حدّد وزير الخارجية السعودي السابق، عادل الجبير، عدد اللاجئين السوريين الحاصلين على تأشيرات المملكة بـ"مليونين ونصف المليون منذ بدء الأزمة"، مضيفا أن هناك ما بين 600 ألف و700 ألف سوري ما زالوا في المملكة، ولا يعيشون في مخيمات"، بحسب ما قاله عام 2016 حين كان في منصبه، خلال حوارٍ مفتوح جرى في لندن بالمعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"، ردا على سؤال: "بما أن السعودية قلب العالم الإسلامي، فلماذا لا تفعل ما يكفي للاجئين السوريين؟".
بعد قرابة أربعة أعوام من تصريح الجبير، أعاد نشطاء سعوديون، على مواقع التواصل الاجتماعي وحسابات مروجة للسياسات السعودية، تداول المقطع مرة ثانية في يناير/كانون الثاني الماضي، في ما يشبه حملة منسقة، إذ تمت إعادة تداول تصريحات صحافية مشابهة لـ"مصدر مسؤول" في وزارة الخارجية السعودية، قال في 12 سبتمبر/أيلول 2015: "استقبلت المملكة منذ اندلاع الأزمة في سورية ما يقارب المليونين ونصف المليون مواطن سوري، ومنحتهم حرية الحركة التامة (...)"، ما دعا "العربي الجديد" للبحث حول حقيقة الرقم الضخم، الذي يفوق إجمالي عدد اللاجئين السوريين المسجلين في دول الجوار، وهي لبنان والأردن والعراق، إضافة إلى مصر ودول شمال أفريقيا، الذين يصل عددهم 1.949.414 لاجئا، في حين بلغ العدد في تركيا 3.594.981 لاجئا، بإجمالي 5.544.395 لاجئا، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر بيانات حصل عليها من بوابة البيانات التشغيلية في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
تناقض في الأرقام
لم تسجل بيانات مفوضية الأمم المتحدة وجود أي لاجئ سوري في السعودية، وهو ما يبدو في البيانات وخريطة انتشار اللاجئين السوريين عالميا، وفق آخر تحديث بتاريخ 5 يوليو/تموز 2020.
ولكن ما هي حقيقة عدد السوريين المقيمين في السعودية، وهل ما قاله الجبير حول أعداد من بقي منهم صحيحة؟
تبيّن إحصائية صادرة عن "مركز الملك سلمان للإغاثة" بتاريخ الثامن من يونيو/حزيران 2019 أن "عدد الزائرين (اللاجئين) السوريين بلغ 262 ألفا و573" بحسب ما جاء في الإحصاء، وبالتالي فإنه في حال افتراض صحة الأرقام السابقة، يكون قد غادر السعودية نحو مليونين و250 ألفاً من أصل مليونين ونصف المليون سوري حصلوا على تأشيرات، وهو ما يثير التساؤل عن نوعية هذه التأشيرات والغرض من دخول السوري الذي سرعان ما غادر في ظل أزمة مشتعلة في بلاده، وهل كان الدخول إلى المملكة بهدف اللجوء فعلًا أم لأسباب أخرى ؟
يمكن الإجابة على ما سبق من أسئلة، بأن التقدير السعودي يشمل كافة عمليات دخول المواطنين السوريين القادمين من أي بلد ولأي غرض خلال هذه الفترة، بمن فيهم رجال الأعمال والحجاج وما إلى ذلك. وقد تكون الغالبية العظمى قد غادرت السعودية منذ ذلك الحين، وفق ما تؤكده الباحثة لوري بلوتكين بوغارت الزميلة في "معهد واشنطن" ضمن ورقة "نحو تقييم واقعي لاستقبال دول الخليج للسوريين" المنشورة في 30 سبتمبر/أيلول 2015 والتي لفتت فيها إلى أن العدد لم يزد عن مئات الآلاف، وغالبيتهم عاشوا هناك قبل اندلاع الحرب.
لاجئون بلا قانون لجوء
لم تقرّ السلطات السعودية أي قانونٍ خاص باللجوء ضمن تشريعات الدولة، وكذلك غابت المملكة عن اتفاقية عام 1951، والتي تُعتبر المظلة القانونية الأممية لأوضاع اللاجئين الموقعة من 139 دولة.
وتعرف المادة الأولى من الاتفاقية، اللاجئ على أنّه "شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد.
