السودان والهاجس الأميركي

17 نوفمبر 2014
أطاح السودان بمهندس الانقلاب حسن الترابي عام 1999 (الأناضول)
+ الخط -
لطالما شكّلت العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية هاجساً للحكومة السودانيّة، التي ساءت علاقاتها مع واشنطن إبّان وصولها إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في يونيو/حزيران من العام 1989، وخصوصاً بعدما تكشّف عن وجه الانقلاب الحقيقي الذي حمل الإسلاميين إلى السلطة في السودان. ووصلت العلاقات إلى ذروة سوئها بعد احتضان الخرطوم جماعات وشخصيّات إسلاميّة، صُنّفت بـ "الإرهابية".
ودفع النظام في الخرطوم فواتير كثيرة كعربون لتحسين العلاقات مع البيت الأبيض، من دون أن تشهد تحسناً فعلياً. وكان من بين المبادرات، عرض السودان تسليم واشنطن زعيم "تنظيم القاعدة" أسامة بن لادن، الذي كان يقيم حينها في الخرطوم، وأدى رفض واشنطن للعرض إلى إبعاده خارج البلاد، ليستقرّ بعدها في أفغانستان.

وفي السياق ذاته، يعتبر البعض أن اطاحة النظام السوداني بعرابه ومهندس الانقلاب، حسن الترابي، في عام 1999، من السلطة كان أشبه بتقديم قربان إلى الإدارة الأميركيّة لتحسين علاقاتها مع الخرطوم، ولا سيّما أن الترابي، الذي عمد بعدها إلى تأسيس حزب "المؤتمر الشعبي" المعارض، كان لاعباً أساسياً في قضيّة الإسلاميين، وله طموحات بتوحيد كل تياراتهم تحت رئاسته.
ويعرب القيادي في حزب المؤتمر الشعبي أبو بكر عبد الرازق، في حديث لـ "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأنّ "المفاصلة التي تمّت بين الإسلاميين (في عام 1999)، إلى جانب إقدام الحكومة على طرد الإسلاميين من البلاد، سواء الليبيين أو التونسيين أو بن لادن، كانوا بمثابة عربون لتحسين العلاقة مع واشنطن"، لافتاً إلى أنّه "حتّى فصل جنوب السودان كان للعبور إليها".

ويعتبر عبد الرزاق أنّ "طرح النظام لقضيّة الحوار الوطني، وترك عملية اعتقال أفراد المؤتمر الشعبي، هو بمثابة تعبير عن فشل علاقاته مع الولايات المتحدة"، من دون أن يستبعد أن يكون "الضعف والدونية اللذان تعاملت بهما الحكومة مع واشنطن، قادا الأخيرة إلى زيادة ضغوطها على الخرطوم من دون إحراز أيّ تقدّم".

وتعهدت واشنطن لحكومة السودان برفع العقوبات المفروضة عليها منذ سنوات، في حال التوصّل إلى سلام شامل، يُنهي الحرب الأهلية في جنوب السودان. وبينما تحقق انفصال الجنوب، إلا أن انفجار الأوضاع في إقليم دارفور منذ عام 2003 ولغاية الآن، إلى جانب الحرب المستمرة في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان منذ ثلاثة أعوام، جعل واشنطن تشترط إحلال السلام في تلك المناطق، إلى جانب حلّ القضايا العالقة وتحسين مستوى حقوق الإنسان في البلاد، كمقدمة ضروريّة لإقدامها على خطوة رفع العقوبات.
ويشكّك مراقبون في وجود تعاون خفي بين الخرطوم وواشنطن، يجعل الأخيرة داعمة وحريصة على إبقاء النظام الحالي في الحكم وإجهاض أي محاولات لإسقاطه، باعتباره الأقدر على تنفيذ أوامرها في المنطقة وتقديم الخدمات إليها، ولا سيّما في ما يتعلق بقضية محاربة الارهاب.

