إقالة هذا العدد الكبير من الرؤساء والعمداء ومساعديهم في القطاع العام كان من مطالب الطلاب والأساتذة السودانيين، وأطلق شرارة التغيير في الحياة الجامعية، ما دفع بأكثر من مائة بروفيسور سوداني من داخل السودان وخارجه للإعراب عن استعدادهم للعمل في الجامعات السودانية من دون أجر لمدة عام، لتغطية أي نقص قد يحدث في العملية التعليمية والأكاديمية بسبب الاستقالات والإقالات الجماعية التي تقدم بها مديرو الجامعات وعمداء الكليات المختلفة.
إذن السودان يسير إلى الأمام نحو تطهير مؤسسات التعليم العالي من أرجاس النظام السابق، وهي خطوة رئيسية في فتح ملف التعليم عموماً بما فيه المرحلة ما قبل الجامعية، باعتبار أن مخرجات هذه المرحلة هي من عوامل المحددة لمستوى الطالب الجامعي.
وتدخل الإقالات التي تمت في باب الإصلاحات المطلوبة في مؤسسات التعليم العالي، وهو ما نادى به الطلاب خلال الانتفاضة التي استغرقت ثمانية أشهر قدموا خلالها الشهداء والجرحى من زملائهم للتخلص من نظام البشير ومنظومات الفساد التي قادت البلاد إلى كوارث على الصعد السياسية والاجتماعية والعلمية، ما يتطلب استكمالها بتحديث معايير قبول متشددة، تنهض بمستوى الطلاب الذي تعرض للتراجع في غضون العقود الماضية، بفعل استقبال أعداد تفوق قدرة الجامعات على الاستيعاب، وحلول الزبائنية بين الأساتذة والطلاب محل البحث العلمي والإبداع. على أن هذا التوجه، وإن كان قد نجح في وضع مداميك التغيير إلا أنه سيصطدم بقوتين رئيسيتين أولهما تتمثل في بقايا الدولة العميقة في السودان بأجهزتها القديمة، وثانيهما الجامعات والكليات الخاصة التي تعتمد مقاييس تجارية في استجلاب الطلاب، ما أحدث تضخماً في أعداد الخريجين، بمعزل عن المستوى الذي يتوجب أن يحظى به الطالب الجامعي في عالم تنافسي.
أكثر ما يخشاه رؤساء الجامعات السودانية وأسر الطلاب مع استئناف الدراسة بعد 10 أشهر من الإغلاق، أن تكون الجامعات ساحة للعنف. وكان الأهالي يتخوفون من ذهاب أبنائهم إلى الجامعات خصوصاً بعد اكتشاف مخابئ أسلحة داخل عدد من أحرام الجامعات تخص "وحدات الجهاديين" التي تتبع الاتحاد العام للطلاب السودانيين الذي وضع نفسه في خدمة السلطة وقدم لها خدمات أمنية وقمعية واستخباراتية. وبحضور لجنة مراجعة الأصول وتهيئة الأجواء بجامعة السودان، أظهر فيديو عاملاً وهو يسحب سكاكين وزجاجات "المولوتوف" وغيرها من سقف مستعار لإحدى مكاتب "الوحدة الجهادية".
وامتلك طلاب المؤتمر الوطني -الحزب الحاكم سابقا- مقار في كل الجامعات باسم الوحدات الجهادية، التي أدارت عملاً يتسم طابعه بالأمني والسياسي. ولطالما اتهم المناوئون هذه الوحدات بأنها موئل للسلاح والعنف. ومن المعلوم أن هذا الاتحاد كان يترأسه دوماً موالون للنظام باستثناء مرتين حدثتا في جامعتي الخرطوم (2007 ) والنيلين ( 2009)، ما يعني سيطرة شبه كاملة على الحياة الطالبية في البلاد.
