السودان: محاولة لجر الثورة إلى العنف

07 يونيو 2019
تحسنت الحركة نسبياً في الخرطوم أمس (فرانس برس)
+ الخط -
لا تتوقف جهود المجلس العسكري في السودان لضرب الثورة وإسقاطها، ففي موازاة محاولة السلطات أمس الخميس التقليل من حجم المجزرة التي ارتكبها العسكر في فضّ الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم يوم الإثنين الماضي، وتقديم حصيلة للضحايا أقل بكثير من التي أعلنتها المعارضة، كانت الأخيرة تتحدث عن محاولة العسكر، ولا سيما الجنجويد، جرّ الناس إلى العنف عبر "ترك الأسلحة في الأحياء"، مع تشديدها على ضرورة الالتزام بالسلمية. في هذه الأجواء، كان الاتحاد الأفريقي يرفع ضغوطه على المجلس العسكري لتسليم السلطة لحكومة مدنية عبر تعليق عضوية السودان، مقابل استمرار الدعم الخارجي من الإمارات وروسيا للمجلس، وذلك قبيل توجّه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى الخرطوم اليوم الجمعة، في محاولة لوساطة بين المجلس العسكري والمعارضة، لا تبدو آمالها بالنجاح كبيرة.

وبدا أمس أن المجلس العسكري يسعى لجر الثورة إلى مسار عنفي، بحسب تصريح المعارضة، ولا سيما تجمع المهنيين السودانيين، الذي لفت إلى أن "الجنجويد يقوم بترك الأسلحة في الأحياء لجر الناس للعنف"، داعياً المواطنين "لعدم أخذها وإبلاغ الشرطة فوراً لاستلامها وعدم الانجرار للعنف"، مشدداً في بيان نشره على صفحته في موقع "فيسبوك" على أن "نجاحنا يكون بالتزامنا التام بالسلمية مهما حاولت المليشيات المجرمة جرنا للعنف والتخريب". كما طلب التجمع من الناس إغلاق الطرق والجسور الرئيسية من أجل "شل الحياة العامة" في جميع أنحاء البلاد.

وفي السياق، كانت منظمة العفو الدولية تدعو إلى إجراء دولي في تصرفات العسكر في السودان. واعتبرت المنظمة في بيان أن قوات الدعم السريع شريك أساسي في العنف، قائلة إن "أعداد القتلى تتزايد مع الاجتياح القاتل لقوات الدعم السريع لأحياء الخرطوم". وأضافت "تبين التقارير حول إلقاء جثث القتلى في نهر النيل مدى الانحطاط المطلق لما يسمى بقوات الأمن هذه". وحثت "مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي على أن يقوما بدورهما لكسر حلقة الإفلات من العقاب (في السودان)، واتخاذ التدابير الفورية اللازمة لإخضاع مرتكبي جرائم العنف هذه للمساءلة".

وتعليقاً على ذلك، قال القيادي في "قوى الحرية والتغيير"، مدني عباس مدني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن محاولة بث الفوضى لإسقاط المطالب الشعبية "هو سلوك قديم بدأه نظام عمر البشير ويكرره حالياً المجلس العسكري، الذي يتهرب من تلبية المطالب الشعبية بتسليم السلطة لحكومة مدنية". وتعهّد مدني بأن تفوّت "قوى الحرية والتغيير" الفرصة على محاولة تحويل مسار الثورة السلمي إلى مسار عنفي مهما كانت الحيل والأساليب، مؤكداً ثقة المعارضة بالثوار والتزامهم بالنهج السلمي لوعيهم وإدراكهم مخططات المجلس العسكري والدولة العميقة. من جهة أخرى، رحب مدني بقرارات الاتحاد الأفريقي بشأن السودان، وقال إن "قوى الحرية والتغيير" لن ترفض أي جهد دولي أو إقليمي وأي تحرك سياسي لحماية الشعب السوداني مما يتعرض له من قمع.


