السودان: ضغط أميركي على ترامب لمقاطعة العسكر

26 ابريل 2019
اعتصم الآلاف في الخرطوم اليوم (أوزان كوز/ فرانس برس)
+ الخط -
ثلاثة أسابيع من الاعتصام المتواصل أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم، الذي بدأ في 6 إبريل/ نيسان الحالي، نجح خلاله الشارع السوداني ومعه المعارضة في إطاحة الرئيس عمر البشير، لينتقل إلى معركة أخرى تتمثل في تسليم الحكم إلى سلطة مدنية، في ظل المخاوف من سيطرة المجلس العسكري على الحكم وتأخير عملية انتقال السلطة، على الرغم من التطمينات التي قدّمها المجلس عن أنه يسعى إلى تسليم السلطة التنفيذية ومجلس الوزراء للمدنيين، مع احتفاظه بـ"السلطة السيادية فقط"، من دون توضيح ما يقصد بالسلطة السيادية. وما يعزّز المخاوف هو الدعم الواضح من السعودية والإمارات للمجلس العسكري، ومطالبة مصر بإعطاء مزيد من الوقت للمجلس في سدة الحكم، لتصبح معركة الشارع هي الوصول إلى "سلطة مدنية كاملة"، كما ردد الآلاف خلال اعتصام حاشد أمس الجمعة.

ومع تحوّل الدعم الإماراتي والسعودي للمجلس العسكري إلى علني، برز اليوم تحرك أميركي للضغط على الرئيس دونالد ترامب لمقاطعة المجلس السوداني بهدف دفع الأخير لتسليم السلطة. فقد انتقد نواب في الكونغرس الأميركي، في مسودة خطاب بدأوا بجمع التوقيعات عليها ويُنتظر أن يوجهوها إلى وزيري الخارجية والخزانة، الدول التي أيّدت المجلس العسكري في السودان، وأشاروا إلى موقف السعودية والإمارات ودعمهما المجلس بـ3 مليارات دولار.

وبحسب قناة "الجزيرة"، فإن النواب دعوا في مسودة الخطاب إلى عدم الاعتراف بالمجلس العسكري، وعدم منح تأشيرة دخول لأي عضو فيه لزيارة الولايات المتحدة. وطالب المشرعون بالضغط على المجلس للإسراع في تسليم السلطة إلى حكومة مدنية تمثل كل السودانيين. كذلك دعت المسودة إلى تفعيل كل قوانين العقوبات والمحاسبة ضد أفراد في المجلس العسكري شاركوا في جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية في مناطق دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وكذلك الضغط لفتح مناطق الحروب بشكل عاجل أمام المنظمات الإغاثية العالمية من دون تعطيل أو تعويق مهامها. ودعا المشرعون الأميركيون إلى التنسيق مع وزارة الخزانة والمؤسسات الرقابية والمصرفية الأميركية والدولية لملاحقة الأموال المنهوبة بواسطة أتباع نظام البشير، ومنع خروجها من السودان أو إعادتها إليه، وتسليمها إلى الحكومة المدنية الانتقالية. وطالبوا بتفعيل وتطبيق قوانين مراقبة وحظر تحركات الذهب من السودان إلى الأسواق العالمية وتحديداً أسواق دبي، والعمل على إعادة الذهب السوداني إلى الحكومة الانتقالية المدنية.

وكان الموقف الأميركي الأبرز حول التطورات السودانية قد عبّرت عنه المسؤولة في وزارة الخارجية الأميركية، ماكيلا جيمس، التي قالت يوم الثلاثاء الماضي إن واشنطن تدعم "المطلب الشرعي للشعب السوداني بحكومة يقودها مدنيون"، وحضّت جميع الأطراف على العمل لتحقيق ذلك. وأكدت جيمس، خلال لقاء مع وفد من المعارضة في الخرطوم، أن "أولوية الولايات المتحدة، رؤية انتقال مدني يقود إلى انتقال سلمي للسلطة... لأجل السودان الديمقراطي".

