السياحة العلاجية العربية [2/4]..إهمال رسمي مصري للاستشفاء بالرمال

03 أكتوبر 2015
العلاج الاستشفائي بالرمال يتطلب إشرافاً طبياً في مصر(فرانس برس)
+ الخط -
يعاني المهندس المصري، سيمون صفوت من طفح جلدي يأبى أن يفارقه بعد إصابته به بسبب علاج خاطئ تعرض له من قبل معالج بالرمال الساخنة، في واحة سيوة، غربي مصر. يقول صفوت إنه "وضع جسده في الرمال الساخنة، امتثالا لأمر المعالج، لكنه أصيب، بحرق وحكة جلدية شديدة، إذ لم يتحمل المكوث في الرمال أكثر من عشر دقائق".

توجه صفوت إلى المعالج بعد نصيحة أصدقائه بسبب معاناته من آلام في العظام، لكنه أصيب بطفح جلدي وحكة نتيجة حساسية نادرة يعاني منها منذ الصغر لعنصر الحديد المتوفر بكثرة في الرمال التي تم دفنه فيها. على الرغم من إبلاغه المعالجين عن مرضه المزمن بالحساسية، إلا أنهم أكدوا له عدم أهميتها، وهو ما تسبب في مرض جديد استغرق علاجه أسبوعا كاملا باستخدام مضادات الحساسية، ما جعله يطالب بوقف فوضى العلاج الاستشفائي.

اقرأ أيضا: السياحة العلاجية العربية[1/4].."نفط الأردن" يعاني غياب الاستراتيجات

فوضى العلاج الاستشفائي

الشابة الثلاثينية سهيلة عبد الموجود، إحدى ضحايا فوضى العلاج الاستشفائي، إذ عانت من ألم بالغ في العظام والأطراف، ما دفع بعائلتها إلى تشجيعها على الذهاب إلى منطقة غرب سهيل النوبية، بعد اختلاف الأطباء في تشخيص مرضها، ما بين فريقين، أحدهما تحدث عن أن مرضها هو الذئبة الحمراء، فيما قال آخر إنها تعاني الروماتيد.

على الرغم من خوفها خضعت سهيلة لجلسات علاجية في الرمال. تكلفت الجلسة الواحدة من مائة جنيه مصري (قرابة 13 دولارا أميركيا)، عقب خوض ست جلسات علاجية، شعرت بالتحسن لمدة تزيد على 60 يوماً، إلا أن الألم هاجمها مرة ثانية، ما اضطرها إلى زيارة عدة عيادات لأطباء في تخصصات العظام والأعصاب لتعرف أن تشخيصها الأول كان خاطئا، وأنها مصابة بأحد الفيروسات المناعية التي تهاجم الأعصاب، فيما أبلغها طبيبها المعالج أن الراحة التي شعرت بها بعد جلسات العلاج بالرمال طبيعية، لأن الإجهاد العام هو أحد أسباب تزايد حدة النوبات، وتلك الجلسات أزالت فقط الشعور بالإجهاد.

27 مليار دولار

يؤكد رئيس المنظمة العربية للسياحة الدكتور بندر آل فهيد، أن الدراسات الإحصائية، أوضحت أن السياحة العلاجية والاستشفائية، بلغ حجمها مائة مليار دولار، على مستوى العالم، فيما بلغ إنفاق العرب نحو 27 مليار دولار على الأمر، مما يشير إلى أهمية استغلال هذا المجال وتنميته بالمنطقة العربية والاستفادة منه، بقدر الإمكان للاستحواذ على مساحة أكبر من هذا السوق.

وطبقاً لتقديرات مؤتمر "التعليم الطبي والسياحة العلاجية بين الواقع والمأمول" الذي عقد في نقابة الأطباء المصرية فبراير/ شباط الماضي، فإن السياحة العلاجية يمكنها زيادة عدد السائحين القادمين إلى مصر، بقرابة نصف مليون سائح، سنوياً وهو ما يدر دخلاً يقدر بخمسة مليارات جنيه على الأقل، وفقا لدراسات أجراها مشاركون بالمؤتمر.

