لم يعد سعيد رمضان، البائع المتجول بالقرب من أهرامات الجيزة، يحصي عدد المرات التي اضطر فيها للاستدانة من أجل الوفاء باحتياجات أسرته اليومية، بعد أن أدت موجة اعتداءات إلى هجر السياح بلد الفراعنة.
ويقول رمضان (42 عاماً) الذي يقيم في منزل من الطوب قرب أهرامات الجيزة في غرب القاهرة، "ليس لدي مال لشراء ملابس لأبنائي. لم أعد عملياً أكسب أي شيء منذ أن توقف السياح عن المجيء".
ومع موجة الاعتداءات التي بدأت عقب إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي في يوليو/تموز 2013، هجر السياح مصر كما قاطعوا، أخيراً، منتجعات البحر الأحمر التي كانت لا تزال قبل ثلاثة أشهر تجتذب الرواد.
الضربة القاضية جاءت، في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما سقطت طائرة روسية في شبه جزيرة سيناء وقتل 224 شخصاً كانوا على متنها. وأعلن الفرع المصري لتنظيم الدولة، مسؤوليته عن الحادث، مؤكداً أنه تمكن من إدخال قنبلة في الطائرة بعد أن اخترق الإجراءات الأمنية في مطار شرم الشيخ الذي أقلعت منه الطائرة.
"لم يعد يأتي سياح تقريباً من روسيا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة إلى الأهرامات الآن"، حسب ما أكد رمضان، قبل أن يسرع بالتوجه نحو سائحين صينيين ليبيعهما تماثيل صغيرة لتوت عنخ آمون والملكة نفرتيتي.
وكان آلاف السياح الأجانب يزورون، يومياً، منطقة الأهرامات الثلاثة، ولكن هذا الرواج بات الآن مجرد ذكرى بعيدة، إذ اختفت حافلات السياحة التي كانت تزدحم بها ساحة انتظار السيارات. أما الفنادق التي كانت نسبة الإشغال فيها تصل إلى مائة في المائة فأصبحت مهجورة.
اليوم، ليس هناك سوى بعض الأسر المصرية ومجموعات من الطلاب وقليل جداً من السياح يتنزهون في الموقع الأثري الذي يبلغ عمره 4600 عام.
ويصعد المصريون الطريق المؤدي إلى هضبة الهرم ولكنهم يتجاهلون تماماً باعة العاديات. ولم يعد هناك من يريد التنزه بالحصان في المنطقة، ما أدى إلى يأس أصحاب هذه الخيول الذين اعتادوا تأجيرها للسياح الروس والإيطاليين والفرنسيين، بحسب فرانس برس.
ويقول إبراهيم، فيما يلتقط شاب وشابة مصريان صورة إلى جوار حصانه "من قبل كنت أكسب ألف جنيه يومياً، أما الآن فلو كسبت 100 جنيه يكون هذا يوماً سعيداً".
في مطلع عام 2011، وتحديداً في الثاني من فبراير/شباط، اقتحم عدد كبير من راكبي الخيول والجمال ميدان التحرير بوسط القاهرة، حيث يعتصم آلاف المصريين الرافضين بقاء الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وبينما اتهمت الشرطة وعدد من رجال أعمال مبارك بدفعهم إلى اقتحام الميدان، واتهم الجيش بتسهيل مهمة دخولهم، قيل لاحقاً، إنها كانت مبادرة ذاتية منهم لأن ما بات يطلق عليه لاحقاً "الثورة" عصفت بأرزاقهم وأوقفت السياحة إلى البلاد.
عند مدخل هضبة الأهرامات يتولى شرطة مدججون بالأسلحة حراسة المنطقة ويمنعون دخول أي سيارات إليها باستثناء الحافلات السياحية تحسباً لأي اعتداءات محتملة. كما يختلط عشرات من رجال الشرطة الذين يرتدون الزي المدني بالزوار ويقومون بالتحقق من هوية بعضهم من وقت لآخر.
وفي نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، قتل خمسة رجال شرطة ومدنيون في انفجار قنبلة أثناء مداهمة قوة أمنية شقة في حي الهرم القريب من المنطقة الأثرية، وأعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن هذا الاعتداء.
ويقول دمرداش غانم وهو صاحب محل تذكارات قرب الأهرامات "قبل داعش كان لدي مجموعات من السياح كل يوم، الآن عدد زوار المحل لا يتجاوز ثلاثة أو أربعة سياح يومياً".
ويضيف "كيف يمكن أن تنتظر مجيء السياح إلى المنطقة إذا كانوا يرون كل يوم، أن الناس يتقاتلون".
وبعد بضعة أيام من تحطم الطائرة الروسية، أعلنت موسكو تعليق كل خطوط الطيران المتجهة إلى مصر، فيما أوقفت لندن الرحلات الجوية إلى شرم الشيخ.
وكانت السياحة، وهي قطاع رئيسي في الاقتصاد المصري، تعاني أصلاً من عدم الاستقرار السياسي والعنف الذي شهدته البلاد منذ الثورة التي أسقطت حسني مبارك عام 2011.
وزار مصر 9.3 ملايين سائح عام 2015، مقابل قرابة 15 مليوناً في العام 2010. وبلغت عائدات السياحة 6.2 مليارات دولار عام 2015 بانخفاض نسبته 15 في المائة مقارنة بالعام السابق، بحسب الإحصاءات الرسمية.
وفور تحطم الطائرة الروسية، انخفضت عائدات السياحة بمقدار 29 مليون دولار شهرياً خلال نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول الماضيين.
ويقول إبراهيم الذي يؤجر الخيول للسياح في الهرم "إننا نتوارث مهنتنا من جيل إلى جيل. لا نعرف مهنة أخرى وعلينا الانتظار إلى أن تتحسن الأمور".
وقبل نحو أسبوع تم العثور على جثمان طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريغيني مقتولاً على جانب طريق صحراوي قريب من أهرامات الجيزة، وعلى جسده آثار تعذيب، وقيل لاحقاً، إن الطالب الذي اختفى مساء 25 يناير/كانون الثاني الماضي، كان يلتقي ناشطين معارضين للسلطة في مصر.
وفي منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، أفادت وزارة الداخلية المصرية بمقتل 12 شخصاً بينهم سياح مكسيكيون أثناء تواجدهم بالخطأ في مكان اشتباكات بين قوات الأمن المصري ومجموعات مسلحة، في حين أكد وزير الخارجية المكسيكي، أن السياح المكسيكيين قتلوا جراء قصف جوي نفذته قوات الجيش المصري، استناداً إلى تصريحات السياح المكسيكيين الناجين من الحادث.
اقرأ أيضاً:هجمات القاهرة الكبرى... ظروف جاهزة لتوظيفها عنفيّاً