في هذا الوقت، أعلن الاتحاد الأفريقي، عبر مجلس السلم والأمن التابع له خلال اجتماع في أديس أبابا أمس، تعليق مشاركة السودان في كل أنشطة الاتحاد إلى حين تشكيل حكومة مدنية. وعلى الرغم من هذا الانسداد في الأفق، فإن رئيس الوزراء أبي أحمد سيزور الخرطوم اليوم الجمعة في محاولة للتوسط بين المجلس العسكري والمعارضة، كما كشف مصدر دبلوماسي في سفارة إثيوبيا في الخرطوم لوكالة "رويترز". وأوضح المصدر أن أبي أحمد سيجتمع مع أعضاء في المجلس العسكري وشخصيات من "قوى الحرية والتغيير" خلال الزيارة التي تستمر يوماً واحداً.

لكن نجاح أي وساطة راهناً يبدو صعباً، وفي هذا الإطار علمت "العربي الجديد" أن محاولات وساطة أجراها حزب "المؤتمر الشعبي" قوبلت بالرفض من "قوى الحرية والتغيير". وقال القيادي في هذه القوى، صديق يوسف لـ"العربي الجديد"، إن "أبواب الحوار كانت مفتوحة مع المجلس العسكري، ولكن تم إغلاقها عقب مجزرة فض الاعتصام، ولا تفاوض اليوم".

يأتي ذلك مع موقف لافت لروسيا التي كانت قد عرقلت الثلاثاء مع الصين صدور بيان عن مجلس الأمن الدولي يدين مقتل المدنيين في السودان ويدعو إلى وقف فوري لأعمال العنف. ودعت روسيا أمس إلى "استعادة النظام" بوجه "المتطرفين والتحريضيين" في السودان. ونقلت وكالة "إنترفاكس" عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أنّ "الوضع معقد جداً ونحن نؤيد حل كل المسائل على أساس الحوار الوطني، والبحث عن حلول توافقية بشأن المرحلة الانتقالية التي يجب أن تؤدي إلى انتخابات". وأضاف أنّه "تحقيقاً لذلك، يجب بطبيعة الحال استعادة النظام، ومكافحة المتطرفين والتحريضيين الذين لا يريدون استقرار الوضع".

بالتوازي، أعلنت الإمارات أنها "تتابع باهتمام بالغ وبقلق" تطورات الوضع في السودان، داعية إلى "حوار بناء" بين مختلف الأطراف للحفاظ على استقرار البلاد. وكانت السعودية أكدت الأربعاء أهمية "استئناف الحوار بين القوى السودانية المختلفة لتحقيق آمال وتطلعات الشعب السوداني"، وذلك في مواكبة لدعوة المجلس العسكري للحوار بعد مجزرة الإثنين.

في المقابل، كانت الولايات المتحدة تدين "الهجمات الأخيرة على المحتجين" في السودان، داعية الجيش إلى "نبذ العنف". وقالت المتحدّثة باسم الخارجية الأميركيّة، مورغان اورتاغوس، في بيان، إن "مسؤولين كبارا بوزارة الخارجيّة يُجرون الآن محادثات مع مسؤولين في المنطقة، ونحن نرحّب بالبيانات الأخيرة الصّادرة عن الاتحاد الأفريقي ومصر والسعوديّة، والتي تدعو إلى الامتناع عن العنف وإلى استئناف الحوار".

داخلياً، وبعد إعلان المعارضة أن حصيلة فض اعتصام الخرطوم يوم الإثنين بلغت 108 قتلى ومرشحة للارتفاع، سعت وزارة الصحة السودانية إلى التقليل من حجم المجزرة، وفي أول حصيلة رسمية، أكدت وزارة الصحة أن حصيلة فض الاعتصام لم تتجاوز 46 قتيلاً، بينما قال وكيل وزارة الصحة السودانية سليمان عبد الجبار لوكالة "رويترز" إن العدد الرسمي للقتلى ارتفع إلى 61 قتيلاً. وقال إن من بين هذه الوفيات الموثقة، 52 من الخرطوم بينهم 49 مدنيا قتلوا بأعيرة نارية وثلاثة من أفراد الأمن لقوا حتفهم طعناً.
ميدانياً، تحسنت الحركة في الخرطوم أمس وفتحت الشوارع الرئيسية، مع استمرار الانتشار الكثيف لقوات الدعم السريع التي عملت على إزالة حواجز كان قد أقامها الثوار. وعلى غرار اليومين الماضيين، ألغيت العديد من الرحلات الجوية إلى الخرطوم.