وبحسب الاتفاقية، فإن الدول المستضيفة للاجئ يجب أن تحترم أحوال اللاجئ الشخصية في ما يخص الزواج والمعاملات الأخرى، إضافةً إلى حرية الوصول إلى المحاكم، وتقديم المساعدات ، ووثائق السفر، والسماح لهم بلم شمل أصولهم (أقاربهم) وتؤمن إمكانية استيعاب اللاجئين وتجنيسهم. وهو ما لا ينطبق على السعودية كما تكشف السطور التالية عبر إفادات وأدلة مصادر التحقيق.
مهاجرون اقتصاديون أم لاجئون؟
لا يحصل السوريون في السعودية على أي مزايا خاصة بهم، مثل الخدمات الصحية والطبية والإسكانية، مع أن السلطات السعودية تزعم أنّها تقدّم الرعاية الصحية المجانية وحرية الدخول في سوق العمل والمدارس الحكومية والجامعات، لكن ذلك غير مدرج في أي سياسة للسلطات للتعامل مع السوريين، في ظل تقارير تتحدث عن عدم تمكن السوريين من العمل والحصول على الخدمات الأساسية، وعدم القدرة على مغادرة البلاد، بحسب إفادة الحقوقي جوش كوبر، نائب مدير مركز "القسط لحقوق الإنسان" (تأسس عام 2014 لدعم حقوق الإنسان في السعودية ومقره لندن).
ويفسر كوبر عدم تسجيل أي لاجئ سوري في مفوضية اللاجئين في السعودية بأنّهم يُصنّفون كمقيمين وليسوا لاجئين، وأضاف لـ "العربي الجديد": "ما قالته المملكة من أنها استقبلت حوالي 2.5 مليون سوري منذ عام 2011، ليس مدعوما بالأدلة واعتبارا من عام 2015، ذكر متحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن هناك حوالى 500 ألف سوري يعيشون في السعودية، لكنهم غير مصنفين لاجئين".
لم تقرّ السعودية أي قانونٍ خاص باللجوء ضمن تشريعات الدولة
الخوف من الترحيل
يمكن للسوريين ممن لديهم إقامات عمل، دعوة أقاربهم من الدرجة الأولى لدخول المملكة بتأشيرة زيارة، وتجدد هذه التأشيرة بشكلٍ استثنائي وفق حديث ستة مصادر من السوريين المقيمين في السعودية، من بينهم ناشط في قضايا السوريين بالسعودية، إذ يجري تمديد تأشيرة الزيارة لمدّة ثلاثة أشهر مقابل 100 ريال سعودي (26.67 دولارا أميركيا) عن الشخص الواحد.
ويصنف الناشط، الذي رفض ذكر اسمه لحماية نفسه من الترحيل، السوريين في السعودية إلى فئات، أولها الحاصلون على إقامات عمل ولديهم كفيل، ومن ثم الحاصلون على تأشيرات زيارة ويتم تجديدها استثناءً، والمرافقون الذين يعيشون بموجب إقامة تابعة لمقيم، والمخالفون الذين لا يملكون أية وثائق.
وأضاف لـ "العربي الجديد" بأن المخالفين وصلوا إلى المملكة بتأشيرات عمرة في أعوام 2014، 2015، 2016 وبقوا في السعودية من دون أية وثائق، موضحًا أنّه اعتبارًا من عام 2017، لم يعد أيّ من السوريين قادرًا على المخالفة والبقاء بسبب القيود المفروضة، سواء على عملية العودة بعد العمرة، أو حتّى القيود التي بدأت تُفرض على جميع المخالفين في المملكة، إذ بدأت في 29 مارس 2017 حملة باسم "وطن بلا مخالف" مدّتها ثلاثين يومًا للسماح للمخالفين بالمغادرة، وبعد انتهاء هذه المهلة بات المخالفون مهدّدون بغرامات تصل إلى 50 ألف ريال سعودي (13332 دولارا أميركيا) والمتسللون 100 ألف ريال والسجن لمدّة ستة أشهر، وأسفرت الحملات التي شنتها السلطات السعودية عن ضبط أربعة ملايين و290 ألفا و 776 مخالفًا داخل المملكة، إضافةً إلى ضبط 77 ألفا و207 أشخاص كانوا يحاولون دخول الحدود بشكلٍ غير شرعي، إلّا أن البيان لم يوضّح جنسيات المضبوطين، بحسب ما ذكرت الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية السعودية عبر "تويتر" في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2019.
