السوريون في تركيا: حطب في نار الانتخابات

17 مايو 2018
نحو 3 ملايين و400 ألف سوري في تركيا (Getty)
+ الخط -
عاد ملف السوريين المقيمين في تركيا إلى واجهة التداول، بعد إعلان رئيسة "الحزب الجيد"، ميرال أكشنار، نيّتها إعادتهم إلى بلادهم في حال فوزها بالانتخابات الرئاسية، ما أثار مخاوف على مصير هؤلاء وإمكان سحب الجنسية التركية من السوريين الذين حازوا عليها، غير أن ذلك يُقابل بتطمينات من أن وجود السوريين محمي بقوانين دولية في ظل استمرار الحرب في بلادهم.

ولم يعد موضوع استخدام السوريين كورقة انتخابية، موضع تكهّن، بعد أن تعهّدت أكشنار، الأحد الماضي، بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، في حال فوزها بالانتخابات. وقالت خلال خطاب في مدينة مرسين التركية: "أعدكم من هنا، بأن اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا، سيتناولون إفطار شهر رمضان في 2019، برفقة إخوانهم في سورية". ووصفت أكشنار سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بـ"الخاطئة"، لأنها ضاعفت أعداد اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا، معتبرة أن وجود اللاجئين السوريين في تركيا ترك أثراً سلبياً على اقتصاد البلاد.

ورأى محللون أن تصريح أكشنار يهدف لاستثارة الشعب التركي ومحاولة كسب أصوات انتخابية، فضلاً عن أن الخطاب جاء رداً على ما قاله أردوغان قبل يومين، من أن بلاده "ستمنح الجنسية التركية للاجئين السوريين بغية فتح المجال أمامهم للعمل بشكل قانوني في البلاد".
وقال الباحث السياسي المختص في الشأن التركي، سعيد الحاج، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن وجود السوريين في تركيا ما زال إحدى السياسات المختلف عليها بين حزب "العدالة والتنمية" ومعظم الأحزاب المعارضة، وهو ما وجدته مرشحة "الحزب الجيد" فرصة لاستغلالها خلال حملتها الانتخابية. وشدد الحاج على أنه ليس كل الكلام الذي يُرفع خلال الحملات الانتخابية قابل للتطبيق، فالأمر انتقاد لسياسة الباب المفتوح التي أعلنها حزب "العدالة والتنمية" وأردوغان، ومحاولة استثارة الناخب التركي بهدف كسب صوته. وأضاف: "ليس موضوع طرد السوريين سهلاً، كما تحاول بعض الأطراف المعارضة تصويره وتسويقه، فالأمر بات مسألة دولية وحماية لشعب تشهد بلاده حرباً، فضلاً عن أن الكثير من السوريين حصلوا على جنسيات وأقاموا منشآت صناعية وخدمية وتجارية، بل وربطتهم مع الأتراك مصاهرات وعلاقات أسرية". ولم يستبعد الحاج أن يستخدم بقية مرشحي المعارضة التركية للرئاسة ورقة السوريين خلال حملاتهم، خصوصاً مرشح "الشعب الجمهوري"، محرم إينجة، "لأن حزبه الأقرب للنظام السوري، وسبق أن أعلن الحزب ذلك خلال 2015"، وفق قوله.

وكان زعيم حزب "الشعب الجمهوري" كمال كليجدار أوغلو، قد اعتبر خلال الانتخابات البرلمانية السابقة في 2015، أن وجود السوريين سبب استنزاف الاقتصاد التركي وزيادة نسبة البطالة. وطالب وقتها السوريين بالعودة إلى سورية، ملمّحاً إلى الأثر الذي تركته مواقف حزب "العدالة والتنمية" الحاكم على السوريين والأتراك، نتيجة التدخل في الشأن السوري الداخلي، وهو ما تعيده مرشحة "الحزب الجيد" اليوم ومن المتوقع أن يستخدمه غيرها من مرشحي المعارضة.

ورأى محللون أن وجود السوريين في تركيا بعد الانتخابات، لن يكون كما قبلها، حتى لو فاز أردوغان وحزبه. وأشار هؤلاء إلى سيناريوهين متوقعين، الأول وإن كان مستبعداً، وهو فوز مرشح "الشعب الجمهوري"، محرم إينجة بالانتخابات الرئاسية، ما سينعكس سلباً على وجود السوريين في تركيا، لأن هذا الحزب مقرب من نظام بشار الأسد وتجمعه معه علاقات. ما يعني، برأي المحللين، إمكان إعادة السوريين أو معظمهم إلى سورية.
أما السيناريو الآخر، أي فوز أردوغان بمنصب الرئيس وتكتل حزبه "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" بالأغلبية البرلمانية، فسيؤثر على السوريين بنسبة أقل، إذ من المتوقع وقتها أن يتم تسليم حقيبة وزارة الداخلية لـ"الحركة القومية"، الذي يعد بإجراءات مشددة تجاه تدفق العرب إلى تركيا وتعديل قانون الإقامات ووقف إعطاء الجنسية للسوريين أو تعديل شروط منحها على الأقل.


