السودان وسد النهضة: الزراعة والكهرباء تتأثران بالإجراء الإثيوبي

18 يوليو 2020
سد النهضة الأثيوبي يلحق أضراراً بالسودان (فرانس برس)
+ الخط -

أثارت المعلومات عن أن الحكومة الإثيوبية بدأت بملء سد النهضة قبل انتهاء التفاوض مع مصر والسودان، ردود أفعال كبيرة في الداخل السوداني، خاصة إثر تناقص منسوب مياه النيل بما يعادل 90 مليون متر مكعب يوميا، وفق تأكيدات وزارة الري السودانية. و

علمت "العربي الجديد" من مصادر موثوقة داخل وزارة الري أن اللجنة المختصة بالتفاوض حول السد بالوزارة بدأت اجتماعات كثيفة ومتواصلة منذ صباح الخميس، للتباحث حول الخطوة القادمة للحكومة السودانية للرد على الإجراء الإثيوبي بملء السد دون موافقة أطراف التفاوض.

وبعدما نقلت وكالات الأنباء عن وزارة الري الإثيوبية البدء بملء السد، نفى وزير الري الإثيوبي، سيليشي بيكيلي، هذا الخبر، وأكد أن تراكم المياه من الجهة الإثيوبية يعود إلى ارتفاع منسوب الأمطار.

وأعربت وزارة الري السودانية في بيان لها عن رفضها أي إجراءات أحادية الجانب يتخذها أي طرف، خصوصا مع استمرار جهود الاتحاد الأفريقي ورئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، للتوصل إلى توافق ما بين الدول الثلاث في النقاط الخلافية العالقة، والتي يمكن الاتفاق حولها إذا توفرت الإرادة السياسية.

وقلل وزير الزراعة السابق عثمان التوم في حديث لـ "العربي الجديد" مما يشاع من تأثر حصة السودان من المياه، لافتاً إلى "عدم استهلاك كافة نصيبنا من المياه لقلة مراكز التخزين"، معددا إيجابيات الاستفادة القصوى من مياه النيل في زيادة المساحات المزروعة، مما يزيد الإنتاج وتوظيف العمالة في الزراعة والحصاد كما يزيد التوليد المائي.

ولفت إلى أن انتظام جريان المياه يساهم في إنعاش قطاع النقل النهري، وتوفير التوليد الكهربائي بالاستفادة من تخزين سد النهضة للمياه طيلة العام. وقال الخبير في مياه النيل أحمد المفتي لـ "العربي الجديد" إن القضية أكبر من تناقص حصة السودان من مياه النيل، "رغم أن التناقص يعني انخفاض المنسوب لـ 1.27 متر على طول ضفتي النهر من الحدود الحبشية إلى الحدود المصرية، ويؤدي ذلك إلى تراجع المساحات الزراعية المروية، وانخفاض الثروة السمكية والتوليد الكهربائي".

وشرح أن إثيوبيا نفت بدء ملء السد بإجراء منفرد، على الرغم من تأكيد التلفزيون الإثيوبي لذلك، نقلا عن وزير الري الإثيوبي، "ولكن لو كان تراكم المياه في الجهة الإثيوبية من السد مجرد سقوط أمطار غزيرة، لما أكدت وزارة الري السودانية، انخفاض المنسوب في محطة الديم الحدودية عن منسوب العام الماضي".

واستعرض المفتي سيناريوهات يمكن أن تقوم بها الحكومة السودانية للحفاظ على حقوق السودان المائية، منها إيقاف المفاوضات فورا بغض النظر عن الأضرار، "حيث إن أي استمرار للمفاوضات بعد بدء الملء بإجراء منفرد، يعني قوننة الإجراء الإثيوبي غير المشروع. وأشار إلى أن السيناريو الثاني هو ضرورة سحب التوقيع على اعلان المبادئ فورا، لأن الملء بإجراء منفرد يعتبر بمثابة انتهاك إثيوبي واضح للإعلان يضاف لانتهاكاتها الأخرى.

