يشعر اللاجئ السوري في ألمانيا، محمد عبدالقادر، بخيبة الأمل جراء عدم قدرته على فهم مضمون المراسلات الورقية والرسائل التي يتلقاها بشكل دائم، من دون ترجمة إلى اللغة العربية أو الإنجليزية التي يفهمها، ما يعوق إتمام معاملاته الرسمية.
بعد أن قُبل طلب لجوئه، واجه محمد، الذي بدأ قبل ثلاثة أسابيع تعلم اللغة الألمانية، مشكلة إصرار معلمي اللغة، على الشرح والمحاورة باللغة الألمانية، على الرغم من كونه لا يزال يتعلم المبادئ الأساسية وطريقة نطق الأحرف والكلمات، وهو ما تسبب له بشيء من الإحباط ودفعه إلى التفكير في ترك دروس تعلم اللغة المقسمة إلى مراحل يتراوح عدد ساعاتها بين 660 و960 ساعة، حسب مستوى كل لاجئ.
في البداية كنت متحمسا للانطلاق، نحو حياة جديدة، يقول محمد قبل أن يتابع، "لا بد من السماح بالشرح بالألمانية والعربية والإنجليزية لنتمكن من إتقان اللغة الألمانية، التي يشكو العديد من اللاجئين صعوبتها".
اقرأ أيضا: الدنمارك.. مستوى السوريات التعليمي يثير دهشة أرباب العمل
فروق هائلة بين الأطفال والشباب
انتقاد أسلوب تدريس الألمانية للاجئين، كان محل رفض أستاذة اللغة، ميريام كليمنت، التي تعمل في أحد المعاهد، التي تشهد طفرة استثنائية في عدد الطلاب اللاجئين، إذ ترى كليمنت، ضرورة الاعتماد منذ البداية على الشرح والتدريس بالألمانية لتسريع عملية الاندماج. وتوضح لـ "العربي الجديد"، أن المدرسين يعملون على إيصال المعلومة بطريقة سلسة، مؤكدة :"نعلم أن هناك صعوبة لدى الكثيرين في تعلم لغتنا، لكن على اللاجئين الإقبال بحماسة، لتعلم اللغة والحصول على فرصة عمل".
تؤكد كليمنت، وجود فروق هائلة في التعلم بين الأطفال والشباب، إذ يقبل الأطفال السوريون على تعلم اللغة أكثر من الكبار، ويسهل تحفيزهم على التعلم كما يكوّنون صداقات مع زملاء الدراسة، وهو ما يسهل ويسرع في الاندماج.
ولا تغفل معلمة اللغة، الإشارة إلى أن هناك عددا من أصحاب المؤهلات العلمية، الذين يعانون بشكل أقل في تعلم الألمانية، وهو ما يطابق إحصاءات الوكالة الاتحادية للعمل التي تحدثت عن أن أصحاب المؤهلات العليا يشكلون 30% من اللاجئين السوريين، وهؤلاء يعانون أقل من غيرهم من تداعيات تعلم اللغة على مشكلة الاندماج والتأقلم مع القيم والانخراط في المجتمع وسوق العمل الألمانيين.
اقرأ أيضا: بالوثائق.. نفط داعش.. رحلة الخام المهرب إلى إسرائيل
تعليم الأمهات
عايش أوفي كرونه، خبير الاندماج والتواصل الألماني، تدفق لاجئي البلقان، في تسعينيات القرن الماضي، ومن واقع تجربته يؤكد كرونه، أن اندماج اللاجئين من دون مهارات لغوية كافية مستحيل، قائلا لـ"العربي الجديد"، "استخدام اللغة وسيلة اتصال فقط، غير كاف، عائق اللغة يسبب التقوقع، وسيؤدي حتما إلى صراعات اجتماعية، ويجب أن يكون اكتساب اللغة مصدر ربح للطرفين، الدولة والفرد على السواء".
ويقترح خبير الاندماج، تدريب اللاجئين على اللغة في أماكن العمل بمساعدة المديرين والزملاء. ويلفت إلى ضرورة الاهتمام بالأمهات وتقديم الدعم لهن، حتى يتعلمن اللغة ويسهل تعليمها لأبنائهن".
اقرأ أيضا: المدارس العشوائية..مدرسون سوريون غير مؤهلين وطلبة شبه أميّين بتركيا
رفض عزل اللاجئين
ترفض الناشطة الاجتماعية لمياء بويري، التصريحات المنادية بإسكان اللاجئين في مناطق بعينها، بسبب عدم قدرتهم على الاندماج، قائلة "هذه عزلة إجبارية، المطلوب إسكانهم في أماكن تسمح لهم بالاختلاط وتساعدهم على الاندماج".
وتؤكد بويري التي تعمل بين اللاجئين أهمية إنشاء شبكة تواصل لخدمة المتطوعين العاملين وسط اللاجئين، وزيادة النشاطات الترفيهية التي ينظمها هؤلاء للاجئين، بالإضافة إلى توفير دورات حرفية للاجئات، مع ملاحظة التحسس من الهوية، وعدم محاولة إجراء تغيير كلي لعاداتهن وقيمهن ومبادئهن حتى لا يعوقن عملية الاندماج.
عمدت وزارة التعليم الألمانية إلى إطلاق برامج لتعليم اللغة للأطفال، بتكلفة تصل إلى 2.2 مليون يورو على مدى ثلاثة أعوام، ويستفيد من المشروع الأطفال دون سن الثانية عشرة. وتؤكد الوزارة في تصريحات صحافية، إلحاق 196 ألف طفل بالمنهج التعليمي الألماني.
وتسعى الحكومة الألمانية إلى إطلاق برنامج لحماية النساء والأطفال بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونسيف) بحسب ما أعلنته، وزيرة الأسرة الألمانية مانويلا شفيزيغ.
وكشفت السلطات مؤخرا عن تعيين 8500 مدرس لتعليم اللغة للاجئين الشباب، واستنادا إلى تقرير نشرته صحيفة "دي فيلت" الألمانية أخيرا، فإن الولايات الألمانية تنوي صرف 17 مليار يورو في عام 2016 للتعامل مع أزمة اللاجئين، الذين تخطى عددهم العام الماضي المليون لاجئ.
ويقترح الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل، رفع سن التعليم الإلزامي للاجئين من 18 إلى 25 عاما، وهو ما يرحب به الشاب السوري محمد الخالدي، قائلا "نحلم بغد أفضل ونصر على مواجهة تحديات الاندماج؛ وأولها اللغة".