تسارعت الأحداث في السودان لتضع نهاية دراماتيكيّة لعمليّة الحوار الشامل، الذي دعا إليه الرئيس السوداني عمر البشير، في 27 يناير/كانون الثاني الماضي، مع اقتراب موعد الانتخابات العامة المقررة في أبريل/نيسان المقبل.
طوال التسعة أشهر الماضية، لم يحصل أي تقدّم في أعقاب دعوة البشير، إذ ظلّت القوى السياسية المعارضة، السلمية والمسلحة، تشكّك في الدعوة إلى الحوار، في ظلّ مراوغات مارسها النظام بالتقدّم خطوة في اتجاه تهيئة مناخ الحوار، والتراجع عن ذلك عبر الزجّ بقادة المعارضة في السجون، والاستمرار في مصادرة الصحف اليوميّة وإغلاق بعضها، إلى جانب منع فعاليات لأحزاب بعينها.
ويبدو أنّ خطاب البشير الأخير، أمام مجموعة من أنصاره، شكّل "القشّة التي قصمت ظهر البعير"، إذ أطاح عبره اتفاق أديس أبابا، الذي وقعته آلية الـ"7+7" الخاصة بالحوار، مع رئيس الآلية الأفريقية ثامبو أمبيكي، وأحزاب في المعارضة وافقت على الحوار، منها: "المؤتمر الشعبي" بزعامة حسن الترابي، وحركة "الإصلاح الآن" بقيادة غازي صلاح الدين.
كذلك وقّعت "الجبهة الثورّية" الاتفاق، في اجتماع منفصل، وضمّت فصائلها "الحركة الشعبية" قطاع الشمال، وحركة "العدل والمساوة" الدارفورية بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة "تحرير السودان" بزعامة عبد الواحد نور.
وأعاد البشير في خطابه الأوضاع إلى المربع الأول، بإعلانه أجندة جديدة غير متّفق عليها، أكد فيها رفضه الاعتراف بـ"الجبهه الثوريّة"، إحدى فصائل المعارضة الموقعة على الاتفاق، ونقل بموجبها المفاوضات الخاصة بسلام دارفور، من الدوحة إلى أديس أبابا، متمسّكاً بإجراء الانتخابات في وقتها.
وجاء كلام البشير بعد "مباركته" إعلان أديس أبابا، وفق تصريحات نقلها عنه أمبيكي، في وقت سابق من الشهر الماضي، خلال لقائهما في الخرطوم، ما عطّل استئناف المفاوضات بين الحكومة و"الحركة الشعبيّة" من جهة، و"الحركات الدارفوريّة" المسلّحة من جهة ثانية.
وكان من المقرر أن تُستأنف المفاوضات في الثاني عشر والخامس عشر من الشهر الحالي، في أديس أبابا، بهدف الاتفاق على ترتيبات أمنية تفضي إلى وقف إطلاق نار في مسارح العمليات في إقليم درافور، ومنطقتي النيل الأزرق وجنوبي كردفان.
ويبدو أنّ تصريحات البشير أسهمت بشكل مباشر في تأجيل التفاوض، بعد أن قدّمت حركات المعارضة احتجاجها رسمياً لدى الوساطة، متهمة الحكومة بالتنصّل من الاتفاق الأخير في أديس أبابا، كما اعتبرتها دليلاً على عدم جديّة الحكومة في إيجاد حلول سلمية لأزمة البلاد، لاسيما إقدام البشير على التحديد المسبق لأجندة التفاوض، خصوصاً مع الحركة "الشعبية"، وتمسّكه بمنبر "الدوحة" لحلّ النزاع في درافور، الأمر الذي ظلت تلك الأطراف ترفضه طوال الفترة الماضية.
وأكّدت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، أنّ أمبيكي في محاولة منه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، سيصل إلى الخرطوم الأسبوع المقبل، للاستفسار من البشير بشأن تصريحاته الأخيرة، فضلاً عن محاولة الضغط لدفع الحكومة نحو الحوار بجدية والحدّ من انهيار جولة التفاوض الجديدة، قبل بدئها، لا سيّما أن معطيات الفشل باتت واضحة، وهو ما دفع أمبيكي لتعليق الجولة، من دون أن يحدّد موعداً جديداً، علماً أنّ مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم غندور، قال في تصريحات الأحد الماضي، إنّ الحكومة تلقت دعوة من أمبيكي لاستئناف التفاوض بعد الخامس والعشرين من الشهر الحالي.
