السياسات العمومية وطبيعة النظام السياسي

14 أكتوبر 2014
+ الخط -

تم الخروج، بعد مدة طويلة، من ممارسة السياسات العمومية إلى صياغة سؤال كبير: ما هو النظام السياسي الجيد؟ وتم التوصل إلى فكرة مشتركة، مفادها أن "الديمقراطية هي أقل الأنظمة سوءاً"، ليتطور الأمر، فيما بعد، ويتغير السؤال المركزي، ويصبح: كيف يمكن الحكم بشكل "جيد" في ديمقراطية ليبرالية؟ وأضحى الجواب هو القيام بسياسات عمومية فعالة وعقلانية.

إن تقييم السياسات العمومية مرتبط، إجمالاً، بالدولة الحديثة التي تحمل مشروعاً، وتهدف إلى خدمة الإنسان، وتوفير الظروف المادية والمعنوية لعيشه. لذلك، السياسات العمومية تلزم الديمقراطية، مادام الأمر يتطلب مواجهة بين وجهات النظر، وأن تكون هناك تعددية للتقييم وضرورة الدخول في نقاش، أي تفعيل المفهوم الديمقراطي للتقييم، الذي يمكن أن يكون مدخلاً لتحويل طبيعة الدولة نفسها، لأن دراسة السياسات العمومية، قبل أن تكون نشاطاً معيارياً، يهدف إلى تقدير أحكام القيمة على السياسات العمومية والبرامج، وقبل أن يكون نشاطاً معرفياً، يتوخى كسب المعارف حول السياسات وتوظيفها، فهو كذلك أداتي، يرغب في تغيير اجتماعي، سواء تعلق الأمر بقرار الفاعلين على الأرض أو بسلوكهم.

لذلك، فتقييم السياسات العمومية هو مكان التقاء توتر دينامي، بين منطق الفعالية بالقرارات والمنطق الديمقراطي، مادام تقييم السياسات العمومية يجمع الشرعية العلمية ونظام الشرعية التداولية، التي تشكل ضمانة مسطرية لشرعية السياسات العمومية، وليس فقط كنوع اقتصادي.

للسياسات العمومية علاقة بالنظام السياسي، ولأجل فهم المتغير والثابت في السياسات، لابد من معرفة النظام السياسي من الداخل، وحصر الفاعل الحقيقي في عملية اتخاد القرار، والنظام الحزبي وسلوك النخبة والثقافة السياسية السائدة، وكذا الشبكة المؤسسية والتأثيرات الخارجية التي يعمل فيها النظام السياسي، ويتطلب كل هذا التشابك رصد منظومة القيم التي تؤطرها الإيديولوجية السياسية للنظام.

من كل ما سبق، طُرِح سؤال عما إذا كانت طبيعة النظام السياسي تُنْشِئ وتُسبب إكراهات خاصة لسير العمل العمومي في ظرفيات محددة. لذلك، تجد السياسات العمومية صعوبة كبيرة في الدول النامية، طالما أنها تُلزم، بشكل جلي، المسؤولية السياسية للحاكمين وشرعيتهم، ولا سيما عندما يتم استحضار تحكم النيوبتريمونيالية في تدبير المرافق العمومية، وشيوع ثقافة الريع المزدهرة على حساب القدرات التوزيعية للدولة، وشخصنة السلطة السياسية التي تجعل من إدارة السياسات العمومية موقع الملاحظة المفضل، والتضحية بالمصلحة العامة على مذبح الحفاظ على السلطة، بالإضافة إلى غياب النقاشات السياسية من خلال فضاء عمومي تعددي.

كيف يمكن تقييم السياسات العمومية في ظل أوضاع كهذه؟ ما زالت مفاهيم عديدة مهزوزة لديها، من قبيل المشاركة السياسية والتمثيلية السياسية وطبيعة الشرعية، التي تعتبر كشفا لِعُرْيِ الدولة ومضعفة للقوة العمومية وسلطة الذين يتمترسون خلف أسطورتها.

من ثم، يمكن طرح السؤال المؤلم: هل توجد سياسات عمومية في دولنا النامية؟
 
يمكن القول إن السياسات العمومية، إن كانت موجودة، فهي في بداياتها الأولى، تستهدف التنميق والترقيع، والرهان على لازمنية تدبير الشأن العام كلما دعت الضرورة لذلك، والتي تجد ضالتها في سياسات تنظيمية، ذات طابع ضبطي، من دون الارتقاء إلى مستوى سياسات توزيعية، أو تخصيص موارد، وسياسات إعادة التوزيع، وكذا سياسات مسطرية. نظرا إلى أن السياسات العمومية هي واقعية الديمقراطية.

BD18E02B-405D-45C5-BA93-662A6CBCE4D5
BD18E02B-405D-45C5-BA93-662A6CBCE4D5
محمد مونشيح (المغرب)
محمد مونشيح (المغرب)