وكعادته في اللقاءات والمؤتمرات، أطلق السيسي عدداً من العبارات والجمل، التي يصعب من خلالها فهم رؤيته ووجهة نظره في مختلف القضايا، بخاصة أن غالبية عباراته جاءت مبتورة من سياقها، فضلاً عن تداخل العبارات والانتقال من قضية إلى أخرى دون استكمال أي منها.
اقرأ أيضاً: السيسي يحاول تهدئة الغضب الشعبي: تعديلات عبثية وإقالات متوقعة
ولكن مجمل عبارات السيسي، جاءت في إطار توجيه الانتقادات للحكومة، وتحميلها عبء الفشل الذي لاحق الرجل منذ توليه الحكم، بعد انتخابات رئاسية في أعقاب الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي.
ويبقى أن السيسي هو رئيس السلطة التنفيذية، وبالتالي يحق له التدخل في أعمال الحكومة وتعديل برنامجها وخططها بالتشاور، فضلاً عن توجيهها إلى القضايا المختلفة، وهو ما لم يحدث إلا في إطار ضيق كان آخرها في أزمة أمناء الشرطة.
وبدا على تصريحات وحديث السيسي خلال تدشين رؤية مصر "2030"، حالةً من العصبية الشديدة في توجيه انتقاداته للحكومة، والهدوء في حديثه للشعب.
وبحسب مراقبين، فإن السيسي يتعمّد إظهار ما سمّوه بالتعبير العامي "العين الحمراء"، في محاولةٍ لإسقاط أي مسؤولية عن أداء الحكومة الضعيف والأزمات المتلاحقة.
وتحدث الرجل بشكل يوحي بوجود حالة غضب ضد الحكومة، حول التباطؤ في تنفيذ بعض المشروعات وترجمة توجيهاته، وقال: "لو نفذتوا اللي قلت عليه من سنة ونص.. كنا سلمنا الشباب دلوقتي ألف مصنع"، ليستدرك الموقف بعدها، بالقول: "أنا مش بهاجم الحكومة".
وأضاف: "قلت الكلام ده من سنة ونص في مدينة الأثاث في دمياط، بدل ما أعمل ألف رؤية أطرح كيانات للبناء ويتم التنفيذ الفعلي"، في إشارة إلى مشروعات للشباب.
وتابع منفعلاً: "أنا قادر أعمل ألف منطقة صناعية في سنة ونص ومليون شقة في سنة.. أنتوا فاكرين نفسكوا ضعاف ولا إيه.. مصر دولة كبيرة تعمل كل حاجة، أنتوا فاكرين إني هسيب مصر هفضل أبني فيها واعمر لحد ما تنتهي يا حياتي يا مُدّتي".
وفي إطار الانتقادات للحكومة، لوّح السيسي إلى أسلوب عمله في الجيش قبل توليه الحكم، قائلا: "أسلوب تنفيذ المشروعات على مراحل الذي تقوم به الحكومة غير مناسب.. اسألوا عني في الجيش أنا مبشتغلش غير مرحلة واحدة فقط لأني معنديش وقت".
في حين أطلق نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، سلسلة من التغريدات والتدوينات، رداً على قوله: "هفضل أبني فيها وأعمر لحد ما تنتهي يا حياتي يا مدتي"، بالإشارة إلى أن الرجل سيظل فترة طويلة في الرئاسة مثل الرئيس المخلوع حسني مبارك.
وطالب السيسي، المصريين بتنفيذ كل ما يقوله ويخطط له، قائلاً: "بقول للمصريين اسمعوا كلامي أنا بس".
كما استحضر الرئيس المصري، عدداً من الإنجازات الوهمية، التي لم تؤثر إيجاباً على تحسّن الأوضاع المعيشية، فضلاً عن إطلاق وعود جديدة تتعلق بعمل الشباب وتحسين الأوضاع وبناء وحدات سكنية جديدة.
ولم يذكر في أي بند من البنود التي تعرض لها حديثه، آليات تنفيذ تلك الوعود، فضلاً عن عدم توضيح كيفية توفير الأموال المستخدمة في تلك المشروعات.