ولم تكن إجراءات الترحيل موجودة في عهد الملك عبد الله، ولكنّها ظهرت في عهد الملك سلمان بداية من عام 2017 كما تابع الناشط السوري، موضحًا أنّه لا يتم ترحيل المخالفين إلى الداخل السوري، ولكن يجري تحويلهم إلى مركز احتجاز وترحيل الشميسي خارج جدة (مجمع ضخم يضم أربعة أجنحة للنزلاء الذكور، واثنين للإناث، وواحد للأطفال) لكي تبدأ السلطات السعودية في إجراءات الترحيل، وهناك لا يستطيع الشخص الخروج، ولكن يمكن لذويه زيارته، وفي حال كانت لديه إقامة في دولة ثالثة أو يوجد دولة يمكن ترحيله إليها من دون شروط التأشيرة يتم ترحيله، ولكن في حال كان الترحيل إلى سورية حصرًا فيتم الإبقاء عليه محتجزا.
ويكمل حديثه: "السوريون في السعودية يُعاملون معاملة أي أجنبي آخر، ولكنّهم يستفيدون من ميزة واحدة فقط، وهي أن المقيمين كانوا يستطيعون استخراج تأشيرات زيارة للأقارب من الدرجة الأولى كالزوجة والأولاد، وهذه الميزة استمرّت منذ بدء النزاع في سورية، ولكنّ غالبية الطلبات باتت تأتي مع الرفض وأصبحت نسبة الموافقة منخفضة انطلاقًا من مطلع عام 2019 وذلك بعد سيطرة النظام السوري على مساحات واسعة.
ونفى حصولهم على أي دعم مادي أو دعم للسكن كحال اللاجئين السوريين في الدول الأوروبية، ولكنّه أوضح أن (أهل الخير والمتصدّقون كثر). وبالمقابل، اطلعت "العربي الجديد" على وثيقة من شاب سوري مقيم في الرياض، تثبت أن "المديرية العامة للجوازات" مدّدت تأشيرة الزيارة الخاصة به، ولكن أجبر على التوقيع على تعهّد بأن هذا التمديد هو الأخير، وأن عليه أن يغادر خارج البلاد بعد انتهائها.
ما حقيقة فرص العمل؟
في الوقت الذي تفتح الحياة أبوابها على مصراعيها أمام اللاجئين السوريين في الدول الأوروبية للدراسة والعمل، يواجه أقرانهم في السعودية ظروفًا مختلفةً تمامًا، إذ ينقسم العاملون السوريون في السعودية إلى منظّمين ضمن شركات و"أصحاب أعمال حرّة"، يعملون بمهن خاصّة، بعد الاتفاق مع كفيل سعودي يعطونه أموالًا مقابل أن يكون واجهة لهم في سوق العمل ويدّعي أنّهم يعملون لديه، على ما يقول عصام (رفض ذكر اسمه الثاني خوفا من الترحيل)، وهو سوري وصل إلى السعودية بتأشيرة زيارة في عام 2015 ويعمل في إصلاح الأجهزة الإلكترونية بشكلٍ غير نظامي، مضيفا : "أبقى في حالة قلق وخوف من القبض عليَّ وتوقيفي أو سجني لذلك لا أشعر بالراحة".
ما دفع عصام إلى العمل الحر، كحال الكثير من الأجانب في السعودية، هو أن الرواتب لا تكفي، مشتكيا من استغلال الكفلاء لحال العمّال غير المنظّمين، إذ "يقاسمونهم في رزقهم حسب تعبيره موضحًا أنّه يدفع مبلغ 9 آلاف ريال (2400 دولار) لكفيله سنويًا.
الائتلاف: كل سوري خارج البلاد لاجئ
"يمكن اعتبار كل سوري خارج بلده لاجئاً، لأنه غير قادر على العودة إلى بلده، وسيبقى تحت التهديد بالقتل والاعتقال" كما تقول منسقة مكتب شؤون اللاجئين في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أمل الشيخو، موضحةً أن التعريف القانوني للاجئ حسب المادة الأولى من اتفاقية 1951 فحواه أنه شخص يوجد خارج بلده ولا يمكنه العودة خشية الاضطهاد.
وتابعت الشيخو أن "بعض الدول العربية ودول الخليج لا تستخدم صفة لاجئ مع السوريين، بل غالباً ما يعتبرونهم ضيوفاً أو إخوة". موضحةً أن "المملكة العربية السعودية تعدّ من أكبر الدول الداعمة والمانحة لمساعدة اللاجئين السوريين".
وحول عدد السوريين في السعودية، أجابت: "نعتمد دائماً على الأرقام الصادرة عن جهات رسمية، بالإضافة إلى المنظمات الدولية في الدول التي يقيم بها السوريون بصفة لاجئ أو مقيم، وبالتالي نعتمد على تقديرات المملكة العربية السعودية حول عدد السوريين الموجودين على أرضها".