تنتشر في مصر مناطق السياحة العلاجية، وبها أقدم مراكز السياحة العلاجية وهو مركز حلوان الكبريتي للطب الطبيعي والروماتيزم، والذي بدأ كمجموعة من الحمامات للمياه الكبريتية تم إنشاؤها سنة 1899، وتم تجديدها وإنشاء مركز كامل عام 1955، كما تضم مصر 16 موقعا للسياحة العلاجية منها غرب سهيل بأسوان، وواحة سيوة بالصحراء الغربية، ومنطقة سفاجا، ووادي النطرون ووادي المريوط بالصحراء الغربية أيضا.

اقرأ أيضا: المحكمة الدستورية والسيسي.. لا أرى لا أسمع لا أحكم

غياب التأشيرة العلاجية

على الرغم من انتشار مواقع السياحة العلاجية في مصر، إلا أن هذا النشاط طبقاً لمسؤولة لجنة العلاقات الخارجية في نقابة الأطباء الدكتورة امتياز حسونة غير مفعل في مصر، مشيرة إلي أن نشاط السياحة العلاجية الحادث حاليا مجرد محاولات فردية، غير منظمة تعاني العشوائية.

وتضيف حسونة في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد" : "مصر لا يوجد بها ما يعرف باسم "تأشيرة العلاج" الموجودة في أغلب الدول العربية مثل الأردن التي تتحدث أرقام عن تحقيق السياحة العلاجية والاستشفائية بها قرابة 1,2 مليار دينار أردني سنوياً من السياحة العلاجية، كما لا تتولى وزارة الصحة أو السياحة مسؤولية تنظيم هذا النشاط في مصر".

وأوضحت حسونة أن مصطلح السياحة العلاجية لا ينطبق فقط علي الاستشفاء الطبيعي بل يضم أيضا العمليات العلاجية، وما هو يتطلب إصلاح البنية التحتية لمستشفيات مصر، وتشديد الرقابة علي المؤسسات العلاجية، حتى يضمن السائح أنه سيتلقى خدمة تناظر ما يتلقاه في بلاد منافسة عربية وآسيوية.

وقالت حسونة إنها طالبت بإنشاء مجلس للصحة يضم هيئة السياحة العلاجية، باعتبارها كنزاً يمكن رفع مستوى الدخل القومي المصري، ووضع برامج العلاج والإعلان عنها والتنسيق بين وزارتي الصحة والسياحة ليتم إنشاء ما يعرف بخدمة "من المطار إلى المطار" وهو عبارة عن برنامج سياحي وعلاجي متكامل، والتعاون مع شركات السياحة والهيئات الطبية العالمية، وذكرت أنها تلقت طلبات من هيئات طبية لتنفيذ برامج سياحية وعلاجية شريطة وجود جهة رسمية تتولى مسؤولية الترويج للأمر.

وأوضحت حسونة أن عمليات العلاج الطبيعي باستخدام الرمال في مناطق واحة سيوة وكذلك في أسوان لا تتم تحت إشراف طبي، وأشارت إلى أن مجلس الصحة العلاجية الذي تطالب به يضم جهة لتدريب المعالجين الذين يتوارثون المهنة شريطة العمل تحت إشراف طبي، وتقول "هناك حالات لا يمكنها تحمل هذه الجلسات مثل مرضى القلب، الذين قد يؤدي دفنهم في الرمال الساخنة إلى تعرضهم لخطر السكتة القلبية بسبب الصدمة".

غياب الترويج للسياحة العلاجية

في أسوان آخر محافظات وادي النيل، يعمل قاسم محمد أحد منظمي أفواج السياحة العلاجية، في الترويج لسياحة العلاج باستخدام الدفن في الرمال، في منطقة "غرب سهيل" النوبية، وطبقاً لقاسم، فبرامج الاستشفاء لا توجد على أجندة الشركات السياحية الكبرى، وهو ما دفعه مع عدد من منظمي رحلات أفواج السائحين، إلى تولي الأمر، بشكل شخصي.

لكن قاسم يرى أنه لا توجد ضرورة لإشراف طبي على جلسات الاستشفاء، لكونها جلسات تعتمد على الحرارة فقط، وبالتالي لا تؤدي إلي أي آثار جانبية ممكنة، على حسب قوله وهو ما يخالف ما تنادي به مسؤولة لجنة العلاقات الخارجية في نقابة الأطباء.

