السياسة الخارجية الروسية تنقذ بوتين من غضب الشارع

31 ديسمبر 2015
التأييد الشعبي لبوتين ارتفع إلى أكثر من 80%(ساشا مردوفيتش/Getty)
+ الخط -


تودّع روسيا عاماً عصيباً عاشته في ظل عمليتها العسكرية في سورية، وأسوأ حادثة طيران في تاريخ الطيران الروسي في سيناء، وتدهور العلاقات مع تركيا، وتمديد العقوبات الغربية عليها، وتراجع أداء الاقتصاد بعد هبوط أسعار النفط إلى ما دون 40 دولاراً للبرميل.

لكن اللافت أنه على الرغم من سوء الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم إلى قرابة 13 في المائة، وانكماش الاقتصاد الروسي بنسبة تقارب 4 في المائة وتراجع قيمة العملة الروسية "الروبل" بشكل كبير، لم تشهد روسيا أي احتجاجات حاشدة أو واسعة النطاق باستثناء اعتصام سائقي سيارات النقل الثقيل، رفضاً لفرض رسوم المرور في الطرق الفدرالية.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نسبة التأييد الشعبي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لم تنخفض إلى ما دون 80 في المائة منذ ضم شبه جزيرة القرم في مارس/ آذار 2014، بل سجّلت رقماً قياسياً في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لتقارب التسعين في المائة، وذلك بعد مرور أسابيع على بدء العملية العسكرية الجوية في سورية.

وتثير هذه الأرقام الدهشة حتى من طرف منظمي استطلاعات الرأي أنفسهم، إذ اعتبر رئيس المركز الروسي لدراسة الرأي العام، فاليري فيدوروف، أن ارتفاع شعبية بوتين على الرغم من تردي الأوضاع الاقتصادية، بمثابة أهم مفارقات عام 2015، مشيراً إلى أن السبب في ذلك يعود إلى أن روسيا تعيش في "زمن تاريخي" منذ عام ونصف عام.

إلا أن الصحافية في جريدة "نوفايا غازيتا" الليبرالية المعارضة، يكاتيرينا فومينا، ترى أن شعبية بوتين تعتمد بشكل أساسي على الأغلبية الصامتة التي تحصل على الأخبار حول نجاحات السياسة الخارجية الروسية من وسائل الإعلام الموالية للحكومة. وتقول فومينا لـ"العربي الجديد": "أصبح سكان روسيا يُحمّلون الغرب والولايات المتحدة المسؤولية عن كل شيء، وحتى تدني معاشات التقاعد وانتشار البطالة في بلادهم، وتأتي الأخبار حول نجاحات العملية العسكرية في سورية على رأس الأجندة اليوم، خلفاً لدعاية مماثلة حول أوكرانيا في العام الماضي".

وسبق لروسيا أن شهدت موجة من الاحتجاجات الحاشدة في التوقيت نفسه قبل أربعة أعوام، أي في نهاية عام 2011 والنصف الأول من عام 2012، للمطالبة بإجراء انتخابات برلمانية نزيهة. وعلى عكس هذا العام، كانت روسيا تعيش فترة رخاء اقتصادي في ذلك الوقت، وبذلك كانت التظاهرات سياسية بامتياز.

وتشير فومينا إلى أن أغلب المتظاهرين قبل أربع سنوات كانوا من المثقفين والشباب والمراقبين في الانتخابات. وتضيف: "كانت الاحتجاجات سلمية ومصرحاً بها، وخصصت ساحات لها، وقامت الشرطة بتأمينها".

اقرأ أيضاً: تصعيد روسي عسكري وسياسي في سورية

إلا أن وتيرة الاحتجاجات تراجعت في ما بعد، لا سيما بعد تشديد قانون التظاهر في يونيو/ حزيران 2012 ورفع الحد الأقصى للغرامات وصدور أحكام بالسجن بحق عدد من المحتجين، بتهمة "الاعتداء على أفراد الأمن" خلال "المسيرة المليونية" الرافضة لتنصيب بوتين رئيساً في 6 مايو/ أيار 2012، في ما عُرف إعلامياً بـ"قضية ساحة بولوتنايا". وتزامن ذلك مع عودة بوتين إلى الرئاسة بعد أن شغل منصب رئيس الوزراء لمدة أربعة أعوام.

وكان الناشط أليكسي بوليخوفيتش، واحداً من أولئك الذين أدينوا في "قضية ساحة بولوتنايا"، وتم سجنه لأكثر من ثلاث سنوات، إلى أن تم الإفراج عنه قبل شهرين. ويقول بوليخوفيتش لـ"العربي الجديد": "خوفاً من بولوتنايا جديدة قد تنال تأييد جزء هام من السكان الغاضبين، تمارس السلطة هذه الدعاية لإبعاد الأنظار عن المشكلات الداخلية إلى أخرى خارجية مفتعلة". ويضيف: "لذا، يعتبر المواطن الروسي العادي أن المحتجين هم إما عملاء للأجهزة الأميركية وإما أغبياء". ويتوقّع الناشط الروسي ألا يخرج سكان روسيا إلى الشوارع للتظاهر إلا بعد بلوغ الأزمة الاقتصادية ذروتها، وهي لم تصل إلى هذه المرحلة بعد.

وسبق للملياردير الروسي السابق، ميخائيل خودوركوفسكي، أحد أبرز خصوم الكرملين، الذي عاد إلى المشهد السياسي خلال الأسابيع الأخيرة، أن توقّع استنزاف موارد النظام الحاكم في روسيا في العام 2017.

يُذكر أن حركة الاحتجاجات في روسيا أصبحت شبه معدومة بعد ضم القرم، إذ تحوّل عدد كبير من المواطنين المعارضين إلى مؤيدين، لقناعتهم بأن شبه جزيرة القرم أرض روسية تاريخياً أصبحت تتبع لأوكرانيا نتيجة لخطأ إداري في حقبة الاتحاد السوفييتي، ومنذ ذلك الحين، تفشل المعارضة الروسية في حشد أنصارها.

اقرأ أيضاً: خودوركوفسكي يعود إلى المشهد ويتوقع ثورة في روسيا