وكان مدير الأمن السوداني السابق، صلاح عبد الله قوش، قد صرّح بأنّ "تعاون الخرطوم مع الاستخبارات الأميركيّة حمى البلاد من ضربات محتملة"، ما يؤكّد تدخّل واشنطن في وقت ما لصالح النظام في الخرطوم مقابل تعاونها. وتقول المحللة السياسية والخبيرة في الملفّ السوداني الأميركي، درة قمبو، لـ "العربي الجديد"، إنّ علاقة الخرطوم مع واشنطن "لا تقوم على مستوى واحد، فهناك البيت الأبيض والاستخبارات والكونغرس، ومن الواضح أنّ أفضل علاقات لها هي على المستوى الاستخباري، ولا سيّما أنّ الخرطوم كانت مصدر معلومات لوكالة الاستخبارات المركزية، في ما يتصل بالمجموعات الإسلاميّة في المنطقة".
وتؤكّد أنّ "الحكومة السودانية فشلت في إحداث اختراق داخل الكونغرس، الذي يسنّ العقوبات وتؤثّر عليه مجموعات الضغط المختلفة"، معتبرة أنّ "الحكومة لم تبرع في لعبة الأوراق، فقدّمت الكثير وحصلت على القليل، إذ لا تزال العقوبات تتجدّد سنوياً".

وكانت الحكومة السودانية أبدت تفاؤلاً بالاتصال الذي جرى أخيراً بين وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري، ونظيره السوداني علي كرتي، باعتباره يصبّ في إطار تطبيع العلاقات، ولا سيّما أنّ كيري، طلب وفق كرتي، الدخول مباشرة في الحوار لتطبيع العلاقة. لكنّ تحرّكات الوزير السوداني نحو ليبيا بعد أيام من الاتصال، قاد المحللين لتفسير الاتصال على أنّه بمثابة طلب من الحكومة الأميركيّة للخرطوم للتحرّك في الملف الليبي، واستخدام الخرطوم علاقاتها بالمجموعة الإسلامية في طرابلس، للمساهمة في دفع الحوار لإنهاء الأزمة في ليبيا. وفي سياق متّصل، ترى قمبو أنّ "اتصال كيري وكرتي جزء من علاقة غير متكافئة وتنفيذ لسياسة الجزرة والعصا، التي ظلت واشنطن تتّبعها مع الخرطوم".

ويرى القيادي في الحزب الحاكم ورئيس لجنة الشؤون الخارجيّة للبرلمان السابق محمد الحسن الأمين، أنّ القطيعة الأميركيّة، بُنيت على افتراضات واتهامات غير حقيقية، بدأت بوجود بن لادن لمدة 6 سنوات في الخرطوم كمستثمر، الأمر الذي شكل اتهاماً للبلاد، إلى جانب قصف واشنطن لمصنع الشفاء، بحجّة احتوائه على أسلحة نووية".
ويقرّ الأمين بصعوبة "إزالة الإجراءات الأميركيّة التي اتُخذت ضدّ البلاد"، لكنّه يرى في تقلّد كيري لحقيبة الخارجية "إضافة حقيقيّة لتحسّن علاقة البلدين باعتبار أنّ الرجل يؤمن بضرورة ذلك". ويضيف: "في عهد كيري، لم يزدد تدهور العلاقات وحدث اختراق بشأن رفع الحظر الذي استثنيت منه أنشطة معينة متعلّقة بالتكنولوجيا والتعليم، إلى جانب المرونة في انتقال الدبلوماسيين بين البلدين". ويلفت إلى "وجود فرق عموماً بين السياسة الأميركيّة المنفذة وبين التصرّف الشخصي لكيري". ويعرب عن اعتقاده بأنّ "كيري حريص على تحسين العلاقة ورفع الحظر، وعلى الأقلّ، تبدو تقارير الخارجيّة الأميركيّة عن السودان إيجابيّة حتّى الآن".