ويتفق المعالج شريف السنوسي، الذي يعمل في واحة سيوة في منطقة حمامات رمال الدكروري، مع الرأس السابق، قائلا "خبرتي تتمثل في العلاج بالرمال والمياه الكبريتية، وهي خبرات متوارثة عن الأجداد".

ويضيف السنوسي " لا يوجد إشراف طبي على عملنا إلا في حال استدعاء الطبيب من قبل المريض"، مشيراً إلى أن العلاج الطبيعي بحمامات الرمال أتى بنتائج في حالات الروماتيد وآلام المفاصل، والروماتيزم، وبعض حالات الصدفية، والغضروف وخشونة المفاصل وكذلك البواسير وتأخر الانجاب، (لم يثبت طبياً فعالية الاستشفاء الطبيعي في الحالتين الأخيرتين).

وأوضح السنوسي لـ "العربي الجديد" أن علاج الأمراض الجلدية يبدأ بحمام في المياه الكبريتية لمدة ثلاثة أيام، بحيث يتم تطهير الجسم الخارجي للمريض، ويلي ذلك عملية الدفن في حمامات الرمل، والتي تستمر مدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الأول يتم وضع المريض في الرمال الساخنة لمدة 5 ساعات، ينقل فيها إلى خيمة مغلقة ثم يتم تنظيف الجسد، وهو ما يتم مع من يعانون من أمراض العظام، ويكون الاختلاف في مرحلة التدليك، فمريض العظام يتم تدليكه بالخل والليمون والزيت بينما مريض الجلدية يتم تدليكه بتركيبات عشبية.

وعن مخاطر استخدام طريقة العلاج بالدفن بالرمال، يقول السنوسي "بالتأكيد نعلم أن هذه الجلسات، ممنوعة على مرضى ضعف عضلة القلب، وكذلك المرضى المرتفعة حرارتهم، ومرضى الكسور الحديثة التي لم يمر عليها عام"، لافتا إلى أن مدة عملهم تبدأ من شهر يونيو/حزيران وحتى سبتمبر/أيلول من كل عام.

اقرأ أيضا: إمبراطورية الجيش المصري (2-2)..سيطرة عسكرية على الثروة السمكية

البنية التحتية

"لا توجد بنية تحتية للسياحة العلاجية في مصر" هذا ما يؤكده باسم حلقة نقيب السياحيين المصريين، مشيراً إلى أن الشركات السياحية لا تستطيع اعتماد برامج للسياحة العلاجية من دون خلق بنية تحتية. وأضاف حلقة لـ"العربي الجديد" أن محاولات عديدة جرت للربط بين وزارتي السياحة والصحة، وكان وراءها نقابتا السياحيين والأطباء لتفعيل وعود الحكومة المستمرة لتطوير السياحة العلاجية.

وقال حلقة "الحكومات قدمت الكثير من الوعود بتطوير السياحة العلاجية من دون فائدة، وكان آخرها وعود تطوير عيون حلوان التي تم شطبها من قائمة مناطق الاستشفاء والسياحة العلاجية بسبب الإهمال إذ تم إغلاق العيون بالكامل، بسبب التلوث الذي ارتفعت نسبته بسبب مصانع الإسمنت القريبة جداً من عيون حلوان التي كانت تعد أقدم مراكز الاستشفاء في العالم منذ عهد الفراعنة، إذ كان المصريون يعتبرون هذا المكان هبة من الآلهة.

يتابع حلقة أن شركات السياحة تتلقى الكثير من الطلبات بتنظيم رحلات سياحة الاستشفاء، لكن المشكلة الأساسية هي غياب هيئة مسؤولة عن مراقبة الأمر. ويطالب نقيب السياحيين، الحكومة المصرية، بالاقتداء بتجربة الأردن التي استطاعت الترويج للسياحة العلاجية والاستشفائية، قائلا "برامج الدعاية لهيئة تنشيط السياحة لا تتضمن أي إشارة لأماكن السياحة العلاجية والاستشفائية، لماذا سيأتي السائحون؟".
دلالات