يصر العشريني الدنماركي فانستروب على خوض مغامرة نقل اللاجئين السوريين بمركب خاص، نحو السويد، رغم إدراكه مخاطر النقل غير القانوني للاجئين، وعواقب ذلك قانونيا، لكنه يرى أن "التهريب الإنساني" الذي يقوم به قضية نبيلة.
لا يشعر فانستروب بالخوف من اكتشافه واعتقاله، إذ يقول "سوف أستمر بعملي، فهؤلاء اللاجئون لن يتوقفوا عن محاولة الوصول بطريقة أو أخرى إلى السويد، وقد يفعلها مهربون، لكنني أقوم بذلك مجانا"، يتابع "لست متفقا مع القانون، وفي الحالات الطارئة يمكن خرقه. القضية إنسانية بدون مكاسب".
اقرأ أيضا: الدنمارك.. مستوى السوريات التعليمي يثير دهشة أرباب العمل
السويد تقود التشدد حيال اللاجئين
يرفض فانستروب ودنماركيون آخرون من بينهم المرشحة للانتخابات البرلمانية السابقة، أنيكا نيلسن، الإجراءات المتصاعدة في الدول الاسكندنافية بقيادة السويد، التي تقوم بتسيير باخرتين وطائرة لمراقبة شواطئها التي لا تبعد عن مقابلتها الدنماركية عشرين دقيقة بحرا، لمنع وصول اللاجئين إليها، على الرغم من أن السويد كانت البلد الأوروبي الأكثر تسامحا وانفتاحا على اللاجئين، مقارنة مع مجموعة دول الشمال الاسكندنافية، قبل أن تبدأ الحكومة الديمقراطية والمدعومة من اليسار ويسار الوسط بجملة من السياسات المتشددة في الإجراءات والتشريعات لـ"الحد من تدفق اللاجئين" كما وثق معد التحقيق.
وفق أحدث الإحصائيات السويدية الرسمية، يحتل السوريون المرتبة الأولى، في محاولات اللجوء، لدى ستوكهولم بحوالي 54-60 ألف طالب لجوء في السويد، لعام 2015، ويتوقع نفس العدد للعام 2016، يليهم العراقيون الذين يتراوح عدد طالبي اللجوء من 29 إلى 36 ألف لاجئ، والفلسطينيون من 5 إلى 8 آلاف طلب، ثم الأفغان وهم النسبة الأكبر بعد السوريين وعددهم يتراوح بين 25 إلى 38 ألفا. والأخيرون هم من ترغب السويد بإعادة عدد كبير منهم، وخصوصا هؤلاء الذين يدعون بأنهم تحت سن الثامنة عشرة.
اقرأ أيضا: العائدون إلى حضن الأسد.. 5 اختراقات إعلامية للثورة السورية
أبرز وسائل التشديد السويدية
بحسب الصحافة السويدية واختصاصيو الهجرة واللجوء، فإن التشديدات التي أدخلتها السويد في تعاملها مع اللاجئين تهدف إلى جعل السويد "أقل جذبا بالنسبة للمهاجرين وطالبي اللجوء". ومن أهم البنود التي أدخلت، تلك التي تتعلق بالإقامات أساسا، وأهمها أن كل طالبي اللجوء، عدا لاجئو الكوتا الذين يحضرون عبر منظمة الأمم المتحدة من معسكرات اللجوء خارج السويد وفي البلدان المحيطة بدولهم، يمنحون فقط إقامات مؤقتة لمدة 3 سنوات يعاد النظر فيها بعد ذلك، على أن يتم تحديد إمكانيات لم الشمل مستقبلا، وعلى كل القادمين التوجه لمدارس تعلم اللغة ومادة الاجتماع للتعرف أكثر إلى المجتمع السويدي.
من بين أهم وسائل التشديد، ضرورة الاعتماد الذاتي على مصدر الدخل، أي ضرورة أن يعمل اللاجئون بدل الاعتماد على المساعدات الاجتماعية المالية الممنوحة من البلديات، وخصوصا فيما يتعلق بتحمل مسؤولية اقتصادية ومعيشية بالنسبة لمن يريد لم شمل زوجته وأطفاله من دون أن تتحمل البلديات أية مسؤوليات اقتصادية، والحد من فرص الحصول على "الإقامة الإنسانية" (غير إقامة اللجوء السياسي) لأي سبب كان، ومراقبة الحدود والداخلين عبر السفن والسيارات والقطارات والمطارات، ومطالبتهم بإظهار جواز السفر وأوراق ثبوتية تثبت هوية الداخلين إلى البلاد.
