل هو العكس، حيث اضطرت مصر تحت ضغوط إسرائيلية وأميركية، لإعلان المبادرة التي صيغت بالتوافق مع مصالح الاحتلال وأهدافه من العدوان، ووصل الاستهتار بالقيادة الانقلابية، إلى حد عدم التشاور مع أصحاب الشأن، والعزوف عن عرض بنود اقتراح وقف إطلاق النار على المقاومة الفلسطينية.
لذلك، من المنطقي القول إن عهد السيسي يبدو أسوأ من عهد نظام المخلوع حسني مبارك الذي كان يغض النظر عن الأنفاق بين مصر وقطاع غزة أحياناً، ولم يدمرها بالوتيرة الحاصلة في عهد السيسي. على الأقل في عهد نظام المخلوع مبارك، كان معبر رفح يفتح أكثر من الوقت الحاضر، ولم تكن حماس متهمة، إلى هذا الحد، بالعمل على ما يضر بالأمن القومي المصري. أما في عهد السيسي، تم تدمير جميع الأنفاق، والمعبر مغلق بإحكام حتى أمام الحالات الإنسانية، مما يعتبر مشاركة في الحصار التي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة.
العداوة التي يكنها السيسي للإخوان المسلمين يجب أن لا تعميه عن الحقائق، لأن سكان غزة ليسوا كلهم حركة حماس، وحتى لو كانوا كلهم منها، ولو كانت حماس وثيقة الصلة بالإخوان المسلمين، فعلى أقل تقدير، في هذه الظروف التي تعانيها غزة جرّاء حرب صهيونية مسعورة، يجب عدم الوقوف إلى جانب العدو الصهيوني في أي حالة، إن لم نقل يجب دعم غزة والمقاومة في جميع الحالات، إلا إذا كانت مصر تعتبر دولة الاحتلال ليست عدوة للأمة العربية، بل دولة جارة صديقة، وحركة حماس هي العدو!
من منطلق عداوة نظامِ السيسي "الإخوانَ"، أصبح هناك هدف مشترك بينه وبين إسرائيل، هو محاربة حركة حماس وتدميرها، وهو هدف مفهوم من ناحية ما تقوم به إسرائيل، لأنها لا تريد أي مقاومة للشعب الفلسطيني، لكي تعيش دولة الاحتلال بهدوء وتبقى متغاضية عن إرجاع الحقوق إلى أصحابها.
الأمر غير المفهوم، هو لماذا تقوم مصر السيسي بالتضييق على هذه المقاومة، وتسعى لتدميرها، بحجة أن حماس إخوانية و"إرهابية"، بينما ما يجري هو تدمير أي مقاومة تهدد إسرائيل، بغض النظر عن أيديولوجية هذه المقاومة، قومية أم يسارية أم إسلامية، فالهدف هو عدم مقاومة إسرائيل بالدرجة الأولى.
التحريض على الإخوان المسلمين في مصر، انعكس على التعامل مع حركة حماس، ودأبت وسائل إعلام مصرية ووجوه فيها على تأجيج هذا الكره ضد حركة حماس، من دون التفكير بأن هناك عدواً يتربص بكل الدول العربية، وإن الاختلاف مع جماعة أو حزب، يجب أن لا ينسينا ويحيد البوصلة عن العدو الحقيقي.