واقع التخوّف من عرقلة الانتقال إلى الحكم المدني، بدأت تتحدث عنه بشكل صريح جهات غربية، وهو ما عبّرت عنه صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في تقرير لها، لفتت فيه إلى أن حزمة المساعدات المالية والسلعية الجديدة من الإمارات والسعودية البالغة 3 مليارات دولار مهّدت الطريق لمعركة ثانية بين الجيش والشعب. ونقلت الصحيفة عن السفيرة البريطانية السابقة في الخرطوم روزاليندا مارسدن، قولها إن أبوظبي والرياض أوضحتا خلال الأيام الماضية أنهما تدعمان المجلس العسكري. ولفتت إلى أن هناك خطراً من أن يشجع تمديد الموعد النهائي لتسليم السلطة المجلس الانتقالي على إبطاء عملية الانتقال.


يأتي كل ذلك مع تصاعد ضغوط الشارع على العسكر لتسليم السلطة، وذلك بعد اتفاق بين المجلس و"تحالف الحرية والتغيير" المعارض على تشكيل لجنة مشتركة لتحديد الخطوات المقبلة. وأدى آلاف المتظاهرين السودانيين صلاة الجمعة أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم، على الرغم من الحرّ الشديد. وهتف الشيخ مطر يونس، الذي أمّ صلاة الجمعة في ساعة الاعتصام "حرية، حرية". كذلك دعا إلى معاقبة رموز النظام السابق. وقال "لا بد من محاسبة كل رموز النظام السابق وتقديمهم لمحاكمات عادلة ونزيهة وشفافة"، فيما كان المتظاهرون يهتفون "الدم بالدم لن تقبل بالتعويض".

كذلك طالب الشيخ آدم إبراهيم، خلال الاعتصام، المجلس العسكري باعتقال رموز النظام السابق على الجرائم التي ارتكبوها من قتل واعتقال وضرب للمحتجين طوال الأشهر الماضية. وقال إن "ثورة السودانيين هي من أجل الحق والحرية والعدل والسلام وللوقوف مع المظلوم"، داعياً المعتصمين إلى الوحدة والتمسك "بسلمية الاحتجاج" لأنها الأساس لاستمرار الثورة. وشدد على أن الجيش مهمته حماية البلاد وحدودها وثغورها ويجب عليه ذلك. ودعا المجلس العسكري إلى تسليم السلطة لحكومة مدنية، وأن يترك أمر السياسية لأهلها. وأردف "لا نريد عاماً أو عامين للجيش في السلطة، فقد اكتفينا من 30 عاماً من حكم العسكر".

وبعدما فرغوا من الصلاة، أخذ المحتجون يرددون "مدنية... مدنية" في إشارة إلى مطالبهم بحكم مدني. وقال محجوب بشرى، لـ"رويترز": "سندافع عن الديمقراطية ونرفض حكم العسكر".

من جهته، قال هارون آدم، وهو من دارفور، لوكالة "فرانس برس": "أنا هنا منذ السادس من إبريل"، و"على استعداد للبقاء عاماً كاملاً حتى نحقق مطالبنا في سلطة مدنية كاملة وتقديم كل الذين ارتكبوا جرائم للعدالة". وكانت "قوى الحرية والتغيير" قد أكدت أنها مستمرة في الاعتصام لحين تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، وذلك فيما عقدت اجتماعاً أمس لتشكيل لجنة مصغرة من أجل الحوار مع المجلس العسكري بشأن تشكيل مجلس سيادي، والاتفاق على خطوات تسليم السلطة.

في غضون ذلك، أعلنت وزارة الصحة السودانية أن عدد ضحايا الاحتجاجات في العاصمة الخرطوم وبقية الولايات بلغ 53 قتيلاً و734 جريحاً منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كما ذكر المدير العام لوزارة الصحة في ولاية الخرطوم، بابكر محمد علي، خلال اجتماع تنسيقي لوزارات الصحة في الولايات السودانية. إلا أن المنظمات الحقوقية والناشطين يتحدثون عن أعداد أكبر من الضحايا، وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد ذكرت في تقرير نشرته في 18 إبريل الحالي أن مراقبين سودانيين على الأرض يقدرون أن أكثر من 100 متظاهر قُتلوا خلال الاحتجاجات.

المساهمون