السودان واعتقال الصادق المهدي: ارتفعت حظوظ الحوار... فنُسف

20 مايو 2014
المهدي يواجه دعاوى تصل عقوبتها للاعدام (إبراهيم حامد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
شكّل اعتقال زعيم حزب الأمة القومي المعارض في السودان، الصادق المهدي، يوم السبت الماضي، من قبل السلطات السودانية، وإيداعه في السجن على ذمة البلاغ الذي حركه ضده جهاز الأمن، بسبب انتقاداته لقوات الدعم السريع، مفاجأة للأوساط السودانية.

فقد عُرف الصادق بممارسة "المعارضة الناعمة" مع النظام، حتى إنه يُتهم من قبل معارضين، بالتقارب مع الحزب الحاكم، وتنفيذ أجندته بتكسير المعارضة، ولا سيما بعدما شغل ابنه، عبد الرحمن، منصب مساعد رئيس الجمهورية في الحكومة الحالية.

تداعيات اعتقال الصادق المهدي، سبقتها إجراءات نفذها جهاز الأمن تمثلت في إعلانه، وللمرة الأولى، عن نشر ثلاثة ألوية (ما يعادل ثلاثة آلاف مقاتل) من قوات الدعم السريع حول الخرطوم لحمايتها، مع رفع استعدادها للدرجة القصوى، وتبعتها أجهزة الشرطة التي رفعت أيضاً حالة الاستعداد وسط قواتها بنسبة مئة في المئة.

وتناقلت الأوساط السودانية، يوم الأحد، معلومات عن محاولة انقلابية، الأمر الذي دفع بالأجهزة الأمنية إلى نفي ذلك، والتأكيد على أمن واستقرار الأوضاع في البلاد، بالرغم من أن الجهة التي يفترض أن تسارع إلى النفي هي وزارة الداخلية، المُناط بها الشأن الداخلي إلى جانب وزير الإعلام، باعتباره الناطق الرسمي باسم الحكومة.

وقد ظهر الارتباك جلياً في مواقف جهاز الأمن، الذي فرض نفسه بشكل مباشر في الساحة السياسية، بعد تعزيزه بقوات الدعم السريع المثيرة للجدل، الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول مدى استعداد الجهاز لتقبل النتائج التي ستخرج من الحوار المرتقب الذي دعا له رئيس البلاد، عمر البشير.

فقد تصاعدت في الآونة الأخيرة، مطالبات القوى المشاركة والرافضة للحوار، بتقليص دور أجهزة الأمن في جمع المعلومات وتحليلها، والحد من تمددها في الساحة السودانية، إلى جانب دورها في التصعيد بين الحكومة والصادق المهدي.

نسف الحوار

ويبرز هنا التساؤل عن السبب في تغيّر مواقف الحكومة تجاه المهدي رأساً على عقب، إذ حركت ضد المهدي إجراءات جنائية ببلاغات تصل عقوبتها إلى الاعدام، على الرغم من أن الرجل يعد من أحزاب المعارضة الداعية بقوة للحوار مع النظام، وإحداث تغيير سلمي لا يستثني الحزب الحاكم، ورفضه القاطع لإسقاط النظام بالقوة، ووضعه الانتفاضة كآخر خيار يلجأ إليه حزبه لإحداث التغيير.

وتعددت القراءات وتباينت وسط المراقبين والسياسيين والمثقفين السودانيين، بعدما أحدث المشهد ارتباكاً في الساحة السياسية.

وذهب البعض إلى أن الخطوة متفق عليها مع المهدي نفسه لتلميعه وخطف الأضواء من المعارضة وتقديمه على غريمه، زعيم المؤتمر الشعبي، حسن الترابي، بينما رأى آخرون في ذلك التحليل قصر نظر، باعتبار أن الملابسات على أرض الواقع لا تستقيم مع تلك الرؤية، باعتبار أن المهدي عُرف عنه بأن أكثر ما يؤلمه قضية الحبس والاعتقال.

وأكدت معلومات حصل عليها "العربي الجديد"، وجود انقسام داخل الحزب الحاكم تجاه الخطوة التي تمت بشأن حبس المهدي، باعتبارها قد تُعجل بنسف الحوار المقرر بعدما اتخذت الحكومة خطوات لانجاحه.

وأشار المحلل السياسي، الطيب زين العابدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التصعيد في مواجهة المهدي تم من قبل رافضي الحوار داخل النظام الحاكم"، والذي أكد أن جهاز الأمن واحد منهم، على قاعدة أن لا مصلحة له في نجاح حوارٍ ضمن نتائجه إزالة الاحتقان السياسي في البلاد.

وأوضح زين العابدين أن أجهزة الأمن "هي المسوؤلة عن قوات الدعم السريع الأمر الذي سيقود إلى نسف الحوار والعودة إلى المربع الأول". وشدد على أن "الحكومة لن تلقي بالاً لتداعيات ذلك، ولا سيما أن القرار نُفذ أثناء وجود الوسيط الأفريقي ثامبو امبيكي في البلاد، للقاء القوى السياسية والمدنية لتسهيل الحوار".

أما أمين العلاقات الخارجية في "المؤتمر الشعبي" المعارض، بشير رحمة، فقد أكد أن "الأولوية في السودان هي للأمن، والمهدي مسّ الأمن بحديثه، ولذلك فالأجهزة الأمنية مستعدة للتضحية بالحوار وبأي أمر آخر، ولا سيما أن الأمن مرتبط برأس النظام".

وأوضح رحمة أنه "لا يوجد شخص يتم اعتقاله من دون موافقة الرئيس البشير، وهذا ما تم بشأن الصادق"، مشيراً إلى أن "أجهزة الأمن لا يهمها نسف الحوار، ولا سيما أن القضايا السياسية تأتي في نهاية الأولويات لديها".

ولدى سؤال الصادق المهدي من قبل الصحافيين، عقب استدعائه من قبل نيابة أمن الدولة، حول تمسك الحكومة بتحريك اجراءات قانونية ضده، أجاب بأن الحكومة لم تتوقع أن يصدر الانتقاد منه شخصياً باعتبار أن له مصداقية عالية داخلياً وخارجياً.

واتهم المهدي من سمّاهم بصقور النظام بتحريك تلك الاجراءات لتعطيل الحوار ونسفه باعتباره لن يكون في مصلحتهم.

المهدي والمعتقلات

دخول المهدي سجن "كوبر" في أم درمان، جاء بعدما غادره الرجل قبل 19 عاماً، ليعيد إليه ذكريات سنوات وأشهر وأيام قضاها داخل زنازين ذلك السجن.

فقد كان أول اعتقال نفذه النظام الحالي ضد المهدي، بعد أسبوع من استيلائه على السلطة، عبر انقلاب عسكري في يونيو/حزيران 1989، وحينها كان المهدي رئيس الوزراء المنتخب، وسُجن في "كوبر" لخمسة أشهر.

حينها، كان أشبه بالاعتقال التحفظي، وعند اطلاق سراحه، وُضع في الاقامة الجبرية لمدة خمس سنوات، أي حتى العام 1994، وأصبح بإمكانه التحرك في ظل رقابة أمنية مكشوفة ليعاد اعتقاله مرة أخرى في العام 1995 لمدة 101 يوم، ومنها خطط للخروج من البلاد.

وظل المهدي خارج البلاد، يقود معارضة مسلحة وسياسية ضد الحكومة، حتى العام 2000، عندما وقّع مع الحكومة اتفاقاً عرف بـ"نداء الوطن"، وبموجبه عاد إلى الخرطوم، ومنذ ذلك التاريخ لم يعتقل حتى يوم السبت.