أما السيناريو الثالث فهو رفع هذه القضية بصورة فورية إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار بموجب الفصل السابع، لإلزام إثيوبيا بوقف الملء وتوقيع اتفاق ملزم مع السودان ومصر، يحدد حقوق والتزامات كل دولة، لأن مجلس الأمن سبق له أن طلب من إثيوبيا، عدم الملء بإجراء منفرد. وقال إن السيناريو الرابع هو تكوين فريق سوداني لدراسة آثار انخفاض المنسوب 1.27 متر لتحديد الأضرار على المواطنين السودانيين، على طول مجرى النهر حتى الحدود السودانية المصرية، وذلك لتحديد ما يلزم من تعويضات عن الضرر اللاحق بالسودان، خاصة وأن إثيوبيا التزمت في إعلان المبادئ بتكوين فريق لإجراء الدراسات الاقتصادية، والبيئية، والاجتماعية وأمان السد قبل الملء، ولكنها لم تفعل شيئا في هذا الخصوص.

وعدد الخبير المائي سلمان محمد سلمان مكاسب وخسائر سد النهضة، مشيرا إلى أن السد يؤدي لحجز جزء كبير من كميات الطمي الضخمة التي يحملها النيل الأزرق كل عام إلى السودان، والتي تفوق كميّتها 50 مليون طن.

وتراكم هذه الكميات يسبّب عبر السنين فقدان خزاني سنار والرصيرص لأكثر من نصف الطاقة التخزينية للمياه والتوليدية للكهرباء. وقال إن الطمي هذا لا يزال السبب الرئيس في استمرار تقنين الكهرباء لساعاتٍ طويلة في كل أنحاء السودان نتيجة إغلاق الطمي توربينات خزان الرصيرص.

وأشار إلى إطالة السدّ لعمر خزان الرصيرص، بحجزه كمية من الأشجار والمواد الأخرى الضخمة التي يجرفها النيل الأزرق وقت اندفاعه الحاد في شهري يوليو/ تموز وأغسطس / آب من كل عام، فضلا عن إيقافه الفيضانات المدمّرة التي تجتاح مدن النيل الأزرق في السودان. كما ينظّم السد انسياب النيل طوال العام في السودان.

كما يساعد انتظام الانسياب في تعدّد الدورات الزراعية في السودان، وفي انتظام وتزايد التوليد الكهربائي بسدي الرصيرص ومروي. وأشار سلمان إلى إسهام انسياب النيل الأزرق على مدى العام في التغذية المتواصلة للمياه الجوفية كل أشهر السنة، بدلاً عن تغذيتها فقط في الأشهر الثلاثة التي يفيض فيها النيل.

وقال إن الحكومة الإثيوبية وعدت ببيع كهرباء سدّ النهضة للسودان ومصر بسعر التكلفة. وهذا السعر هو حوالي ربع التكلفة لتوليد الكهرباء في سدي مروي والسدّ العالي.

وقد بدأ السودان بالفعل في الاستفادة من الكهرباء التي تقوم إثيوبيا بتوليدها من الأنهر الأخرى، بعد توقيع اتفاقية مع إثيوبيا لشراء الكهرباء منها. كما وعدت إثيوبيا كذلك بمدِّ السودان بمياهٍ لري المشاريع الزراعية في ولاية النيل الأزرق من بحيرة سدّ النهضة عبر قناة من البحيرة تصل إلى هذه المشاريع، إن رغب السودان في ذلك.

وقال خبير الموارد المائية بوزارة الري السودانية المهندس حيدر يوسف لـ "العربي الجديد" إن الإجراء الإثيوبي بملء السد، قبل اكتمال التفاوض وتناقص حصة المياه من النيل الأزرق، يعتبر مخالفا للقانون الدولي. وتوقع يوسف أن تتناقص المياه أكثر مما ذكرته وزارة الري السودانية، عقب دخول فصل الخريف وارتفاع منسوب مياه النيل خلال شهر يوليو الحالي وبداية الفيضان، والذي تخطط فيه الحكومة الإثيوبية لتخزين 5 مليارات متر مكعب من المياه، مما يؤدي لتناقص تدفق النيل عقب الفيضان بواقع 300 مليون متر مكعب يوميا، الأمر الذي يؤثر سلبا على السودان، والذي يرتب إفراغ سدي الرصيرص ومروي تحسبا للفيضان العالي، محذرا من أن ذلك يؤدي إلى مشاكل حقيقية في الزراعة وإنتاج الكهرباء.

المساهمون