وأكملت الشيخو: "كل دولة تقدم المساعدة بالطريقة الأنسب وبحسب ظروفها، والسعودية منذ عام 2011 قدّمت تسهيلات متعددة للسوريين على أراضيها تشمل الاستفادة من الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، فهم يتمتعون بالحقوق التي يتمتع بها جميع مواطني الدول الأخرى، إضافة إلى معاملة خاصة بهم، بحكم أن المملكة تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاستثنائية التي دفعت السوريين إلى البقاء فيها، كما أن المملكة شريك ومساهم كبير في برامج وكالات الأمم المتحدة التي تعمل على توفير الدعم اللازم للسوريين في دول اللجوء".
قوانين مجحفة
"لكن السوريين في السعودية لا يحصلون على مزايا اللاجئ المنصوص عليها في القوانين الدولية ومنها اتفاقية 1951، حيث يُعاملون كباقي الجنسيات الأجنبية"، وفق ما رد به الدكتور عبد المجيد المراري، المحامي المتخصّص في حقوق الإنسان ومدير قسم الشرق الأوسط في منظمة "AFD" الحقوقية، قائلا: "اللجوء حق مكتسب بالصفة، والسوريون لاجئون بقوّة القانون، لأنهم يملكون كل صفات اللاجئ، وكل شخص مُلاحق بسبب أفكاره أو معتقداته أو عرقه أو دينه يُعتبر لاجئًا"، وأضاف: "البنية التشريعية في المملكة غير مؤهّلة حاليًا لسنّ قانون لجوء، ربما خوفًا من الجانب الحقوقي والاعتراف بكل حقوق اللاجئين"، موضحًا أن السعودية تملك قوانين للعمالة الوافدة، ولكنّها "مجحفة، لكون الكفيل السعودي يقاسم المهاجر رزقه ويتحكّم في نمط وتفاصيل حياته"، حسب قوله. ولفت إلى أن السعودية، لا تعترف بمصطلح لاجئ، بل تقوم على استخدام عبارات مثل (أخوة، أشقّاء، ضيوف) مشيرا إلى أن هذا المصطلح "منمّق" وهدفه التغطية على عدم منح اللاجئين حقوقهم.
دور شكلي للمفوضية في السعودية
في 13 إبريل/نيسان الماضي تواصلت "العربي الجديد" مع مكتب مفوضية اللاجئين في السعودية عبر البريد الإلكتروني وأرسلت عدّة أسئلة ولكن من دون أي رد حتى نشر التحقيق، ما دفعنا للقاء مسؤول رفيع في المفوضية في منطقة الشرق الأوسط، اشترط عدم الكشف عن هويته من أجل الحديث، قائلا: "كل شخص قدم إلى مكاتب المفوضية وسجل نفسه على أنه طالب للجوء" يُعتبر لاجئًا" موضحًا أنّه في السعودية، استنادًا لبيانات المفوضية لم يسجل أي لاجئ من بداية الحرب السورية وحتى يومنا هذا، لكن ما يحدث أن الحكومات تنظر لكل سوري موجود على أراضيها وغير قادر على العودة إلى بلده بسبب الحرب "على أنه لاجئ"، ولكن السؤال هل الحكومة السعودية فعلا تقدم لهؤلاء خدمات الحماية أو مساعدات؟ مثلًا هل تعفيهم من رسوم الإقامة والتي هي أصلا كانت ممنوحة لهم بموجب عقد عمل؟ هل هناك سوريون كان لديهم عمل وإقامة ثم فقدوا عملهم، لكنهم غير قادرين على العودة إلى بلادهم، فأصبحوا بمنظور الحكومة لاجئين ومنحتهم تأشيرات؟ وبماذا تساعدهم الحكومة؟ هل لهم الحق في الحصول على الخدمات الصحية والرعاية والأمن فعلا؟
وتابع : "التسجيل في المفوضية يعطي اللاجئ مساعدات، تشمل الطعام والمأوى والمياه والإمدادات الطبية في حالات الطوارئ، والحماية من العودة القسرية"، ولكن في عدّة دول من بينها السعودية، لا تسمح الحكومات للمفوضية أن تقوم بعملها بأريحية، موضحًا أن مكتبي المفوضية في الرياض وجدة لا يُسمح لهما بإشهار عنوان لهما، بمعنى لا يستطيع أي سوري التواصل معهما أو وصولهما لطلب المساعدة أو الحماية كما يحدث في لبنان أو الأردن مثلاً".