وأصدر البشير قراراً اليوم بتعليق التفاوض على كافة المستويات مع الإدارة الأميركية، عبر تجميد لجنة المفاوضات، والتي تضم في عضويتها مؤسسات سودانية عدة، بينها وزارات الخارجية والداخلية والدفاع والمالية، فضلاً عن جهاز الأمن.
واجتمع الرئيس السوداني بلجنة التفاوض في الخرطوم، وقد عبّر عن خيبة أمله في القرار الأميركي، على رغم التقارير والتطمينات التي جاءت من الجانب الأميركي.
وأكدت مصادر حكومية أن انقساماً تم بين عضوية اللجنة حول التعامل مع القرار الأميركي، بين التعامل بحكمة والمضي قدماً في ملف الحوار والتشاور مع الجانب الأميركي مع لفت الانتباه إلى أن مهلة الثلاثة أشهر تأكيد على رغبة أميركية حقيقة في رفع العقوبات، مع إيجاد مسوغ لامتصاص ردة الفعل الأميركي.
وعلى الجانب الآخر، يرى التيار الثاني ضرورة إغلاق صفحة أميركيا وعدم الركون لوعودها المتكررة، باعتبار أن النظرة السلبية لواشنطن تجاه النظام في الخرطوم لن تتغيّر.
وقال حزب المؤتمر الشعبي الحاكم، في بيان، عقب اجتماعات المكتب القيادي إن "الإبقاء على العقوبات الاقتصادية يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، والقانون الدولي"، وأكد أنه "مضر بالتطور الإيجابي بين البلدين"، وأوضح قائلاً "ظل السودان وعلى مدى تاريخه حريصاً على علاقات متوازنة مع واشنطن تقوم على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة".
ولفت البيان إلى أن القرار "من شأنه أن يعمل على تشجيع رافضي السلام وحملة السلاح في السودان، للاستمرار في زعزعة الاستقرار في المنطقة، والإقليم"، وأكد أن "القرار الأميركي جاء مخالفاً للعهود والتعهدات الأميركية، كما حصل في مرات سابقة".
واستدعت الخارجية السودانية القائم بالأعمال الأميركي في السودان للاحتجاج على القرار الأميركي بتمديد مهلة العقوبات ثلاثة أشهر أخرى.
وقال وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، في وقت سابق اليوم، إن "بلاده تأسف للتمديد غير المبرر للعقوبات الأميركية على السودان لمدة ثلاثة أشهر أخرى".
وأعلنت الخارجية الأميركية، فجر اليوم، تمديد مهلة الستة أشهر التي منحها أوباما للخرطوم لرفع العقوبات، لثلاثة أشهر أخرى تنتهي في الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وبرّرت الخارجية الأميركية القرار بـ"سجلّ السودان في ملف حقوق الإنسان وقضايا أخرى" لم تذكرها.
ورفعت الحكومة السودانية من سقف توقعاتها بشأن قرار الرئيس ترامب، والذي ترك له أوباما استصدار القرار النهائي بشأن رفع العقوبات عن السودان أو الإبقاء عليها.
ووفقاً لمصادر حكومية، فإن الخرطوم تلقّت تطمينات أميركية بشأن الرفع النهائي للعقوبات اليوم الأربعاء، لا سيما أن التقارير الصادرة عن الاستخبارات الأميركية، والجهاز التنفيذي عموماً، كانت "إيجابية" وضمنت توصيات للرئيس ترامب برفع العقوبات.
ويرى مراقبون أن القرار الأميركي من شأنه أن يحدث "ارتباكاً قوياً" داخل الحكومة، والتي لم يكن ضمن حساباتها تمديد المهلة لأشهر إضافية، لا سيما بعد التزامها بتنفيذ حزمة المسارات الخمسة بشكل كامل، باستثناء المسار الإنساني.
واعتبروا أن القرار سيضع الحكومة أمام خيارين: إما المواجهة وعدم الوثوق بالقرارات الأميركية والعودة إلى المربع الأول، والرجوع لمحور إيران وروسيا، أو المضي قدماً في تنفيذ الاشتراطات الأميركية وإيلاء ملف حقوق الإنسان أهمية قصوى والعمل في تحسين سجلها، مع اتخاذ خطوات حاسمة في مواجهة الجهات الحكومية التي "أفسدت عليها إنهاء العقوبات"، عبر ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.