وعن هذا الأمر، قال رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار في تركيا، غزوان قرنفل، إن "معظم الأحزاب والمرشحين للرئاسة، سيستخدمون ورقة السوريين في حملاتهم، إلا أنه لا يمكن طرد السوريين من تركيا، كما يطرح البعض، لأن وجود السوريين هو تحت قانون الحماية المؤقتة ومرتبط باستمرار الحرب في بلادهم، ولا يمكن إعادتهم قبل أن يستتب الأمن".

وحول إمكان سحب الجنسية التركية من نحو 60 ألف سوري تم منحهم إياها خلال الأعوام الأخيرة، شدد قرنفل في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن الجنسية هي حق مكتسب بقوة القانون، ولا يمكن سحبها إلا بموجبات قانونية، كجرم الخيانة وما شابه. ولكنه لفت إلى أنه "يمكن بعد طرح الموضوع في البرلمان وحصوله على أغلبية، أن يتم تجميد الجنسية تمهيداً لسحبها، ولكن هذا ليس نهاية المطاف، إذ يحق للمتضررين اللجوء للقانون والاعتراض، لأنهم حاصلون على حق مكتسب". وأشار إلى إمكانية تراجع الوعود التي قطعت للسوريين حول تجنيس نحو 300 ألف منهم، لأن موضوع السوريين في تركيا موضع خلاف حتى ضمن الأحزاب المتحالفة مع حزب "العدالة والتنمية".

ولم يبتعد المستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول، جيواد غوك، برأيه عن قرنفل، إذ أكد لـ"العربي الجديد"، أن ما يقال حول السوريين لا يتعدى كونه ورقة انتخابية تستخدمها المعارضة لكسب أصوات بعض الأتراك المعارضين للوجود السوري في تركيا والذين يتهمونهم باستنزاف الاقتصاد وزيادة البطالة والمساهمة بسوء علاقات تركيا مع النظام السوري وأطراف أخرى.

ولفت غوك إلى أن حزب "العدالة والتنمية" وأردوغان، لم يستخدما السوريين كورقة، لأن موضوع حمايتهم ومنحهم الجنسية مطروح منذ سنوات، ولم يظهر خلال الحملات الانتخابية كما تفعل بعض الأحزاب اليوم، مشيراً إلى أن طرح سحب الجنسية غير ممكن وغير متوقع، وعلى الأرجح سيتم طيه ونسيانه، حتى إن فازت المعارضة بالانتخابات، على الرغم من أن فرص فوزها ضئيلة وفق نتائج استطلاعات الرأي. وأضاف أن هناك تسويقاً مغلوطاً للسوريين بتركيا، إذ لا يُذكر دورهم في الاقتصاد ولا حتى مساهمتهم بالتطوير والتصدير، بل يتم التركيز على دورهم السلبي والمبالغة بتحميلهم ما لا ذنب لهم به.

وفي هذا السياق، أشارت منصة الاقتصاديين، التي تشرف على برنامج تحسين وضع السوريين في تركيا، في تقرير عن الآثار الاقتصادية للسوريين في تركيا، إلى أن المستثمرين السوريين استثمروا أكثر من 360 مليون دولار في تركيا، من خلال مساهمتهم في الاقتصاد خلال السنوات الست الماضية، وبلغ عدد الشركات التي تم تأسيسها بشراكة السوريين في عام 2016 ألفاً و800 شركة، ونحو ألفي شركة العام الماضي. وذكر التقرير أن مساهمة السوريين في الاقتصاد التركي عام 2014 بلغت 90 مليون دولار، و84 مليون دولار في 2015، و80 مليون دولار في 2016، فضلاً عن نحو 90 مليون دولار عام 2017.
وأضاف التقرير أن الشركات السورية في تركيا تشكل 14 في المائة من إجمالي رأس المال الأجنبي في تركيا بين عامي 2011 و2017، إذ بلغ عدد الشركات السورية 6 آلاف و322 شركة. كما حلّ السوريون أولاً لجهة الحصول على تصاريح العمل في تركيا عام 2017، بعد أن حصل نحو 21 ألف سوري على أذون عمل بنسبة 24 في المائة من مجمل ما منحته وزارة العمل والضمان الاجتماعي.

وتتفاوت أعداد السوريين اللاجئين في تركيا، خصوصاً في ظل عدم تسجيل جميع من هم على الأراضي التركية. لكن وزارة الداخلية التركية ودائرة الهجرة التابعة لها، أكدت عبر إحصائية أخيراً، أن عدد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، تجاوز الثلاثة ملايين و424 ألف لاجئ سوري. وأشارت الإحصائية إلى أن الكثير من اللاجئين السوريين يعيشون في مدينة إسطنبول وعددهم 537 ألفاً و829 سورياً، تليها مدينة شانلي أورفة (462 ألفاً و961 سورياً)، ثم ولاية هاتاي (457 ألفاً)، وغازي عنتاب (350 ألفاً)، ومرسين (191 ألفاً)، وأضنة (171 ألفاً)، تليها بورصة وكلس وأزمير وقونيا على التوالي، فضلاً عن 330 ألفاً و744 لاجئاً يقيمون في مخيمات اللجوء التي أنشأتها تركيا على الحدود التركية السورية.

المساهمون