اقــرأ أيضاً
وقد سبق أن علق النظام السابق الدراسة في كل الجامعات السودانية في ديسمبر/كانون الأول من عام 2018 بعد اندلاع الاحتجاجات المطالبة بتنحي البشير عن الحكم، في محاولة لمحاصرة الاحتجاجات في المدن. وهي الاحتجاجات التي مهدت الطريق أمام الثورة الشعبية التي اندلعت في البلاد بمدنها وقراها وقادت إلى سقوط النظام.
(باحث وأكاديمي)
إذن السودان يسير إلى الأمام نحو تطهير مؤسسات التعليم العالي من أرجاس النظام السابق، وهي خطوة رئيسية في فتح ملف التعليم عموماً بما فيه المرحلة ما قبل الجامعية، باعتبار أن مخرجات هذه المرحلة هي من عوامل المحددة لمستوى الطالب الجامعي.
وتدخل الإقالات التي تمت في باب الإصلاحات المطلوبة في مؤسسات التعليم العالي، وهو ما نادى به الطلاب خلال الانتفاضة التي استغرقت ثمانية أشهر قدموا خلالها الشهداء والجرحى من زملائهم للتخلص من نظام البشير ومنظومات الفساد التي قادت البلاد إلى كوارث على الصعد السياسية والاجتماعية والعلمية، ما يتطلب استكمالها بتحديث معايير قبول متشددة، تنهض بمستوى الطلاب الذي تعرض للتراجع في غضون العقود الماضية، بفعل استقبال أعداد تفوق قدرة الجامعات على الاستيعاب، وحلول الزبائنية بين الأساتذة والطلاب محل البحث العلمي والإبداع. على أن هذا التوجه، وإن كان قد نجح في وضع مداميك التغيير إلا أنه سيصطدم بقوتين رئيسيتين أولهما تتمثل في بقايا الدولة العميقة في السودان بأجهزتها القديمة، وثانيهما الجامعات والكليات الخاصة التي تعتمد مقاييس تجارية في استجلاب الطلاب، ما أحدث تضخماً في أعداد الخريجين، بمعزل عن المستوى الذي يتوجب أن يحظى به الطالب الجامعي في عالم تنافسي.
أكثر ما يخشاه رؤساء الجامعات السودانية وأسر الطلاب مع استئناف الدراسة بعد 10 أشهر من الإغلاق، أن تكون الجامعات ساحة للعنف. وكان الأهالي يتخوفون من ذهاب أبنائهم إلى الجامعات خصوصاً بعد اكتشاف مخابئ أسلحة داخل عدد من أحرام الجامعات تخص "وحدات الجهاديين" التي تتبع الاتحاد العام للطلاب السودانيين الذي وضع نفسه في خدمة السلطة وقدم لها خدمات أمنية وقمعية واستخباراتية. وبحضور لجنة مراجعة الأصول وتهيئة الأجواء بجامعة السودان، أظهر فيديو عاملاً وهو يسحب سكاكين وزجاجات "المولوتوف" وغيرها من سقف مستعار لإحدى مكاتب "الوحدة الجهادية".
وامتلك طلاب المؤتمر الوطني -الحزب الحاكم سابقا- مقار في كل الجامعات باسم الوحدات الجهادية، التي أدارت عملاً يتسم طابعه بالأمني والسياسي. ولطالما اتهم المناوئون هذه الوحدات بأنها موئل للسلاح والعنف. ومن المعلوم أن هذا الاتحاد كان يترأسه دوماً موالون للنظام باستثناء مرتين حدثتا في جامعتي الخرطوم (2007 ) والنيلين ( 2009)، ما يعني سيطرة شبه كاملة على الحياة الطالبية في البلاد.
وقد سبق أن علق النظام السابق الدراسة في كل الجامعات السودانية في ديسمبر/كانون الأول من عام 2018 بعد اندلاع الاحتجاجات المطالبة بتنحي البشير عن الحكم، في محاولة لمحاصرة الاحتجاجات في المدن. وهي الاحتجاجات التي مهدت الطريق أمام الثورة الشعبية التي اندلعت في البلاد بمدنها وقراها وقادت إلى سقوط النظام.
(باحث وأكاديمي)