ووجّه السيسي عدداً من الرسائل دون أن يذكر من المقصود بها، قائلاً: "إنتوا بتعيرونا بفقرنا"، مستكملاً حديثه: "أنا لو ينفع أبيع نفسي هبعها".
ولم يتوقف مسلسل التهديدات والمؤامرات الخارجية، قائلاً: "إن كل التحديات التي ممكن نتكلم عليها والمخاطر لا يوجد لها أي قيمة بوحدة المصريين.. والدولة المصرية كانت ولا تزال معرضة للتهديد"، مشيراً إلى أن ما يحدث الآن هو محاولة لإحداث خلافات في الدولة.
وعن مسألة هدْم الدولة، أعاد الرجل إنتاج كلمات الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، المشهورة "من أنتم"، ليقول: "لا بد من عدم الانصياع لأي مغرض يحاول هدم الدولة المصرية، "إحنا النهاردة هنقطع مصر ولا إيه؟ مش هسمح بكده، خلوا بالكوا محدش يفكر إن طولة بالي معناها أن البلد تتقسّم".
وتابع: "أقسم بالله اللي هيقرب لمصر هشيليه من على وش الأرض إنتم فاكرين الحكاية إيه أنتوا مين"؟
وبدا حديث السيسي عن سد النهضة، إقراراً بفشل التعامل مع الأزمة وبداية التعامل مع الأمر الواقع، قائلاً: "أشارك المواطن قلقه من فقر المياه، ومصر بصدد عمل محطات معالجة مياه تضاهي نظيراتها خلال العشرين عاماً الماضيين".
وأضاف: "في سد بيتعمل، وهنتفق مع الناس على عدد سنين معينة عشان يحجزوا المياه"، مطالباً المصريين بعدم الحديث أو الكتابة عن سد النهضة من دون دراسة.
وقال السيسي أيضاً: "والله العظيم لو ينفع اتباع لأتباع علشان نعمل للناس ما يليق بيهم"، مضيفاً: "أن صندوق تحيا مصر إجمالي المبلغ فيه 4.7 مليارات جنيه، منها مليار جنيه من الجيش، لو كل واحد صبح على مصر بجنيه من الموبايل كل يوم هنجمع 4 مليارات في السنة".
واستمع السيسي لرؤية الحكومة عبْر رئيس الوزراء شريف إسماعيل، وعدد من الوزراء، حول الرؤية الاستراتيجية، فيما عقّب الرجل على مجمل الأحاديث التي دارت خلال لقاء التدشين، اليوم الأربعاء، بمسرح الجلاء.
واتّهم سياسيون وإعلاميون مصريون، السيسي، بإعادة نشر تقرير، لبوابة "الأهرام" الإلكترونية، نقلته من جلسات الحوار الوطني، قبل حوالي 5 سنوات، والادعاء بأنه يمثل خطة جديدة شاملة، لأوضاع الدولة المصرية، بعد 15 عاماً من الآن.
ووضع نشطاء نسخة من التقرير المنشور بالأهرام، منذ عام 2011، مؤكّدين، أنه يتطابق مع ما تم عرضه اليوم، خلال افتتاح السيسي لمؤتمر، وبنفس العنوان: "رؤية مصر 2030".
واللافت أن هذه الرؤية لمصر "2030"، تأتي عقب أيام قليلة من إطلاق رؤية أخرى مماثلة حول تحقيق التنمية في 2063، تلك التي أعلن عنها السيسي بنفسه خلال مؤتمر الاستثمار في أفريقيا، الذي عُقد بمدينة شرم الشيخ.
وعلى ما يبدو أن رؤية التنمية في "2030"، جاءت عقب انتقادات وسخرية من حديث الرجل، في محاولة لتهدئة الشارع الغاضب، بخاصة بعد التراجع الاقتصادي الكبير وتأزم الأوضاع المعيشية.
اقرأ أيضاً: مصر: "حكومة الظل" تخطط لتعديل وزاري لاحتواء الغضب