وأغلق وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، الباب أمام إضافة مسار سجل حقوق الإنسان لخطة المسارات، مشدداً على أن الحكومة ستعمل على تنفيذ ما التزمت به من مسارات، والتي قال إن "حقوق الإنسان ليس من بينها".
وعبّر غندور، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن أسفه للقرار الأميركي، والذي وصفه بـ"غير الموضوعي"، مؤكداً أن بلاده ما زالت تتطلّع لرفع العقوبات بشكل كامل.
وقال وزير الخارجية السوداني إن "الخرطوم أوفت بكل ما جاء في المسارات الخمسة المتصلة بمكافحة الإرهاب واستقرار جنوب السودان، ومكافحة الاتجار بالبشر، وفتح المسارات الإنسانية بمناطق النزاع وتسهيل عمل المنظمات الإنسانية، فضلاً عن وقف العمليات العسكرية في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان".
وبحسب محللين، فإن ترامب لا يريد أن يفتح واجهة للانتقادات على نفسه بسبب سجل السودان على صعيد حقوق الإنسان، بالنظر إلى الضغوط التي يرزح تحتها، خاصة ما يتصل بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية والشبهات التي تحوم حول أفراد من إدارته، وعائلته كذلك.
ويؤكد المحللون السياسيون أن القرار الأميركي كان متوقعاً ألا يأتي في صالح الحكومة، ويرون أنه نتاج طبيعي لمحاولات ترامب نقض كل ما حققه أوباما خلال الفترة التي سبقت انتهاء فترتة في البيت الأبيض.
ويرجح المراقبون أن يتم إلزام الحكومة السودانية، خلال المرحلة المقبلة، بإضافة مسار حقوق الإنسان قبل رفع العقوبات بشكل كامل.
ويعتقد مراقبون أن الحكومة في الخرطوم ربما تتجه لمزيد من التصعيد ومراجعة ملف التفاوض مع واشنطن، ويرون في قرار البشير بتجميد لجنة التفاوض تعليقاً للمسارات الخمسة وإيقافها عند نقطة ما قبل استصدار الرئيس ترامب لقراره.
ورجح بعضهم أن تتخذ الخرطوم خطوات تصعيدية، وأن تستغل سفر الرئيس البشير إلى روسيا منتصف أغسطس/ آب المقبل، بإرسال رسائل قوية لواشنطن بتحقيق ثقل للزيارة، وتوقيع اتفاقات استراتيجية مع موسكو.
ورأوا أن الحكومة السودانية قد تعمل لتقوية نفوذها بشكل أكبر في الإقليم، وزيادة تأثيرها على الأوضاع، وتوقعوا أن تكون دولة جنوب السودان أول ضحية لردة الفعل الجنوبي، بتفعيل الخرطوم دعمها لزعيم المعارضة الجنوبية المتمردة رياك مشار.
ويرى المحلل السياسي محمد لطيف أن قرار الرئيس البشير رد فعل طبيعي على الخطوة الأميركية، ولفت إلى تعويل الحكومة السودانية بشكل كبير على رفع العقوبات عن البلاد بانتهاء المهلة المحددة في الثاني عشر من يوليو/ تموز، باعتبار أنها أوفت بكل المتطلبات خلال الستة أشهر الفائتة.
وأضاف لطيف لـ"العربي الجديد"، أن "السودان يرى في قرار ترامب تراجعاً عما تم، بغض النظر عن السقف الزمني الجديد".
وزاد "فالحكومة ترى أنه ليس لديها ما تقدمه لواشنطن، وأن مهلة الثلاثة أشهر تخص أميركيا وحدها ولا تعنيها في شيء، ما قادها لوقف كل جهودها وانتظار القرار الأميركي بعد انتهاء المهلة".
ورجح أن تجتهد بعض المؤسسات في الخرطوم لإقناع الرئيس البشير بتقديم تنازلات محدودة، وضرورة الاستمرار في الحوار مع الجانب الأميركي في محاور تتطلب ذلك.