كان يرعى أغنام والده عندما وجد تلك القنبلة العنقودية، فحملها وراح يتفحّصها، قبل أن تنفجر به وتقتله. هكذا تروي أم أحمد قصة ابنها الصغير محمد العلي، الذي كان يبلغ من العمر تسع سنوات عندما قضى.
والقنبلة العنقودية التي أودت بحياة الصغير، هي من مخلّفات قصف قوات النظام السوري لمحيط قرية العلقمية الملاصقة لمطار منغ العسكري في ريف حلب الشمالي، والذي سيطرت عليه قوات المعارضة السورية منذ أكثر من عامين.
تجدر الإشارة إلى أن القنابل العنقودية والقذائف غير المنفجرة والألغام تنتشر في كل مكان طاله الصراع المسلح في سورية، لتشكل خطراً كبيراً على ملايين السوريين الذين يسكنون هذه المناطق. ومع انتشارها الواسع، تقف المنظمات المدنية ومجالس الإدارات المحلية وهيئات الدفاع المدني شبه عاجزة عن القيام بأي شيء للتقليل من مخاطر توزّع هذه المخلّفات بين البيوت والمزارع والأراضي الزراعية.
وتنتشر مخلفات الحرب في الأحياء السكنية في المدن والبلدات التي شهدت مواجهات بين قوات النظام وقوات المعارضة السورية على طول البلاد وعرضها. فتتحوّل تلك القنابل غير المنفجرة بسبب انتهاء صلاحيتها أو عيوب فنية فيها، إلى قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة في حال لمسها أو تحريكها. كذلك هي قد تنفجر من تلقاء نفسها في حال تعرضها لأي تغيّر في حالة الطقس، كاختلاف درجات الحرارة أو نسب الرطوبة.
يقول الخبير العسكري مروان البرادعي، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن خطر مخلفات الحرب هو من أكثر آثار الحرب الدائرة في المدن السورية استدامة، مشدداً على أنه "لا يمكن لأحد أن يتوقع متى قد تُعلَن سورية خالية من خطر مخلفات الحرب. فمئات آلاف قذائف الهاون والدبابات وصواريخ الكاتيوشا والغراد أطلقت في سورية، ونسبة غير قليلة منها محلية الصنع".
ويوضح البرادعي أن "الخطر الكبير لمخلفات الحرب على السكان هو نتيجة تكدّس هذه المخلفات يومياً في الأحياء والبلدات التي تشهد مواجهات بين قوات المعارضة وقوات النظام السوري. في ذلك الوقت، يكون السكان قد نزحوا من تلك المناطق إلى حين يحسم أحد الطرفين المعركة فيها. وعندما يعودون إلى بيوتهم، يتعرضون لخطر انفجار قنابل وقذائف وصواريخ سقطت على أحيائهم وبلداتهم من دون أن تنفجر لحظة سقوطها".
ويشير البرادعي إلى أن مدن حلب وحمص ودرعا ودير الزور تعاني أكثر من غيرها من كميات كبيرة من مخلفات الحرب بسبب طول أمد المواجهات العسكرية فيها، في الوقت الذي تحظى فيه خطوط الاشتباك في أرياف دمشق ودرعا وإدلب وحلب وريف حمص الشمالي بحصّة ليست بقليلة من تلك المخلفات التي تتوزّع في الوديان التي تستخدم كمراعٍ، وفي الأراضي الزراعية. وهو ما يشكل خطراً كبيراً على المزارعين.
وكانت قوات النظام السوري قد استخدمت في قصفها لمناطق سيطرة قوات المعارضة، آلاف القنابل العنقودية المحرّمة دولياً التي سقطت بين البيوت وفي الأراضي الزراعية. وطبيعة القنابل العنقودية الخاصة تزيد من خطورتها مستقبلياً. فهذه القنابل تنفجر في الهواء قبل وصولها إلى الأرض بمسافة قصيرة، لتقوم كل حاضنة قنابل عنقودية بنثر ما بين ثلاثين وخمسين قنبلة عنقودية صغيرة في دائرة قد يصل قطرها إلى كيلومتر واحد. والقنابل العنقودية الصغيرة لا تنفجر على الفور في الغالب، بل هي تسقط على الأرض لتتحوّل إلى ما يشبه الألغام في انتظار أن يتم تحريكها بطريقة ما ليتحرّر الصاعق الخاص بها فتنفجر مؤدية إلى إصابة من قام بتحريكها أو قتله.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد أكدت، في تقرير أصدرته في بداية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، أنها تملك أدلة على استخدام قوات النظام السوري للقنابل العنقودية بدءاً من شهر يونيو/ حزيران 2012، موضحة أن البيانات التي جمعتها والمسح السنوي الصادر عن تحالف حظر القنابل العنقودية في 27 أغسطس/ آب الماضي، تظهر أن ما لا يقل عن 5841 شخصاً وقعوا ضحية القنابل العنقودية والقنابل الصغيرة غير المنفجرة التي كانت قد أطلقتها قوات النظام السوري في عامي 2012 و2013، في حين سجّل سقوط مئات آخرين في النصف الأول من عام 2014. ومعظم هؤلاء (نحو 97%)، كانوا من المدنيين.
وفي السياق نفسه، أصدرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" تقريراً، في شهر فبراير/ شباط الماضي، أكدت فيه أن قوات النظام السوري استخدمت القنابل العنقودية المحرّمة دولياً في تسع محافظات سورية، وقد أدّت إلى مقتل وجرح الآلاف معظمهم من النساء والأطفال.
وإذ شددت الشبكة على خطورة هذه القنابل العالية، توقعت أن تستمر في حصد السوريين لعشرات السنين المقبلة، بسبب كل تلك القنابل الصغيرة التي استقرت في الحقول والساحات والأحياء من دون أن تنفجر.
إلى ذلك، تبذل مراكز الدفاع المدني في مناطق سيطرة المعارضة السورية جهوداً كبيرة بشكل يومي لرفع أكبر عدد ممكن من القذائف والقنابل والصواريخ التي تسقط على تلك المناطق من دون أن تنفجر. لكن وائل العيسى، وهو أحد أعضاء مديرية الدفاع المدني في إدلب، يشير إلى أن "جهود مراكز الدفاع المدني تبقى قاصرة في هذا السياق بسبب عدم حيازة عناصرها معدات البحث عن الألغام ومعدات السلامة الخاصة بفحص وتفكيك القنابل والقذائف غير المنفجرة، وهو الأمر الذي يدفع مراكز الدفاع المدني إلى الاستعانة بعناصر كتائب المعارضة الذين يملكون خبرات عسكرية تؤهلهم للتعامل مع هذه المخلفات من أجل تفكيكها".
يذكر أن قوات المعارضة السورية تستفيد من حشوات القنابل والقذائف والصواريخ غير المنفجرة، في قذائف وصواريخ محلية الصنع يُعاد استخدامها من جديد، فتحاول تفكيك هذه القنابل بعد نقلها إلى الورش التابعة لها.
من جهة أخرى، شكلت التوعية حول خطر مخلفات الحرب والقنابل العنقودية والألغام موضوع أكثر من حملة قام بها ناشطون معارضون للنظام السوري في مناطق سيطرة المعارضة. فطُبعت المنشورات والملصقات وعُلّقت في الشوارع ووزّعت على الأطفال في المدارس لتوعيتهم حول الخطر الكبير الذي قد يشكله لمس أو نقل جسم غريب. فهو قد يكون قنبلة أو قذيفة غير منفجرة.