وكشفت تقارير رسمية سويدية أن ستوكهولم استقبلت خلال العام المنصرم 2015 ما يقارب 163 ألف طالب لجوء، وهو رقم قياسي، فاق كل الأرقام السابقة بما فيها الرقم الأعلى في تاريخ البلاد، إبان الحرب الأهلية اليوغسلافية في 1992، حيث استقبلت البلاد آنذاك 84 ألف لاجئ من قوميات مختلفة في يوغسلافيا السابقة. ووصلت أعداد من استقبلتهم السويد في 2015 إلى ضعف من استقبلتهم في عام 2014 حيث وصل الرقم إلى 81 ألفاً، وللعام الجاري 2016 تتوقع أن يكون الرقم بين 100-170 ألفا، وبأن تستمر ذات الأرقام في العام الذي يليه.
بحسب السلطات السويدية، فإن التكاليف الخاصة برعاية اللاجئين، تصل إلى نحو 10 مليارات دولار في العام الواحد. وفي الأعوام التالية لا تختلف الأرقام كثيرا، بينما يخصص لموازنة وزارة الدفاع السويدية نحو 5 مليارات دولار، وهو تقريبا الرقم ذاته لقطاعي العدل والشرطة وحوالي 9 مليارات دولار للمدارس والأبحاث سنويا. تلك الأرقام المشار إليها رسميا في تقرير مصلحة الهجرة السويدية تهم المواطن السويدي جدا، وهي أرقام يستخدمها اليمين المتشدد للدلالة على التكاليف الباهظة التي تقدر بـ3 في المائة من الموازنة العامة من دافعي الضرائب وحكومتهم.
وبالرغم من التشديدات الأخيرة، فإن وزيرة الأجانب والدمج الدنماركية، أنغا ستويبرغ تجد أن "سياسة تشديد اللجوء والهجرة في السويد ما تزال مخففة كثيرا"، فالدنمارك التي تشددت أكثر فأكثر، تريد من السويد تقريبا تبني سياستها، وخصوصا تجاه لم شمل اللاجئين. إذ طاولت التشديدات الأخيرة في الدنمارك، الحاصلين على لجوء سياسي نتيجة الملاحقة الفردية، ولم يعد هؤلاء قادرين على لم شمل عائلاتهم (الزوجات والأطفال) قبل مرور 3 سنوات في مقابل سنة سابقا قبل التشديدات الأخيرة.
وتؤكد مصادر في الشرطة الدنماركية تحدثت إلى "العربي الجديد"، أنه لا يتم فحص جوازات سفر المغادرين نحو السويد، كون الأمر يتعلق باتفاقية شنغن، لكن حين بدا الضغط كبيرا على مصلحة الهجرة والشرطة في السويد، بدأت إعادة طالبي اللجوء".
اقرأ أيضا: القيصر والغازي.. بوتين وأردوغان يعيدان صراع الماضي
التهريب عبر القوارب المطاطية
التشديدات السويدية، والتي تطلبت حمل جواز السفر حتى بالنسبة للجيران الاسكندنافيين، خلقت سوق تهريب آخر يشبه ذلك الذي يجري بين تركيا واليونان وبقية البلقان ووسط أوروبا. وتعترف الشرطة السويدية بأنها تواجه مشكلة أخرى تتمثل في استغلال بعضهم الإجراءات المشددة لفتح سوق تهريب عبر السيارات والأخطر "عبر قوارب مطاطية كتلك المستخدمة بين إزمير والجزر اليونانية". وفق ما يقول المتحدث باسم الشرطة السويدية في القطاع الجنوبي يارل هولمستروم، متابعا:"بتنا نرى المزيد ممن يحاولون التهريب عبر السيارات بالاختباء في الصناديق أو الاستلقاء على أرضيتها. هؤلاء أرادوا بكل الأحوال الوصول إلى السويد فاكتشفوا مؤخرا بأن الحدود ليست مفتوحة كما ظنوا".
أوسلو تستنسخ الإجراءات السويدية
عقب الإجراءات السويدية الأخيرة، استنسخت النرويج، إجراءات رقابة مشددة على حدودها مثلما فعلت السويد، وهو ما انعكس بشكل واضح على أعداد طالبي اللجوء باتجاه أوسلو وفق ما قاله فرودا فورفانغ مدير مديرية الأجانب في أوسلو (أودي) لـ"العربي الجديد".
وتابع فرودا، أن الإجراءات المتخذة في مراقبة الحدود أدت إلى انخفاض ملموس في أعداد طالبي اللجوء والإقامة، وضرب مثالا بالفترة من 23 إلى 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي شهدت تراجعا في أعداد اللاجئين بنسبة 54 في المئة خلال أسبوع واحد من الإجراءات السويدية "التي خففت عنا كثيرا بسبب تشديد الرقابة على حدودها" بحسب تعبير فورفانغ.