من جهة ثانية، أُثار خطاب أرسلته الحكومة إلى مجلس الأمن الدولي، أكّدت فيه سير عملية "الحوار بسلاسة"، غضب أحزاب المعارضة المشاركة في الحوار، بينها حزب "المؤتمر الشعبي" وحركة "الإصلاح الآن"، لاسيما أن الخطاب أًرفق بخارطة الطريق التي أعدّتها لجنة "7+7" الخاصة بالحوار، في يونيو/حزيران الماضي، قبل أن تصادق عليها الجمعية العموميّة لأحزاب الحوار، والتي يرأسها البشير نفسه، وتضمّ رؤساء الأحزاب. ورأت المعارضة في الخطوة "عدم جدية"، و"محاولة لاستخدام موافقتها على الحوار لتحقيق أجندة خاصة، لا سيما أن الرسالة حملت مطالبة لمجلس الأمن بعدم استصدار أي قرار ضد الخرطوم". ودفع ذلك برئيس حركة "الإصلاح الآن" المعارضة، والمنشقة أخيراً عن الحزب الحاكم، غازي صلاح الدين، إلى مطالبة أحزاب المعارضة المشاركة في الحوار، بإعلان الانسحاب منه، والعمل على إيجاد حلول للأزمة السودانيّة، بعيداً عن مراوغات النظام الحاكم.
وبالفعل، شرعت الحركة في اتصالات مع أحزاب المعارضة، لإقناعها بالانسحاب من الحوار، باعتبار أن المعطيات تؤكد أنّ الحزب الحاكم متّجه للانتخابات العامة، وأن الغاية من دعوة الحوار كانت مجرد تكتيك للوصول إلى الانتخابات.
في المقابل، يعارض حزب "المؤتمر الشعبي" مساعي "الإصلاح الآن"، إذ يتمسّك زعيمه حسن الترابي بقوة بالحوار، باعتباره المخرج الوحيد للأزمة السودانيّة. وعلى الرغم من تململ قيادات وأعضاء الحزب من موقف زعيمه، الذي يحاول جاهداً إقناعهم بجدوى الخطوة، لا يبدو أنّ الترابي بصدد التخلي عن قناعته، على خلفيّة اعتقاده بأن "أي تغيير للنظام الحالي عن طريق العنف سيخلف كارثة حقيقية في البلاد، نظراً لاستعداد البشير القيام بأي شيء بهدف الاحتفاظ بالسلطة، وفق ما تقول مصادر من "المؤتمر" لـ"العربي الجديد".
وفي سياق متّصل، تخشى المعارضة المشتّتة أن يقود فشل الحوار إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد، خصوصاً أنّ المعارضة، طوال الخمسة والعشرين عاماً الماضية من عمر النظام الحالي، فشلت في تغييره، كما أنها هي نفسها تعاني من عدم التماسك والضعف، الأمر الذي سهّل لنظام البشير اختراقها، إذ درج طوال الفترة الماضية على نشر محاضر لاجتماعاتها، كما نجح من خلال الدعوة إلى الحوار، في إحداث هزّة في تحالف قوى المعارضة، تمثلت في انسحاب وتجميد أهم حزبين فاعلين في التحالف، وهما "الأمة" القومي و"المؤتمر".
وبحسب المعطيات، يبدو نظام الخرطوم ماضياً في إجراء الانتخابات في موعدها، مما يفسح له المجال للفوز من دون منافسة تذكر، بالنظر إلى إعلان المعارضة مقاطعتها، الأمر الذي ينذر باستمرار الأزمة السياسية وتعميقها من جهة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية من جهة أخرى.
ويؤكد المحلّل السياسي، خالد التجاني، لـ"العربي الجديد"، أنّ الحوار فشل عملياً، بغضّ النظر عن إقدام الأحزاب المعارضة على إعلان الانسحاب من عدمه، باعتبار أن خطاب الرئيس البشير الأخير نسف الحوار تماماً.
ويوضح التجاني أن "البشير قفز فوق نيّة الحوار"، لافتاً إلى أنّ "لكلّ طرف رؤية مختلفة لمخرجات الحوار، إذ ترى المعارضة أنّه سيقود إلى تفكيك النظام الحالي وإحلال نظام بديل، بينما ينظر إليه الحزب الحاكم كحوار إلحاق فقط، عبر استيعاب عدد من الأحزاب في الحكومة".
ويعتبر التجاني أن في الحوار فرصة للطرفين، وعلى الرغم من كونه لن يخرج البلاد من أزمتها، لكنّه سيشكل محطة للكشف عن عوامل ضعف النظام نفسه، والذي لا يشعر بالتهديد بسحب السلطة منه، ولا يضع أي حساب للمعارضة، على حدّ قوله.